مهند النابلسي - الأردن
فيلم بروميثيوس
بروميثيوس: فيلم خيال علمي رائع
يتميز إخراج ريدلي سكوت الرؤيوي بعدة عناصر لافتة منها المامه بالتفاصيل الدقيقة، واختياره الملائم للشخصيات، وطرحه لأفكار جديدة. وهو يجعلك كمشاهد ترتشف المغزى باستعراضه المدهش للمشاهد الخلابة المشحونة بالمدلولات والمؤشرات الذكية التي تمتع وتحفز الدماغ وترتبط بالمعنى الكلي للقصة وأحداثها.
ويظهر ذلك جليا في ملحمة الخيال العلمي الجديدة "بروموثيوس" (2012) التي يغامر بها باكتشاف الزوايا الأكثر غموضا وخطورة في الكون، يقوم فريق من العلماء والمستكشفين برحلة كونية مثيرة تسعى لاختبار قدراتهم وإمكاناتهم العقلية والجسمية، وكأنهم يسعون بعناد لتحدي أحد أم ألغاز الوجود البشري على سطح الأرض.
قصة الفيلم مقدمة بشكل بالغ التركيز، وتتحدث عن مركبة فضاء تهبط على كوكب أو قمر بعيد قاحل، وتتعرض لبعض الأضرار بفعل الهبوط الاضطراري المبكر. ويحاول الطاقم المنتقى بعناية إصلاحها. وتبدأ المغامرة باكتشافهم لمعبد فضائي كبير وبداخله "مجسم دماغ حيوي غريب " محنط، وآلاف الجرار البدائية. ويبادر دافيد "الإنسان الروبوتي" بجلب بعض الجرار إلى داخل المركبة لتحليل محتوياتها. ويتبين أن بعض هذه الجرار يحتوي على المادة الوراثية لآلاف الأنواع الحيوية ( الحامض النووي) ضمن سائل لزج قادر على إعادة استنساخ أي كائن حي بشكل خلوي، وبعضها الآخر يحتوي على مكونات فتاكة لأسلحة بيولوجية متطورة.
وتبدأ "لعنات الغرباء" بالانتقال لطاقم الرحلة بسرعة غير متوقعة، فيعانون من مظاهر العدوانية وفقدانهم لتواصلهم الإنساني الضروري. كما يتعرضون لرؤى وهلوسات مرعبة، ناهيك عن انتقال العدوى الفيروسية الغامضة لهم وتمكن مخلوقات "أخطبوطية" النفاذ لأجسام بعضهم.
ويقوم أعضاء الطاقم تلقائيا بالحج إلى أعماق المعبد الفضائي، وكأنهم سحروا، ويتلقون رسائل تخاطرية من قبل "الدماغ الحيوي الفضائي" الكامن في قلب المعبد الأسطوري، وبدا وكأنه يمارس عليهم نوعا من الشعوذة الفضائية الخارقة.
وفي النهاية التراجيدية المتوقعة، تقوم المسوخ الفضائية الشريرة والشرسة بمهاجمة الفريق الإنساني، وتقضي على أفراده، باستثناءا العالمة الجريئة "شو" وبقايا الروبوت "دافيد" (الذي تقوم شو بإعادة تجميعه وتركيب رأسه)، ليقوما برحلة مثيرة جديدة لموطن الفضائيين الأصلي.
أما اللقطة الأكثر إثارة للجدل في هذا الخيال العلمي الجامح والفريد، فتكمن في اكتشاف الرواد بالصدفة تشابه مناخ "القمر" الجوي مع مناخ الأرض، وذلك عندما يلاحظ احدهم بعد إزالته لخوذته الفضائية أنه يتنفس بسهولة تامة. وربما يفسر هذا سبب اختيار " المهندسين الغرباء" لكوكب الأرض تحديدا لزرع بذور حامضهم النووي في غابر الزمان.
ولعل في ذلك محاولة جريئة وفريدة لسبر لغز الحياة النهائي، ولكنه يصطدم بالمقابل بوجود كائنات فضائية خارقة، تحاول التماثل مع دور "الآلهة الإغريقية " العديمة الرحمة (من هنا اقتبس اسم الفيلم): فاتحون قساة لن يقبلوا بالبشر المحدودي القدرة ندا لهم، ويلعبون دور "المهندسين الكونيين" باستعلاء، وقد صمموا أسلحة بيولوجية فتاكة ومراكب فضائية خارقة، ساعين بعناد للعودة لتدمير "مخلوقاتهم" الافتراضية.
نتعلم من الفيلم الكثير عن أنفسنا كجنس بشري إذا ما أبحرنا وتوغلنا أكثر فأكثر في الفضاء الكوني الخارجي، حيث تسيطر علينا كبشر فكرة أزلية: ما هي أصولنا؟ ومن أين جئنا ككائنات ذكية متميزة ؟
تبدو فكرة تكون بذرات الحياة من خارج مجرتنا فكرة عبثية، تصطدم وتتلاعب بالمفاهيم اللاهوتية والدينية، كما أنها تثير تساؤلا منطقيا: لماذا يقوم هؤلاء " الفضائيون الغرباء " بمحاولة العودة لتدمير مخلوقاتهم بعد مضي اكثر من 35000 عام على زيارتهم الأولى لكوكب الأرض؟ وهل كانت رحلة مركبة "بروموثيوس" ذات طابع استباقي رؤيوي؟ وهل استفزت نياتهم الشريرة وداهمتهم قبل أن يباشروا بهجومهم المرتقب في نهاية القرن الحادي والعشرين؟ ولماذا يخاطر رجل أعمال ثري ومهووس (ويلاند) بتمويل رحلة فضائية باهظة التكاليف (تريليون دولار) وحافلة بالمخاطر غير المتوقعة ؟ ولماذا لا يتضمن الفريق الاستكشافي المتنوع المغامر ضباط حراسة أشداء ومهندسي صيانة مهرة تحسبا للطوارئ؟
يبدو هنا تأثر كل من المخرج وكتاب السيناريو والقصة بكتاب "عربات الآلهة" لكاتب الخيال العلمي السويسري الشهير ايريك فون دانيكن، الذي صدر في العام 1968، وهو الكتاب الذي لاقى رواجا كبيرا، والذي أشار فيه بوضوح لدور افتراضي محتمل لفضائيين كونيين في إنجازات الحضارات القديمة (كالمصرية والانكا على سبيل المثال). وساد اعتقاد مؤكد عبر العصور بأنه من الصعب تحقيق المستوى الحضاري الذي وصلت البشرية بدون مساعدة (خارجية) ما.
يتميز الفيلم بجمعه لخصائص مركزة من المزاجية والجدية والإبداع والتسلية والتشاؤم والتفاؤل والأثارة، ويخلطها بشكل ساحر لينتج عملا بصريا نادرا يتنافس بجدارة بل ويتفوق (نظرا للمؤثرات السينمائية المتقدمة والاستباقية) على فيلم "أوديسا الفضاء" لستانلي كوبريك.
◄ مهند النابلسي
▼ موضوعاتي
5 مشاركة منتدى
فيلم بروميثيوس, إبراهيم يوسف - لبنان | 27 شباط (فبراير) 2013 - 02:25 1
مهند النابلسي – الأردن
"من كتاب الكون ضاعت صفحتان، صفحتا مبدئه والمنتهى". في ثقافات الأرض المختلفة يبقى أصل الجنس البشري لغزاً لم يكتمل حلُّهُ، لتبقى للغيبيات سلطتها وسطوتها، فلا تقتلنا الخيبة وربما السخافات غير المتوقعة، ويبقى البشر معلقين بشعرة دقيقة بين اللذة والألم وبين الإيمان والكفر، أو بين العتمة والنور.
"أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة
ولا أَرى ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ"
"هكذا غنّى بروميثيوس"
1. فيلم بروميثيوس, 27 شباط (فبراير) 2013, 16:39, ::::: مادونا عسكر/ لبنان
نحن محظوظون أستاذ ابراهيم لضياع هاتين الصّفحتين، وذلك ليبقى باب التّأمّل مفتوحاً فينعش البصيرة لترى ما لا يرى
محبتي أستاذي
2. فيلم بروميثيوس, 28 شباط (فبراير) 2013, 06:58, ::::: إبراهيم يوسف - لبنان
لن أكشف لكِ ورقتي يا ست مادونا. أنا معك Sans voir
فيلم بروميثيوس, مادونا عسكر/ لبنان | 27 شباط (فبراير) 2013 - 16:41 2
شكرا على المجهود أستاذ مهنّد
متابعة لقلمك أينما حلّ
محبتي واحترامي
فيلم بروميثيوس, سيرين عبود | 10 آذار (مارس) 2013 - 12:19 3
تحليل فلسفي وفني ممتع يتناول مواضيع الوجود والحياة بطريقة غير مسبوقة وباسلوب جذاب مؤثر ...
فيلم بروميثيوس, عبيدة لصوي | 11 آذار (مارس) 2013 - 04:07 4
رائعة حقا هذه الكتابة المدهشهة التي تخرجنا من سجون ذواتنا وتحلق بنا بعيدا في آفاق جديدة من المستقبل والخيال العلمي الجامح ...أعجبني كثيرا النص الذي يقول انه لنكتشف ذواتنا فيجب ان نحلق بعيدا في الفضاء الخارجي ، وذلك يشبه كمن يخرج مغامرا في البرد خارجا لكي يتنفس الهواء النقي والاكسجين ...فاذا بقينا اسرى هواجسنا وقصصنا التقليدية ومعاناتنا سنختنق بالتأكيد ، وسيصيبنا الدوار والملل...شكرا لعود الند المتميزة التي تسمح بمثل هذا النمط الاستثنائي من المقالات .
فيلم بروميثيوس, باسل النابلسي | 13 آذار (مارس) 2013 - 23:32 5
في الماضي السحيق وصلت مركبة فضائية لكوكب الأرض ، ونزل منها كائنات فضائية ذكية متطورة ، وقام أحد هذه الكائنات الغريبة بشرب سائل أسود أدى لتحلل جسمه وسقوطه في شلال مائي عارم ، وكان هذا المحلول يحتوي على بذور الحياة الأرضية . وتحديدا في العام 2089 قام عالما الأجناس البشرية اليزابيت شو وشارلي هولوواي باكتشاف خريطة نجوم منحوتة في كهف قديم مجهول ، وتمثل اكتشافا أثريا مذهلا لبقايا حضارة قديمة ، حيث اقتنع الثري بيتر ويلاند (المؤسس العجوز لشركة ويلاند الفضائية ) بالفكرة المغامرة ، وقام بتمويل المركبة العلمية الفضائية " بروموثيوس" لمتابعة الخريطة والتوجه لسطح القمر - لي في 223- ، وشكل فريق المركبة الفضائية بشكل انتقائي وبمصاحبة الروبوت الحاسوبي (أندرويد) المصمم على هيئة انسان والذي يسمى دافيد (أبدع الممثل الألماني مايكل فاسبندر باداء هذا الدور المميز ) ، وقد انحصرت مهمته بمراقبة أدق تفاصيل الرحلة ، بالاضافة لمرجعيته المعرفية الضخمة ومهارته الكامنة في التخاطب مع الفضائيين الغرباء :بصراحة هذا فيلم غير عادي ويطرح أفكارا مستقبلية جديدة كالسبات البشري والانسان "الأندرويد" والجراحة بالروبوت !