عدلي الهواري
كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة
إذا بقي المعنيون من مؤسسات وأفراد متمسكين بالموقف الرومانسي الذي يفضل الورق وملمسه، ستظل تتسع الفجوة المعرفية بين دولنا النامية والدول التي تستغل التطور التقني وتضعه في خدمة العلم والمعرفة.
من الممكن أن نمضي الكثير من الوقت في الحديث عن مزايا الكتاب الورقي، والأسباب التي تجعلنا نفضل الورقي على الإلكتروني. ولا اعتراض لي على الحق الشخصي في تفضيل صيغة على أخرى، وأرحب بالكتاب الورقي عندما يكون متوفرا بسهولة. ولكن التمسك بالورقي كموقف جماعي تتبناه المؤسسات المعنية بالتعليم والبحث ودور النشر لن يعود بالفائدة لا عليها ولا على المجتمع عامة.
تتميز الجامعات الجيدة بوجود مكتبة جيدة، وبعض الجامعات كانت (ولا تزال) تفتخر بأن في مكتبتها مليون عنوان أو أكثر. ولكن قبل ظهور الإنترنت وانتشار الحواسيب، كانت المكتبات تواجه مشكلة في المساحة المتوفرة لحفظ الكتب والمجلات التي يزيد عددها كل سنة، ولذا كانت تلجأ إلى الميكروفيلم والميكروفيش، اللذين يحملان صورا مصغرة لصفحات الصحف، أو الرسائل الجامعية، فيتم الاطلاع عليها باستخدام جهاز خاص يكبّر الحروف، وطبع الصفحات التي تهم الباحث/ة.
ويعرف الباحثون والباحثات عن المراجع من كتب ودوريات أنها لا يمكن أن تتوفر في مكتبة واحدة، ولا يمكن الباحث/ة شراء كل المراجع ذات الصلة، حتى لو كانت المقدرة المالية متوفرة، فكثير من الكتب القديمة ليست متوفرة في المكتبات أو محلات بيع الكتب، واستخدام مكتبة غير مكتبة جامعتك غير ممكن بدون وجود اتفاقية تعاون بين مجموعة من الجامعات للسماح باستخدام أكثر من مكتبة واستعارة الكتب.
بعد ظهور الإنترنت وانتشار الحواسيب، وما رافق ذلك من إمكانية تصوير صفحات الكتب لتصبح متوفرة بصيغة إلكترونية، وإنتاج الجديد منها بصيغة إلكترونية، نشأت مؤسسات تقدم خدمة مهمة للجامعات ومراكز البحث، وهي تأسيس قواعد بيانات تكون في منزلة مكتبات إلكترونية تحتوي على ما نشر في الدوريات المتخصصة. من أشهر مؤسسات قواعد البيانات جيستور (Jstor)، وبروجكت ميوز (Project Muse)، وهناك غيرهما كثير، ولكل واحدة مجال تخصص.
يعرف كل من استعمل قواعد البيانات هذه فائدتها القصوى، فبالإضافة إلى إلغاء الحاجة إلى الذهاب إلى مكتبة جامعتك أو غيرها للبحث عن دورية لتصوير موضوع منشور فيها مهم لبحثك، صار من الممكن أن نجد الموضوع ونعرضه على شاشة الحاسوب في الجامعة أو البيت، وطبعه كاملا أو الجزء الذي يهمنا منه. ولا يحتاج الإنسان إلى خيال جامع لتصور الفائدة الناتجة عن هذه الخدمة وتسهيلها البحث العلمي والأكاديمي وتوفيرها الوقت والتكاليف على الباحث/ة.
لوجود الكتب، القديمة قبل الحديثة، بصيغة إلكترونية أهمية كبرى يجب ألا تغيب عن بال المؤسسات الحكومية التي تعنى بالتعليم، ودور النشر، ومراكز البحوث والدراسات، فالصيغة الإلكترونية للكتاب تجعله متاحا لكل المهتمات والمهتمين به في أي مكان في العالم خلال ثوان. وهذا يعني توسيعا لنطاق الوصول إلى المعرفة، فلا يقتصر على طلبة الجامعات، أو ساكني المدن الكبرى، أو المواطنين في دولة واحدة والمجاورة لها على الأكثر.
أتمنى أن أرى قريبا مؤسسات مختصة بتقديم خدمات شبيهة بجيستور ومثيلاتها، وتكون مختصة طبعا بالمحتوى العربي من كتب ودوريات متخصصة أو عامة، وأن تكون هذه الخدمة متوفرة للأفراد مجانا أو مقابل رسم مالي معقول، وعدم قصر الاشتراكات على الجامعات ومؤسسات البحث مقابل اشتراكات مالية كبيرة متوافقة مع حقيقة أن في الجامعات أعدادا كبيرة من الطالبات والطلاب، فمأخذي على مؤسسات مثل جيستور أن قواعد البيانات لا يمكن الدخول إليها بعد انتهاء العلاقة بالجامعة.
إذا بقي المعنيون من مؤسسات وأفراد متمسكين بالموقف الرومانسي الذي يفضل الورق وملمسه، ستظل تتسع الفجوة المعرفية بين دولنا النامية والدول التي تستغل التطور التقني وتضعه في خدمة العلم والمعرفة وتسهيل تسيير شؤون الحياة اليومية. ولذا، وقبل أن نتأخر أكثر في وضع التكنولوجيا في خدمة المعرفة، أدعو المعنيين إلى التفكير بصورة استراتيجية ووضع خطط لتحويل المتوفر من كتب ودوريات وصحف إلى صيغة إلكترونية وبناء قواعد بيانات تكون متوفرة للاستخدام بيسر من المؤسسات والبيوت.
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]
6 مشاركة منتدى
كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة, مليكة علاوي الجزائر | 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 21:02 1
السّلام/موضوع لابدّ من طرحه إذا ماكان هناك حرص على التغيير،ومواكبة الرّاهن،وإلاّ هو الفناء.ولفتة طيّبة بل ضروريّة من وسائل الإعلام بمختلف أشكالها كما "عود النّد"؛فواجب عليهاالإرشاد والتّوجيه إلى وجوب السّعي لتحقيقها،ولا تطور دون علم،وإلاّ ستظل تتسع الفجوة المعرفيّة وتظلّ قائمة ومعمرة. .
كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة, الطيب عطاوي ـ الجزائر ـ | 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 18:27 2
حقاً إنها إلتفاتة منك مهمة يا دكتور . لو أن المؤسسات العلمية التي تحتفظ بمخزون هائل من الكتب والدوريات حولتها إلى صيغ إلكترونية لأثرى ذلك المكتبة العربية أيما إثراء .
كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة, إيمان يونس | 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 16:51 3
د / عدلى ...الموضوع غاية فى الأهمية وأمام الثورة الألكترونية العالم اصبح أشبه بقرية صغيرة وتلاشت الحدود والمسافات ، ولكن ربما سلبيات النشر الألكترونى ومنها السطوعلى الموقع ذاته أو سرقة المادة المنشورة حجرة عثرة وحقيقة يجب مواجهاتها بحسم ، لو توفرت الحصانة الكاملة والحماية الغير قابلة للنقل أو الاختراق ، الغالبية العظمى ستودع طرق النشر العادية عند شعورهم بأمان ...ولكم منى كل التحية والتقدير
كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة, هدى أبو غنيمة الأردن عمانh | 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 20:45 4
تحياتي د.عدلي فكرة رائدة ستشكل تحولا مهما في تضييق الفجوة المعرفية بين عالمنا العربي والعالم المنتج للمعرفة, ولكن في ظل الواقع الحالي والأزمات تحتاج إلى جهد رسمي جاد وإمكانات وتحرر من العقلية العرفية .
كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة, سحر قراعين | 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 19:40 5
لقد قال لي البروفسور الذي كان قد اشرف على رسالة الماجستير بعد سنوات عديدة من كتابتها انها أصبحت تعتبر مرجعا لكافة طلبة الدراسات العالية في الجامعة. حاولت البحث عنها في الانترنت، ولكن للأسف لم اجدها. فإذا كانت مرجعا، لماذا لم تكلف الجامعة نفسها بنشرها؟ كنت أتمنى ان اقدم خدمة الكترونية لطلبة الدراسات العليا في قسم اللغة الانجليزية بجماعتي وجامعات اخرى. للأسف لم أتمكن من ذلك واعتقد انها بقيت على أحد رفوف مكتبة الجامعة.
كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة, هدى الدهان | 16 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 06:38 6
انا من جيل وعشاق الكتاب الورقي الا انني لااجده وخاصة في بلدي الذي اخر همه هو احضار الكتب لشعبه فانني بقيت اداور بين ما في مكتبتي و مابقي في السوق وما تجود به معارض الكتاب النادرة والتي وان وجدت فانك تجد غلب كتبها ديني طائفي اما الكتاب بالانجليزية كما احب ان اقراه و حديث ايضا فهذا صعب جدا ولحل هذه المشكلة غششت قليلا تنازلت عن الكتاب الورقي ككتاب له هيبته و دخلت المكتبات الرقمية التي انقذتني واشبعت جوعي للقراءة و حملت كتبي المفضلة باللغة التي احب و لعشقي لملمس الورق بدات بسحبها طباعيا وهي عملية مكلفة و طبعا لن تقترب من الكتاب الورقي الاصلي باصالته والكتاب الرقمي مسحوب على الورق كانه عجوز متصابٍ الا انه ماتزال له حكمته ..غشششت نعم ولكن ماذا تفعل لعاشق الحرف يبتغي الف وسيلة لتحقيق غايته .