عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 9: 96-107 » العدد 102: 2014/12 » ترك الأسرة في القانون الجزائري

رفيق العقون - الجزائر

ترك الأسرة في القانون الجزائري


جريمة ترك مقر الأسرة على ضوء نص المادة 330 من قانون العقوبات الجزائري

رفيق العقونخص المشرع الجزائري الحياة الأسرية بالترابط والتكافل وهو ما نصت عليه المادة 03 من قانون الأسرة [1]، كما تتطلب في نفس الوقت بذل جهد مشترك لإقامة بيت سعيد وآمن ومستقر تحت سقف واحد خصه قانون العقوبات بعبارة مقر الأسرة، فتخلي أحد الوالدين عن وظيفته وتركه لمقر الأسرة دون سبب جدي أو شرعي لمدة تتجاوز الشهرين مع تخليه عن اِلتزاماته سواء كانت مادية أو أدبية تعد جريمة معاقب عليها قانونا بموجب نص المادة 330 من قانون العقوبات[2]،الأمر الذي يقتضي دراسة أركان هذه الجريمة ، ومغزى المشرع في وضع قيد للمتابعة من خلال دراسة إجراءات المتابعة والجزاء.

للجريمة ركنان: مادي ومعنوي. يقوم الركن الأول على العناصر التالية:

=أ= الاِبتعاد جسديا عن مقر الأسرة: إن هذا الشرط يفيد أن الاِبتعاد الجسدي هو الاِبتعاد عن مكان إقامة الزوجين والأولاد معا، مما يفهم منه التسليم بوجود مقر للأسرة يترك من طرف الجاني، مما يعني عدم قيام هذا العنصر إذا ظل الزوجان يعيش كل منهما في بيت أهله منفصلا عن الآخر، وكانت الزوجة ترعى ولدها في بيت أهلها وذلك لاِنعدام مقر الأسرة. في هذه الحالة وعلى هذا الأساس قضى في فرنسا بعدم قيام الجريمة[3].

وينبغي في ذلك ضرورة وجود عقد زواج وإرفاق نسخة منه بالشكوى، لأن مجرد تقديم شكوى لا يكفي وحده لاِتهام هذا الرجل ومتابعته جزائيا إلا إذا تمكنت تبعا لذلك من تقديم وثيقة عقد زواج المقيدة أو المسجلة في سجلات الحالة المدنية، وهو المبدأ الذي أقرته المحكمة العليا في حيثيات القرار القاضي بأن: «المتابعة لم تتم إلا بتقديم عقد من الحالة المدنية يثبت منه زواج الشاكي وأن الاِدعاء بالزواج يجب أن يجزم إثباته إلى عقد مسجل بالحالة المدنية»[4].

أما إذا كان عقد زواجهما قد أبرم بالطريقة العرفية وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية ولم يسبق أن وقع تسجيله في الحالة المدنية، فإذا قررت الزوجة تقديم شكوى عليها تثبيت زواجها أولا وفقا لأحكام المادة 22 من قانون الأسرة التي جاء فيها أنه: «يثبت الزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية، وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم قضائي»، بالإضافة إلى إثبات أن العقد ما زال قائما ولم يقع اِنحلاله بالطلاق، ولا بأي سبب من أسباب اِنحلال عقد الزواج الأخرى[5] وهكذا يتضح أن القانون يشترط عقد الزواج لقيام الجريمة وقيامها أثناء العشرة الزوجية.

=ب= وجود ولد أو عدة أولاد: إبعادا لأي غموض، بدأت الفقرة الأولى من المادة 330 من قانون العقوبات بالحديث عن أحد الوالدين، الذي يترك مقر أسرته ويتخلى عن كافة اِلتزاماته المترتبة على السلطة الأبوية أو الوصاية، وبالتالي فإن صفة الأب أو الأم تعني بالضرورة وجود الأبناء، مما يفهم وجود ولد أو أكثر. وما إن كان الولد بالضرورة قاصرا أم لا، يفهم من نص هذه المادة التي تتحدث عن الاِلتزامات المترتبة عن "السلطة الأبوية أو الوصاية القانونية"، أي أن المقصود هم الأولاد القصر. إلا أنه حسن بوسقيعة يرى أن الأمر يحتاج إلى تمحص في ضوء أحكام قانون الأسرة[6].

وإن كان الطفل المتبنى لا يثير الجدال لأن القانون الجزائري يمنع التبني[7]، فالتساؤل يخص ما إذا كان الطفل المكفول معنيا في المادة 330 الفقرة الأولى خاصة وأن المادة 116 من قانون الأسرة عرفت الكفالة بـأنها: «اِلتزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة وتربية ورعاية قيام الأب باِبنه وتتم بعقد شرعي»، الأمر الذي ينشئ للطفل المكفول حقوقا على عاتق الكافل، وإن كان بعض أساتذة القانون الجنائي يرى أن صياغة المادة تخص الولد الأصلي أي الشرعي دون سواه[8]، كما لا تقوم الجريمة في حق الزوجين الذين لا ولد لهما. إلا أن الملاحظ أنه وبالرغم من أن المشرع رفع اللبس عن مسألة ضرورة وجود ولد أو أولاد، إلا أننا في سياق بحثنا صادفنا بعض الأحكام التي تغفل هذا الأمر بالرغم من أن القانون واِجتهادات المحكمة العليا واضحة في هذه المسألة.

=ج= عدم الوفاء بالاِلتزامات العائلية: عقد الزواج ينشئ اِلتزامات متبادلة للزوجين وكذا اِتجاه الأولاد لا يجوز الاِخلال بها، فبالنسبة للأب هو صاحب السلطة الأبوية وبالتالي لا يتخلى عن اِلتزاماته في ممارسة ما يفرضه عليه القانون نحو أولاده وزوجه. وبالنسبة للأم بوصفها صاحبة الوصاية القانونية على الأولاد عند وفاة الأب فلا تتخلى عن اِلتزاماتها نحو أولادها وزوجها، ومن هنا لا بد من التوقف عند معنى الاِلتزامات سواء "المادية منها أو الأدبية" إذ يكفي التخلي عن بعض الاِلتزامات فقط ليقع الجاني والدا أو والدة كانت تحت طائلة القانون.

الاِلتزامات المادية محصورة في النفقة، وهذا ما يتطلب تناول أحكام النفقة وفقا لأحكام قانون الأسرة، فالمادة 78 منه حددت أن النفقة تشمل «الغذاء والكسوة والعلاج، والسكن أو أجرته، وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة». والمادة 75 منه أوجبت النفقة أساسا على الأب، إلا أن ذلك يختلف تبعا لاِعتبارات الجنس والقدرة والحاجة بالنسبة للذكور إلى سن 19 سنة والإناث إلى الدخول. وتستمر في حالة ما إذا كان الولد عاجزا لإعاقة عقلية أو بدنية أو مزاولا للدراسة، وتسقط بالاِستغناء عنها بالكسب[9]، كما أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها طبقا للمادتين 37 و74 من قانون الأسرة.

أما الاِلتزامات الأدبية فقد حددتها المادة 62 من قانون الأسرة وهي رعاية الولد وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه والسهر على حمايته وحفظه صحة وخلقا. غير أن هذه الاِلتزامات محددة بموجب قانون الأسرة بالنسبة للذكر إلى بلوغ سن الرشد وإلى بلوغ سن الزواج بالنسبة للأنثى، وتقع على الأم في حالة وفاة الأب نفس الاِلتزامات التي تقع على الأب نحو أبنائه، وإذا كان الأب حيا واِنحلت الرابطة الزوجية تنتقل الاِلتزامات الأدبية إلى الأم الحاضنة. وفي هذه الحالة تنقضي اِلتزامات الأم بالنسبة للذكر ببلوغه 10 سنوات، وبالنسبة للأنثى ببلوغها سن الزواج، وللقاضي أن يمدد الحضانة بالنسبة للذكر إلى 16 سنة إذا كانت الحاضنة أما لم تتزوج مرة ثانية، وهذا بحسب نص المادة 65 من قانون الأسرة[10].

وأولى المشرع الجزائري الاِهتمام للاِلتزامات الأدبية، لما لها من تأثير على التكون النفسي والعاطفي للفرد، وعلى روابطه العائلية، فهذه الجريمة تساعد على إحداث التفكك والتصدع الأسري، لأن الجانب المعنوي جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية[11].

=د= ترك مقر الأسرة لمدة أكثر من شهرين: إذ لا يكفي مغادرة مقر الأسرة والتخلي على الاِلتزامات العائلية وإنما الأمر يقتضي ضرورة الاِستمرار لمدة أكثر من شهرين، مع الاِشارة أن العودة إلى مقر الأسرة تقطع هذه المهلة، إلا أن أمر ما إذا كانت العودة بقصد اِستئناف الحياة أو قطع المهلة متروك لسلطة القاضي التقديرية، فلو أن المتهم عاد من أجل قطع المهلة من أجل التنصل من الجريمة فإن الرجوع المؤقت لا يعتد به، وللضحية إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات القانونية.

الركن المعنوي

تتطلب الجريمة قصدا جنائيا يدل على أن مغادرة مقر الأسرة يكون مصحوبا بإرادة لا تقبل التأويل لترك السكن العائلي والتملص من الواجبات، إذ أن الأمر يقتضي أن يكون الوالد أو الوالدة على وعي بخطورة إخلاله بواجباته العائلية وعقبات ذلك.

وفي هذا الصدد يمكن القول إنه إذا كانت هناك ظروف خاصة قد دفعت أحد الوالدين إلى ترك مقر أسرته كأن يكون هناك سبب جدي كالخدمة الوطنية، أو بسبب السفر للبحث عن العمل أثناء قيام أزمة البطالة، أو لتحصيل العلم، فإن السبب عند ئذ سيكون سببا جديا وشرعيا وليس فيه أي قصد للإضرار بأفراد الأسرة[12] إذا ما اِستمر في التكفل ماديا بزوجته وأبنائه. غير أن سوء النية مفترضة وإثبات قيام السبب الجدي يقع على عاتق تارك مقر الأسرة، وهذا ما جاء في حيثيات القرار الصادر عن المحكمة العليا: «يقع تحت طائلة النقض، القرار القاضي بالإدانة لعدم توضيحه لسبب ذلك الترك»[13]، والقضاء الفرنسي بدوره قضى بأن سوء معاملة الزوجة كممارسة العنف عليها يشكل سببا شرعيا يبرر مغادرتها لمقر الأسرة.

المتابعة

تبعا لاِعتبارات المحافظة على الروابط الأسرية، قيد المشرع الجزائري النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية بوجوب تقديم شكوى من طرف الزوج المتروك في مقر الأسرة. بل ذهبت المحكمة العليا أبعد من ذلك بأن جعلت عدم الاِشارة إلى الزوج المتروك يستوجب النقض وهو ما قضت به في قرارها الصادر بتاريخ 31/03/1989 ملف رقم 48087، وجنحة ترك مقر الأسرة من الجرائم المستمرة، وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 30/06/1981 عن غرفة الجنح رقم 02 الطعن رقم 21601 وكذا القرار المؤرخ في 01/06/1982 ملف رقم 23000[14].

ويترتب على هذا القيد النتائج ما يلي:

=1= إذا باشرت النيابة العامة المتابعة بدون شكوى، تكون هذه المتابعة باطلة بطلانا نسبيا لا يجوز لغير المتهم إثارته، على أن يثيره أمام محكمة أول درجة وقبل أي دفاع[15].

=2= النيابة العامة ولما لها من سلطة الملاءمة يجوز لها تقرير حفظ الشكوى إن رأت أن شروط المتابعة غير متوفرة.

=3= تقييد المتابعة بالشكوى يقابله وضع حد للمتابعة بسحب الشكوى إذ يجوز للمجني عليه التنازل عنها في أي مرحلة كانت عليها الدعوى العمومية. والتنازل عن الشكوى يعتبر سببا من الأسباب الخاصة لاِنقضاء الدعوى العمومية، وعليه لا يجوز للنيابة العامة اِتخاذ أي إجراء من إجراءات المتابعة وإلا كان باطلا[16]، طبقا لنص المادة 06 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية[17]، وهو ما قضت به المحكمة العليا في قرارها القاضي بأن: «صفح الضحية، في جريمة ترك الأسرة، يضع حد للمتابعة الجزائية»[18].

=4= إذا أقامت النيابة العامة المتابعة بدون شكوى وأحيلت الدعوى إلى المحكمة وأثار المتهم أمامها بطلان المتابعة، يكون الحكم بعدم قبول الدعوى العمومية لاِنعدام الشكوى.

الجزاء

عقوبة جنحة ترك مقر الأسرة هي الحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة من 25.000 د.ج. إلى 100.000 د.ج. ونصت المادة 332 من قانون العقوبات على جواز الحكم على المتهم بالحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية وذلك من سنة إلى خمس سنوات كعقوبة تكميلية، وبوجه عام الحكم على الشخص المدان لاِرتكابه جنحة بالعقوبات التكميلية الاِختيارية المنصوص عليها في المادة 09 من قانون العقوبات[19].

= = = = =

الإحالات

[1] القانون رقم: 84-11 المؤرخ في: 09/06/1984، والمتضمن قانون الأسرة المعدل والمتمم، المنشور بالجريدة الرسمية، الصادرة في: 12/06/1984، العدد: 24.

[2] الأمر رقم: 66-156 المؤرخ في: 08/06/1966، والمتضمن قانون العقوبات المعدل والمتمم، المنشور بالجريدة الرسمية، الصادرة في: 11/06/1966، العدد: 49.

[3] أنظر: أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، ج 01، دار هومة، ط 10، 2009، ص. 150.

[4] قرار المحكمة العليا، غ.ج في: 09/11/1982، ملف رقم 23022، ن.ق، 1983، 02، ص. 76.

[5] عبد العزيز سعد، الجرائم الواقعة على نظام الأسرة، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، ط02، 2002، ص. 13.

[6] أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص. 150.

[7] تنص المادة 46 من قانون الأسرة أنه: " يمنع التبني شرعا وقانونا ".

[8] أنظر: أحسن بوسقيعة، نفس المرجع، ص. 150.

[9] راجع المادة 75 من القانون رقم: 84/11 السابق ذكره.

[10] أحسن بوسقيعة، نفس المرجع، ص. 151.

[11] محمد عبد الحكيم مكي، جريمة هجر العائلة، دار النهضة العربية، القاهرة، دون ذكر الطبعة، 1999، ص. 25.

[12] عبد العزيز سعد، المرجع السابق، ص. 15.

[13] قرار المحكمة العليا، غ.ج.م في: 31/03/1989، ملف رقم 48087، م.ق، 1992، 01، ص. 197.

[14] جيلالي بغدادي، الاِجتهاد القضائي في المواد الجزائية، ج 01، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، ط 01، 2001، ص. 193.

[15] أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص. 153.

[16] عمر خوري، شرح قانون الإجراءات الجزائية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، دون ذكر الطبعة، 2007، ص. 21.

[17] الأمر رقم: 66-155 المؤرخ في: 08/06/1966، والمتضمن قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم، المنشور بالجريدة الرسمية، الصادرة في: 10/06/1966، العدد: 48.

[18] قرار المحكمة العليا، غ.ج.م في: 29/04/2010، ملف رقم 574335، م.ق، 2011، 01، ص. 295.

[19] أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص. 154.

D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014     A رفيق العقون     C 0 تعليقات