عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

نورة عبد المهدي صلاح - فلسطين

الحب والحرب والوطن


نصوص قصيرة عن الحب والحرب و الوطن والحياة

نورة صلاحعن السلم والحرب والحب

ملبدة الأجواء بغبار يثير الحساسية، سحب شاحبة وصفرة تلون السماء، يرتدي الكون ثوب السواد والدماء، وهذا الدمار والركام والأنقاض التي محت كل قافية كتبت، وكل قصيدة ولدت، وصوت طبول حرب تفزع منها القلوب خوفاً من أن تشتت الحرب الأحبة، إلا أن حالة السلم والحرب التي تسود الحياة لا تعنيني كثيراً لأن درباً من السلام والأمان تعبد ما بيني وبينك.

وإن بدأت الحرب؛ سأختبئ في ملجئك، وأعيش أيامي معك، لن ترهبني ضوضاء الصواريخ وظلمة المكان. تُلبسني الأمان بنظراتك، تخلع عني القلق السخيف، أشحن رسائلي في الحرب لأفجرها في صناديق البريد شوقاً وحنيناً لكل قريب وبعيد، أترك بنهاية الرسالة وصية للحب الذي بيننا؛ أن لا يقف بالصفوف الأمامية في الحرب، فهو أول الشهداء والأسرى، وأخر المحتفلين بالنصر، وأن يتذكر أن قلبي متعطش لثلاثة أشياء: وطن بلا هم، وطن بلا أعداء، وغناء يطفئ جذوة الحرب، ويرتل السلام على مسامع الأحباب.

عن الرصاصة

أطلقها جندي من برج المراقبة من بندقية عدائية الصُنع، تابعت كسر الصمت المحيط وهي تبحث عن جسد تستقر فيه لتطفئ حرارتها، اخترقت بيتاً هادئاً؛ ينام ساكنوه ونوافذهم تعانق السماء، تختبئُ في عيونهم النجوم، يُحيكون من خيوط الشمس ملاذاً من غدر البرد القادم، وبالمحبة يتدفئون وينعمون بالأمان، إلا أن الغدر أتى برصاصة أنهت الزمن، واستقرت بروح أحدهم، وأبدلت المكان من بيت آمن لخراب ينعق فيه الحزن الأليم، برج المراقبة والجندي والكثير من العتاد المعادي الصنع ما زال يتكاثر حول البرج بشكل مريب.

عن عيد الوطن والحب

(1)

أطل على وطني الحبيب صباح العيد، أتفقد جراحه أرشها بالملح وبعض التراب الأحمر، مازال لليوم يتأوه حزناً على وريده المبتور، ويلعن من قسموا حجراته، ونصبوا أنفسهم حماة الضريح والشهيد. ما أقبح الأعياد إذاً!

(2)

كتبت إليه في العيد الأول لهما تسأله كيف عيدك؟

أجاب: وكيف يعيش من قطعوا وريده ؟

كتبت إليه؛ أنتَ حلوى عيدي، وزينتي وخاتمي وثيابي الجديدة، أنتَ قلم كحلتي، وجديلتي وجمالي، أنتَ على الجبين قُبلةُ الزمن الجميل، وقصيدة المشتاق. ما أجمل الأعياد إذاً!

(3)

كانت الأعياد في الطفولة تأتي لنا بكل جديد وجميل، بالونات وورود وكعك، ملابس جديدة، أحذية لامعة، شرائط بيضاء وحمراء تلتف حول الجدائل المسدلة، كانت الأعياد تأتي إلينا بكل زينتها، ترقص معنا، تشدو لنا، وتحمل بأيامها قٌبلاً وبهجة، أصبحت الأعياد تأتي بباقة ورد على ضريح شهيد أو حبيب غاب عنا، وكعكة جاهزة ملفوفة بأوراق فائقة الجمال، طعمها معجون بالذل والهوان. هذه هي الأعياد الآن.

عن الرقص والحرب

(1)

ارغب بالرقص، وتدوين الحكايات الهاربة مع الأغنية، وتورط القدمين بعشق الفوضى وارتعاش الأفئدة، أرغب بالرقص لتهتز السماء من بعيد كأنها فيلم يتحرك، أرغب بالرقص لرفض الثبات والمقدمات الجامدة، يأتي الرقص بلا عناوين أو اتجاهات، بلا مقامات ولا حسابات. الرقص رغبة الملائكة بالنهوض من كتابة الخطايا، ورغبة الأفكار في التحرر من الألم.

(2)

عندما تدق الحرب طبولها، يمارس الكل هواية الرقص.

عن الحلم والأمنيات

حلمي العزيز؛ إذا استيقظت صباحا ولم تجدني، فقد ذهبت للعمل متأخرة كالعادة، التزم الفراش بدلا عني، حتى يبقى دافئا لآخر الليل، إن رغبت بتناول فطورك، سأترك كوب الحليب دافئا، ورجاءً عدل مزاجك السيئ بقليل من القهوة، لا تنس أيضا أن تطفئ جرة الغاز بعد أن تفوّر الحليب وأنت سارح، أو تدلق القهوة لتطشطش بقوة على النار الزرقاء. افعل ما تشاء وتمتع بيومك، شاهد التلفاز، تنقل بين القنوات الستمئة، كل ما أتمناه منك، أن تدعني وشأني لأنام بهدوء هذه الليلة.

إلا أن قليلا من الأمنيات سليم، بعضها عرجاء، وأخرى مصابة بشلل دائم. تجلس على مائدة الغربة، وعندما يطول جلوسها تتغذى على الانتظار، وإن طال الانتظار حزمت حقائبها للرحيل، وإن رحلت ترجع خالية من كل أمل وصبر وفرح، ودورة الحلم مؤلمة ففي الطفولة يكون ملوناً موشحاً مورداً وشبه طائر.

في الشباب يكون مشعاً براقاً لامعاً وشبه أملس.

في الشيخوخة يكون باهتاً له ظل ثقيل وخشن الملامح والحضور.

D 25 أيلول (سبتمبر) 2013     A نورة صلاح     C 8 تعليقات

3 مشاركة منتدى

  • السلم والحرب والحب ..
    لن نصل إلى السلم إلا بنزع فتيلة الحرب وزرع نبتة الحب ،هي
    درب الأمن والسلام ..وقتها ستتحقق الأماني بوطن دون هموم ولا أعداء ..مرتلين ومنشدين أغاني النصر ..هذا حلم فهل يتحقق ..؟
    عن الرصاصة ..
    رصاصة غدر صائبة من عدو استباح حرمة بيوتنا وأهلنا لأهون علينا من رصاصة غدر موجهه من أخ لأخيه على تراب واحد ... أو رصاصة غدر صائبة من قناص تعود قتل أناس دون محاسبة ..؟
    عن عيد الوطن والحب ..
    إن قطع وريد الوطن فهي الطامة الكبرى ولن يستعيد الوطن عافيته إلا بالمتبرعين بالدماء ..؟
    عن الرقص والحرب ..
    في الحرب يكون الرقص على أصوله وطقوسه وإيقاعاته الملائمة على جثث القتلى والجرحى والوطن المهدم .
    عن الحلم والأمنيات ..
    من منى لا يتمنى أن تتحقق أمانيه وأحلامه ،وإن كبرنا وعجزنا فلا زلنا نتمسك بها ونعيش لأجلها ونفتقدها إن غابت عنها .

    وتبقى للنص رمزيته الجميلة المعبرة ..


    • {{}} مريم العزيزة .. ما اجمل قراءتك للنص ورؤيتك فيه.. ما اجمل السلام وما ألعن الإستسلام .. نحن نبحث عن السلام بالعيش على أرض الوطن دون منغصات . دون إحتلال .. لا بالتفاوض معه او تقديم التنازلات وهذا ثابت لا رجعة فيه.
      رغم ألالات الحرب وسطوتها علينا إلا أن الرصاصة الذي أتى يبحث عنها الجندي المعتوه برضاعة الطفل يدل على سذاجة وضعف أسطورة الجيس الذي لا يهزم فقد هزمه خوفة أولا فلنا نصر قريب بإذن الله.
      شكرا لروح المقدسية .. شكرا مريم

    • أسلّم على مؤلّفة هذا النص تحية السّلام.
      أنا بوسنوي فلاحظت أنه في النّص تجلّيات أدبيّة راعيّة, خاصّة لو أخذنا نوعيّة الموضوع و كيفية سهولة عند الكتابة بعين الاعتبار.
      كما قلت إنني بوسنوي فأودّ لو أستطيع الترجمة إلى لغتي البوسنويّة.
      لأجل ذلك, أسأل السّيّدةَ المكرمة المسلمة عن إجازة الترجمة؟

      السّلام عليكم و رحمةاللّه و يركاته!

    • بداية عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
      بداية الرجاء الرجوع للأستاذ عدلي الهواري بهذا الأمر وطلب الإذن منه شخصياً مع ضرورة الإشارة بأن هذا المقال منشور في مجلة عود الند وبيان رقم العدد والإصدار . كذلك بيان إسم الكاتب مع الشكر وطبعا الرجاء الرجوع للأستاذ عدلي الهواري من أجل أخذ الموافقة منه أولاً

  • وليت الذي بيني وبينك عامرٌ
    وبيني وبين العالمينَ خرابُ.
    سأبوح لك بسرٍ يا نورة..؟
    بروح محبتك؛ قرأتُ المقطع الثاني من الفقرة الأولى على مسامع صديقة.. .. فبكتْ.
    الحرب ملعونة.. وأنت يا نورة سفيرة قلوبنا للسلام والحب، وأنت قصيدة المشتاق، وبهجة الأعياد. أنت الشام يا نورة.

    البندقية سريعة كالجفن؛ والرصاصة لا تتنتظر ولا تميز ضحيتها.. والقلب لم يعد عضلة طيعة يحب ويكره.. عَوَّدْتْهُ الحرب أن يكره وحسب.

    في الشباب يكون مشعاً وفي الشيخوخة.. "بالبال بَعْدو حَنينْ الطَّيْرْ لِزْغارو".

    ما تقولينه في كل مرة.. يزيدني قناعة أن كلامك حزين وجميل وفوَّاحٌ. هكذا جنباً إلى جنب. فوَّاح "كعطرالياسمين وجميل كدوالي الكروم والزيتون".. ورقصك حزين كرقصة "زوربا" أو كرغبة الملائكة في البكاء أو"كدموع الحلاّج".. رقصك أنغام نايٍ ونشيدُ خصرٍ وليُّ قوام.. ما تقولينه يا نورة بحجم الحب والأمهات والأرض والأوطان.


  • من أجمل وأروع ما قرأت ..!أسلوب متميز في كلماته واختيارألفاظه ودقة ومعانيه، يفيض بعواطف شتى متنوعة مابين الألم والحنين والحب والأمل
    ذكرتني كلماتك بأيام عجاف قاسية مرت علينا وعانينا منها من قتل ودمار إلا أنها لم تخل من قصص حب عاشت بين الركام ..
    فنحن شعب نحب الحياة وإن قست علينا !
    أبدعت وتفوقت بكل كلمة عبرت فيها بأسلوب (سلس ممتنع )
    أشكرك


في العدد نفسه

كلمة العدد 88: القول الفصل للسلطة التي تمثل الشعب: مجلس العموم البريطاني مثالا

النقاد وفكر مي زيادة

الهوس بفكرة الكمال

الكتابُ الرقميّ يجتاحُ الورقيّ

فيلما آثار جانبية وأضواء في الغسق