عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

سهام الجبوري - النمسا

أكتبك بأحمر شفاهي


هذا الأحمر سأرشه على جسدكَ تعويذة سومرية من تعويذات جلجامش، كي لا يموت الحب ثانية كما مات انكيدو، وأحمر شفاهي سأشهره سيفا بوجهكَ، كي تكف عن أن تكون جلادي وحبيبي ومخلصي وصليبي. (عشتروت)

=1=

أعرف أنكَ مزاجي الطباع، سوريالي الذائقة، زئبقي الانفلات من بين أصابع قدري معكَ، لن تستهويكَ أي امرأة، وأيا من النساء العابرات لقارات حزنكَ. كتبتكَ من قبل بأسود كحلي، وحبر وجعي، وعهر بوح قميص نوم فجائعي الأسود الفاجر. ولما أيقنت أنك ما كنت عاشقا لاسود غوايتي لكَ، بل كان لون حدادكَ على فجيعتكَ بامرأة قبلي، قررت اليوم أن اخرج عن صمتي، وأأدَ بنات خرسي، وأعلن ثورتي البلشفية الحمراء عليكَ، وأكتبكَ بأحمر شفاهي.

=2=

كل من عرفت من الرجال ينهض فيهم ألف هارون وشهريار لو لمحوا الأحمر يختال بفجوره أمامهم، إلا أنت. لن يستهويك إلا أسوَدي. لا تكترث، فلا غرو من مجازفتي معك وتحديك هذه المرة، بأن أرفع اللون الأحمر سيفا بوجهكَ، علك تستسلم أمام ماض لن يورثك إلا عمى الألوان، ولن يسقيك من حبره إلا ثمالة حروف ثكلى، وقصائد سوداء لنساء عابرات، رمتك متسكعا على بوابات قدري، لأكتبكَ بأحمر شفاهي.

=3=

اعتدتُ أن أكون معكَ ملساء كأفعى. أليفة كقطة ناعمة كزغب بدائيتي، بريئة كوجه طفولتي، وديعة كحمل برجكَ، لا مباغتة شرسة كسرطان برجي. قررت أن أريكَ مخالب اللبوة بي، دهاء الذئبة بي. خداع اللون الرمادي بي. مواربة الغيرة بي. وكيد الأنثى بي. حاسمة كحد سيوف أظافري التي كنت تعشقها، فدفعتها لتتمرد وتعلن ثورتها عليك، لأكتبك بلون طلاءها وحد شفرتها، وأكتبك بأحمر شفاهي.

=4=

لن أجيد الكتابة بالحبر السري. سأكتب بأقلام شفاهي على مرايا قدرك. فضيحتي بك. وأعلق أشعاري لك على أستار كعبات الشعراء، وأهجوك وأهجوك وأهجوك في أسواق الشعر، يا أمير شعرائي وعروة صعاليكي، يا "غواية الشحرور الأبيض، و غواية عري التفاح الأحمر"، سأستقيل من كل أحزاب الكون، والشعر والشعراء، وأنتمي لحزب غواية كرز شفتي، اللا منتمي لحزب الخضر، بل لحزب الخمير السود، وسأنتمي لحزب الخمير الحمر وثوار الهنود الحمر، لأكتبكَ بأحمر شفاهي.

=5=

أيها الساموراي الأول والأخير، الشاهد على انتحاري بلا مبالاة محارب مهزوم، أكل سيفه الصدأ. يا جلادي وحبيبي المنغرس كخنجر في بطن قصائدي، المحتفي أبدا بانتصاراتكَ الواهمة على جحافل حروفي، احتفاء مقاتل بطقوس قداس موت، "هاراكيري". أستعير من الدالاي لاما حمرة إحرامه، وأكتبكَ بعهر أحمري، فانحرني كما شئت بكل طقوس المايا والانكا وبوذا وكريشنا. وأنا سأنحرك على طريقتي، وأكتبكَ بأحمر شفاهي.

=6=

كنت قبل الأمس تحتضن كفي بشموخ صقر وفخر سيف محارب مسلول. تحتويني بين شفتيك وأصابعك بغرور ومباهاة سيجار كوبي من عصر الثورات الحمر. أين مني تلك الشفاه التي أعدت فيها كتابة تاريخ الأنوثة على جسدي؟ أين مني تلك الأصابع التي كتبت بها ذات عشق: "أنتِ الأنثى التي أشتهى أن تعشقني، وتكتبني وتخنقني عشقا بنفس تلك الأصابع"؟ سأكتبك بأحمر طلاء أظافري التي كنت تعشقها فكفرتها، وسأختم على ورق قصائدي إليك بشفاهي وثيقة نحري، وأؤبنك وأرثيك بحقد امرأة لن ترفع أعلامها البيضاء وانكساراتها، بإعلان سقوط قلاعها أمام مد جحافل خياناتك، وأكتب على مرايا عمرك "ما عدت عشقي". فإياك من امرأة إن كتبتك بأحمر أظافرها، ومني إن كتبتك بأحمر شفاهي.

=7=

يا من أوهمتني عصورا أن الأحمر ثوب الشهوة والخطيئة التي لا تبارح حواء، فكنتُ خطيئتك. يا من أوهمتني أن التفاحة هي رمز غوايتي ولعنتي، فكنت لعنتك ووهم غوايتك. يا من أوهمتني أن الجسد والأنوثة تابوها وخمرا لا تقربهما، فكنت تابوهك. يا من أوهمتني أن لا شيء يسكت صوتي، غير ختان ووأد حلمة أنوثتي، فكنت أبشع جرائم نازيتك. يا من أوهمتني أن أحمر شفاهي وأظافري، وأسود شعري وقمصاني عورة، فكنت عورتك، يا من أوهمتني أن الأنوثة لا تنجو من سيفك، حتى يراق على جوانبها الدم، فكنت ذبيحتك، عمدني بدمي المسفوح على مقصلة أنوثتي، واعتقني منكَ، كي أكتبك بأحمر شفاهي.

=8=

امنحني بعضا من بيض صنائعك وسود وقائعك وخضر مرابعك، وعتمة ليلك عينيك وشعرك، وحبر قصائدك، لأكفر بها خطايا أحمري، وأكف عن إدمانك، وأن أكون أنثى بلا خطيئة

واذكرني (وبيض هندكَ تقطر من دمي = = فلقد ذكرتك والرماح نواهل مني)

كفرني كما شئت، واتركني أكفّر خطيئتي بك ومعك وفيك و منك كما أشتهي، لأكتبكَ بأحمر ماضيك ولياليك، وأكتبكَ بأحمر شفاهي.

D 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009     A سهام الجبوري     C 0 تعليقات