وفاء زيناتي - الأردن
المرأة الأردنية والمشاركة السياسية
بين الخطاب المعلن والواقع المعاش
ينطوي الموقف الطريف الذي تعرضت له إحدى الصديقات قبل سنوات قليلة على مفارقة مثيرة للضحك أو الأسى أو كليهما معا. ففي رحلة بحثها عن فرصة وظيفية لدى إحدى المؤسسات الإعلامية الحكومية، صدف أن التقت المدير العام لتلك المؤسسة، ودار حديث، كان مؤداه أن المدير عبّر عن رأيه الشخصي في مسألة توظيف المرأة، حيث قال: إنه يفضل تعيين الذكور بدلا من الإناث. بحجة أن الرجل صاحب ولاية وتقع على عاتقه مسؤوليات كبيرة في الحياة كالزواج، وتكوين أسرة، … الخ.
وفي ذات السنة، طالبت الأمم المتحدة بأن يتم تكريم المرأة في يومها العالمي في الثامن من آذار/مارس، تحت شعار "النساء يصنعن الخبر"، وذلك من خلال تسلّم المرأة في ذلك اليوم تحديدا مركز صنع القرار في المؤسسات الإعلامية لتعويد المجتمعات على وجود المرأة في مناصب كهذه كانت ولا تزال حكرا على الرجال دون النساء. وفي ذلك اليوم تحديدا، فوجئت صديقتي بخبر نشر في إحدى الصحف اليومية مفاده أن ذلك المدير (ما غيره) قد عيّن إحدى الإعلاميات لديه وليوم واحد، وهو الثامن من آذار، كرئيسة تحرير لقسم الأخبار، إيمانا منه بقدرة المرأة على تحمّل المسؤولية الإعلامية كما الرجل.
الموقف الكاريكاتيري أعلاه يعبّر بقوة عن التناقض الواضح بين الخطاب السياسي المعلن تجاه المرأة، والممارسة الفعلية الموجهة نحوها في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. كما أنه يعبّر عن الأزمة الفعلية التي تعيشها المرأة الأردنية على وجه الخصوص والمرأة العربية عامة.
اليوم، هناك خطاب سياسي تتبناه عدد من الدول العربية، ومن ضمنها الأردن، يدعو ويسعى إلى تمكين المرأة سياسيا، من خلال وصولها إلى قبة البرلمان والمجالس البلدية عبر ممر الحصة النسائية (الكوتا) وتوليها عددا من الحقائب الوزارية وتعيينها في الوظائف الحكومية العليا. البعض يرى أن ضرورات هذا الخطاب، لدى بعض الأنظمة السياسية العربية ومؤسسات المجتمع المدني ومن ضمنها الاتحادات والمنظمات النسوية، تمليه استحقاقات دولية مشروطة بمساعدات مالية مقدمة لتلك الدول، ولتلك المؤسسات. هذا الخطاب الذي يرتكز بصورة أساسية على الخطاب المرحلي للمجموعة الثلاثية (الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، الاتحاد الأوروبي، واليابان) الداعي إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة في مختلف المجالات، يشكك البعض بمقاصد هذا الخطاب الدولي في ظل الانتهاكات الفاضحة لمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة في منطقتنا ودول العالم الثالث.
لسنا بصدد مناقشة تداعيات هذا الخطاب السياسي الدولي في المنطقة. ولكننا بصدد مناقشة نتائج الخطاب الداخلي، فيما يتعلق بالمرأة الأردنية، على أرض الواقع. فالحصة النسائية في الأردن على صعيد الانتخابات البلدية التي جرت في العام (2007)، أوصلت امرأة لإحدى المجالس البلدية بالتزكية وحازت على صوت (صفر)، حيث لم تصوّت لنفسها ولم يصوّت حتى زوجها لها. بل التزمت بالتصويت لمرشح الإجماع العشائري. وعلى الضفة الأخرى، أفرزت الانتخابات البرلمانية في الدورة السابقة والدورة الحالية نساء، لم نلمس لغاية الآن دورا بارزا لهن في تشكيل حالة ما من الجلبة المطلبية أو حتى الإعلامية لمطالب الشريحة الواسعة من النساء الأردنيات. بل أن أدائهن لم يتجاوز أداء المجلس النيابي السياسي ككل والذي لا يرقى إلى المستوى المرجو منه شعبيا.
بناء على ما سلف، يبرز السؤال الآتي والذي يطرح نفسه بقوة هنا، وهو: هل الخطاب السياسي الأردني، والذي تتبناه الدولة والغالبية العظمى من منظمات المجتمع المدني، لتمكين المرأة سياسيا من خلال ممر الحصة النسائية، وتقليدها مناصب وزارية ووظائف حكومية عليا نجح في حلحلة الواقع الساكن المعاش لشريحة واسعة من النساء الأردنيات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟
الإجابة على مثل هكذا سؤال بحاجة إلى دراسات ميدانية وندوات حوارية جادة قادرة على رسم صورة أولية للواقع البياني لمختلف الجوانب الحياتية التي تعيشها المرأة الأردنية. كما أن الإجابة ستحدد بالضرورة ملامح الاستراتيجية المستقبلية لمشروع النهوض بالمرأة. وبانتظار استراتيجية كهذه، هناك بعض الملاحظات الأولية التي ممكن أن ننطلق منها في مناقشة فعالية هذا الخطاب وجدواه على أرض الواقع.
على صعيد الواقع السياسي، لا يرقى أداء النساء الأردنيات إلى مستوى الطموح. ويقتصر على دورهن الكبير في الاقتراع، والضعيف في الترشح، بما تضمنه (الكوتا) لهن، في الانتخابات البلدية والبرلمانية. والتي غالبا ما تكون المحددات العشائرية والمناطقية هي العامل الحاسم فيها. فبالرغم مما تمثله أصوات النساء من مخزون استراتيجي قوي في الانتخابات، إلاّ أنه ونتيجة لغياب الوعي السياسي لدى غالبيتهن يتم تسخير أصواتهن نحو مرشحي الإجماع العشائري. كما أن هذا الأداء الضعيف يمتد إلى مشاركة النساء في عضوية ورئاسة النقابات المهنية والأحزاب السياسية.
وعل الصعيد الاقتصادي، هناك دراسة أعدتها دائرة الإحصاءات العامة بعنوان "نظرة جندرية لهيكلية فرص العمل المستحدثة للعام (2006)" منشورة في الصحافة اليومية بتاريخ 29/11/2007 تشير إلى أنه بالرغم من ارتفاع نسبة المتعلمات من 52% من عام 1979 إلى 86,7% عام 2006 وازدياد نسبة التحاق الفتيات في مراحل التعليم الأساسية والثانوية. إلاّ أن المرأة لا تزال تواجه العديد من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المجالات. ولا تزال مشاركتها الاقتصادية دون المستوى المطلوب حيث أنها لا تشكل أكثر من 11,9% في قوة العمل. وبتحليل الأسباب التي قد يكون لها دور في انخفاض مشاركة المرأة في الاقتصاد الأردني وذلك من جهة الطلب، يلاحظ أن ارتفاع معدلات البطالة ونمط التوظيف السائد هما السببان الأكثر تأثيرا في تلك المشكلة.
إن الخطاب السياسي الذي مكّن بعض النساء الأردنيات من الوصول إلى مراكز سياسية وحكومية عليا، كان فعله كالحجر الذي قذف به إلى بركة ماء راكدة. فأحدث جلبة سياسية وإعلامية لبعض الوقت، وبعد حين استقر الحجر في القاع وعادت المياه إلى سوكنها. مقصد الكلام، إننا اليوم كنساء بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لخطاب يلامس بشكل جذري المشاكل التي تترنح شريحة واسعة من النساء تحت وطأتها ويأتي في مقدمتها البطالة وضعف مشاركتها الاقتصادية. فتمكين المرأة اقتصاديا سيجعلها قادرة على تغيير نظرتها لنفسها وبالتالي تغيير نظرة المجتمع لها. عندها فقط سيكون من السهل تمكينها سياسيا واجتماعيا. وهذه المسالة لن تتحقق بالأمنيات، بل من خلال المزيد من التضحية من قبل النساء على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العام.