عادل بوزيد - تونس
تأثير الشخصيات الكرتونية على الأطفال
تأثير الشخصيات الكرتونية في السلوكات والممارسات لدى الأطفال: رؤية نفسية-اجتماعية
تحظى مواضيع الطفولة باهتمام بليغ من جانب المختصين في علم النفس وعلم الاجتماع لما تشغله هذه الحقبة العمرية من حياة الإنسان من أهمية في بلورة وتكوّن الأسس القاعدية للشخصية. ولئن تراجعت وظائف العائلة، لا سيما منها التربوية والوجدانية تجاه الطفل في مقابل تدخل مؤسسات أخرى لتضطلع بهذه المهام، فإن المختصين في هذا الشأن لا يزالون يحمّلون المسؤولية الكبرى للعائلة.
ضمن هذا السياق، تسعى هذه المداخلة إلى تسليط الأضواء على الأفلام والشخصيات الكرتونية، ومدى تأثيرها على السلوكات لدى الأطفال. على أن محور الشخصيات الكرتونية ضمن هذا الإطار سوف أستعمله كمثال لملامسة واقع التنشئة الاجتماعية لدى الطفل ومدى تأثير ذلك على ملامح شخصيته المستقبلية. لذلك، من المفيد أولا التعريف بالتنشئة الاجتماعية التي تشكّل هذه الشخصيات الكرتونية احد أطرافها.
التنشئة الاجتماعية عند الطفل ومجالاتها
إن الحديث عن التنشئة الاجتماعية يفترض من الوهلة الأولى وجود طفل مهيأ للتربية والتعلّم من جهة، ومجتمع قادر على تلبية هذه المكتسبات من جهة أخرى. ولذلك فهي تعرف بتعلّم أساليب الحياة داخل المجتمع، وعموما فهي المسار الذي يستبطن من خلاله الطفل قيم المجتمع ومعاييره ومعتقداته التي ينتمي إليها. ويضاف إلى ذلك كل المعارف والرموز وطرق التفكير والتصرّف[1].
ولكن من يتكفّل بإكساب الطفل كل هذه العناصر والمعطيات التربوية والتعليمية داخل المجتمع؟
إن عملية التنشئة الاجتماعية توزّع على مجموعة من الفاعلين الاجتماعيين، أو ما يعرف بأعوان التنشئة الاجتماعية. وهناك أعوان أوليين، وتأتي في مقدمتهم العائلة التي تتكفّل بإكساب الطفل المبادئ الأولية والأساسية للتربية والسلوك. ثم تليها المدرسة التي تتولى تعليم الطفل جملة من العلوم والمعارف، كما تعمل على ترسيخ قواعد التعامل والتصرّف لديه. ثم تأتي فيما بعد وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لا سيما منها المرئية مثل التلفزيون والإنترنيت. وهذه الأعوان تتعلق خاصة بمرحلة الطفولة. أما أعوان التنشئة الاجتماعية الثانويين فيتصلون خاصة بمرحلة الكهولة ويشملون الحياة المهنية والحياة الزواجية-العائلية [2].
والملاحظ أن مسار التنشئة الاجتماعية للطفل ليس مجرّد إعادة إنتاج لما اكتسبه في السابق، وإنما هو مسار تطوّري انتقائي تجديدي باستمرار. وفي هذا السياق يجب أن يتدخّل دور العائلة للقيام بمهمة التوجيه والإرشاد والمصاحبة الحوارية تجنبا لما قد يصاحب هذا المسار من انزياحات وارتباكات التي قد تزج بالطفل في متاهات انحرافية.
ورغم أن علماء النفس يصنّفون وسائل الإعلام كفاعل اجتماعي ثانوي ضمن مسألة التنشئة الاجتماعية، فإن الواقع الاجتماعي الراهن يبرز عكس ذلك تماما، بالنظر إلى ما يقضيه الطفل من وقت صحبة والديه الذين في الغالب يشتغلان، مقارنة بما يقضيه مع الحاسوب أو التلفاز، هذا الجهاز العجيب والساحر الذي ظل يستحوذ على عقول أطفالنا ووجدانهم حتى أصبحت تراهم أحيانا يشاهدون بعض الأفلام الكرتونية وسط حالة من التركيز الذي يصل حد الذهول من فرط تشبثّهم بها. وهذا ليس بالغريب عندما نعلم من خلال دراسة قام بها الباحث الاجتماعي احمد خواجة[3]، فقد وجد أن الأطفال في تونس يبلغ معدّل مشاهدتهم للتلفاز أربع ساعات في اليوم، وهي من أضخم نسب المشاهدة في العالم. ومعن ذلك أن الطفل التونسي لا يمتلك القدرات والدوافع والمواهب التي تؤهله للتصرّف في وقته الحر فضلا عن ضعف الإحاطة العائلية وتردي النسيج الجمعياتي.
الأفلام والشخصيات الكرتونية ومدى تأثيرها في سلوكات الأطفال
تؤكّد دراسات أن تأثير الأفلام والشخصيات الكرتونية على الأطفال يكون تأثيرا تراكميا، أي لا يظهر هذا التأثير من متابعة هذه الأفلام أو المسلسلات مدة شهر أو شهرين، بل هي نتيجة تراكمية تؤدي مستقبلا إلى نتائج خطيرة، خاصة تلك التي تعرض كماً كبيراً من العنف والخيال والسحر ونسف المبادئ والعقائد الدينية والسماوية، بأسلوب غير مباشر كما في مسلسل البوكيمون. وكيف ستكون هذه النتائج عندما تعلّم هذه المسلسلات الأطفال أساليب الانتقام وكيفية السرقة وكل ما يفتح لهم آفاق الجريمة؟
إن أفلام الكرتون والرسوم المتحركة الموجهة للأطفال من الممكن أن تكون خطرًا حقيقيّا وتتحول إلى سموم قاتلة. ووجه الخطر في هذا عندما تكون هذه الأفلام صادرة من مجتمع له بيئته وفكره وقيمه وعاداته وتقاليده وتاريخه[4]، ثم يكون المتلقي أطفال بيئة ومجتمع آخر وأبناء حضارة مغايرة، فإنهم بذلك سيحاولون التعايش مع هذه الأعمال والاندماج بأحداثها وأفكارها، ولكن في إطار خصوصيتهم وهويتهم التي يفرضها عليهم مجتمعهم وبيئتهم، فتصبح هذه الأفلام والمسلسلات في هذه الحالة مثل الدواء الذي صنع لداء معين، ثم يتم تناوله لدفع داء آخر، فتصبح النتيجة داءً جديدًا.
هذه الأفلام من الممكن أن تقدم القيم والأخلاق الحميدة للطفل، ولكنها تجعله يتلقى هذه القيم والأخلاق من خلال بيئة جديدة بعيدة كل البعد عن البيئة والثقافة العربية الإسلامية التي يعيش في كنفها، فيحاول أن يتعامل معها ببراءته المعهودة، فتنمو لديه دوافع نفسية متناقضة، بين ما يتلقاه، وما يعيشه داخل الأسرة والبيئة والمجتمع.
إن أفلام الكرتون الحالية، والحديثة بالذات، تؤثر بشكل كبير جدا على لغة الطفل، حيث أن عملية التعريب لها تكون ركيكة جدا وضعيفة ومحشوة بالعديد من الألفاظ العامية، مما يجعل المرء يتيقن تمام اليقين أن هنالك محاربة حقيقية للغة العربية الفصحى.
ومما لا شك فيه أن للشخصيات الكرتونية والرسوم المتحركة تأثيرا قويا في سلوك الطفل اليومي، ويبدأ التغيير في كلام الطفل من خلال استخداماته للألفاظ والأساليب التي يسمعها. كما أن الطفل حين يتعلق ببطل معين فإنه يرغب في أن تكون جميع مقتنياته وأدواته مرسوم عليها شخصيته المحببة، وهكذا نلاحظ انه بدلا من أن نعلّم الطفل الانضباط في سلوكه نراه يتوجه للمدرسة وهو محاط بالشخصية التي تعلق بها.
وكثرة جلوس الطفل أمام شاشة التلفاز يخلق منه شخصا غير مبال وكسول، وتتسم شخصيته بالبلادة والخمول، علاوة على ما نلاحظه عليهم من السمنة نتيجة تناول الأطعمة أمام التلفاز وقلة الحركة. ومن خلال ملاحظة بسيطة نلاحظ أن أغلب ما يعرض على الأطفال هي مسلسلات تعتمد على الخيال البحت، وهكذا يعيش الطفل وسط صراع بين الواقع والخيال، بل وينمو بداخله الخيال المريض نظرا لما يراه أمام عينيه من حروب وقتل.
كما أن معاملات الطفل اليومية قد تميل إلى العنف، ويظهر ذلك في تصرفاته مع أقرب المقربين إليه في البيت. وبالإضافة لذلك فإننا نلاحظ جيدا أن الشخصيات الكرتونية تلك تظهر الذكاء على أنه الخبث، والطيبة على أنها السذاجة وقلة الحيلة، مما ينعكس بصورة أو بأخرى في عقلية الطفل، وتجعله يستخدم ذكاءه في أمور ضارة به وبمن حوله.
إن نظرة واحدة لأسماء الشركات المنتجة تضع أمامنا حقيقة هامة وهي أنها شركات غربية. وحتى لو تمت ترجمة تلك الأفلام إلى العربية فإن تغيير اللغة للعربية لن يغير شيئا من المضمون، وهنا لا نكاد نستغرب عناد وتمرد الأطفال في تعاملاتهم وتصرفاتهم والتي تشربوها من مشاهدتهم غير المراقبة لتلك الأفلام.
وعموما يمكن أن نختزل الآثار السلبية للشخصيات الكرتونية في النقاط التالية:
1= تكريس الحياة الغربية في الملبس والمأكل والمسكن مما يورث الأبناء نوعاً من التمرد على حياتهم يصل إلى درجة انسلاخ الطفل عن واقعه وارتباطه بالمجتمعات الغربية، وخاصة أن القدوة المقدمة له غالبا ما يكون اسمها غربيا ولباسها وعاداتها كذلك.
2= تفاقم الخوف والهلع في نفس الطفل حتى يغدو سلبياً انطوائياً يخشى المصاعب ويهرب من مواجهتها.
=3 جعل الأطفال متحجري القلوب قليلي التعاطف مع أوجاع الآخرين ومعاناتهم، أو على العكس جعل الطفل عدائياً انفعالياً قليل الصبر يرى المجتمع من خلال ذاته يسعى دوماً لنيل ما يريد بالقوة.
4= إيهام الطفل بأن العنف جزء طبيعي من حياتنا اليومية.
5= تبرير أعمال العنف: بما أن معظم العنف التلفزيوني الذي يشاهده الطفل عبر الشخصيات الكرتونية يرتكبه "البطل" أو "الرجل الصالح"، فهو دائماً مبرّر ومسموح به، وقد يذهب النص إلى أبعد من ذلك بحيث يعدّ العنف عملاً بطولياً يستحق التقدير.
إن الطفل الذي يجلس أمام الشاشة ويعيش ويستسلم لها دون أن يفعل شيئاً سوى الإنصات بلا حراك، فالشخصيات الكرتونية تعيش له وتفكر له وترى له وتسمع له وتعطيه الحلول الجاهزة المطلوبة، وهي بذلك تعطل قوى الفكر وتعوق تطور الشخصية واستقلال[5].
ما السبيل للحد من تأثير الشخصيات الكرتونية في سلوك الأطفال؟
إن مهمة تجنيب الطفل التأثيرات السلبية للشخصيات الكرتونية مسؤولية لا يتحمّلها الولي فقط، وإنما هي ملقاة كذلك على عاتق الدولة ومؤسسات المجتمع المدني. فأما بالنسبة للولي أو العائلة عامة فإن جهدها المتعلق بالتنشئة الاجتماعية الأولى يجب أن يفعّل بشكل معمق بإكساب الطفل الأسس التربوية الملائمة والأحاسيس الوجدانية اللازمة خصوصا في السنوات الأولى حتى يشعر الطفل بالدفء والحضور العائلي والعمل على مراقبته أو مرافقته عند مشاهدته التلفاز من خلال اختيار البرامج الدينية و التعليمية والتثقيفية، وعدم إبقائه وقتا طويلا أمام شاشة التلفاز. وحري بالولي كذلك أن يحفّز ابنه أو بنته على المشاركة في رياضة من الرياضات أو نادي ترفيهي، وبذلك ينشغل الطفل عن مشاهدة التلفاز نسبيا، ونرسّخ فيه هواية ما قد تساعده في دراسته، وبالتالي في تكوين شخصيته التكوين الجيّد.
أما بالنسبة للدولة فان دورها يكمن في توفير الفضاءات الثقافية والوسائل الترفيهية الممكنة والتي قد تساهم في استقطاب الأطفال وتشجيعهم على الخلق والابتكار. ويتمثل دور مؤسسات المجتمع المدني في توفير النسيج الجمعياتي الذي يتناسب ورغبات الطفل وسنه بإيجاد الإطارات والوسائل الكفيلة لتحفيز الطفل. ويجب أن تقوم المؤسسات الإعلامية بالتوجيه والإرشاد والتوعية المستمرّة.
= = = = =
الهوامش
[2] Martine Segalen, Sociologie de la famille, © Armand Colin, 2006,P87.
[3] أحمد خواجه،"تلفزيون الواقع بين الواقع واللاواقع"،مجلة الإذاعات العربية،عدد1،2005، ص45.
[4] أنظر الرابط: Forum.stopp55.com.
[5] انظر الرابط: Forum.stopp55.com.
= = =
المراجع
(2) Martine Segalen, Sociologie de la famille, éd, Armand Colin, 2006.
(3) مجلة الإذاعات العربية عدد 1 سنة 2005.
(4) Forum.stopp55.com