وفاء زيناتي - الأردن
فيروز: صوت يبدد الظلام
لقراءة النص على أنغام مقطع موسيقي، اضغط على زر التشغيل أدناه. تأكد أن السماعات تعمل ومستوى الصوت مناسب.
يصعب الكتابة عن المسيرة الفنية للسيدة فيروز والرحابنة. وتكمن هذه الصعوبة في حجم الإبداع والريادية في هذا المشروع الفنيّ الاستثنائي. لقد ساهم الرحابنة في تطوير الأغنية العربية عبر أعمالهم الفنية بأشكالها المختلفة، المسرحية والموسيقية والغنائية. فهناك المئات من الأغنيات ذات النص واللحن المتميز التي قدمها الرحابنة إلى الجمهور العربي. هذا العمل الفنيّ المتميز الذي ارتقى بذوقنا الغنائي والموسيقي لفضاءات رحبة من الحب والسلام والكرامة، ويبدد العتمة المحيطة بنا، فصوت فيروز وقناديل الرحابنة تضيء ليل دروبنا وتنير صباحاتنا.
عتّم يا ليل، عتّم أكتر.
خليّ قناديلنا تضوي أكتر
قناديلنا صغيرة ، والليل كبير.
لِمْ بتضويلنا بنوصل بكير.
فيروز كأشجار أرز لبنان، شامخة، ومنغرسة على تلك القمم للأبد. فهي التي وعدتنا بالحرية والمحبة والسلام والغضب الآتي من أجل الكرامة. مشروع الرحابنة الفنيّ وفيروز لم يخذلنا أبدا، لأنه كان دائما يبث فينا الأمل والحماسة والانتصار للحق، وتعامل معنا بصدق المشاعر.
إن نهضوية هذا المشروع الفنيّ تكمن في الإبداع والتجديد الذي أضافه إلى الموسيقى والأغنية العربية، وفوق ذلك احترامه لعقل الجمهور العربي ومشاعره. وفي هذا الصدد يقول الناقد الموسيقي اللبناني الراحل، نزار مروّة، في كتاب له بعنوان في الموسيقى اللبنانية العربية والمسرح الغنائي الرحباني:
إن الأغنية الرحبانية ظهرت منذ بدايتها متميزة ومختلفة عن السائد في الفن الغنائي آنذاك، فربما لأول مرة تنشأ أغنية تؤكد على وحدة فنية متقنة بين النص واللحن على هذه الصورة. فبدلا من نصّ سبق أن استهلكت معانيه وتكررت صوره ومجازاته، نصّ ساكن وتقريري ومعلق في الفراغ، يختلف نص الأغنية بمزيد من التعمق في الحالات البشرية وبتنوع واضح في المواقف الإنسانية. ثمة شفافية جديدة ولا مباشرة في التوصيل، وتوجّه شعري منعش في صياغة الصور والمجازات هي جديرة بأن تكون من إبداع شاعر. هذا الإبداع الشعري رافقه عبقرية في اللحن والتوزيع الموسيقي أبرزت المحتوى الشعري للنص الشعري وتقويته إلى الحد الأقصى.
ويتابع مروّة القول:
إن مسيرة الأغنية الرحبانية هي جزء من مسيرة الحداثة في الموسيقى العربية. لقد أسس الرحابنة لأغنية ذات نكهة لبنانية خاصة، ولعل في هذه الخصوصية ما يفسر انتشارها في أرجاء العالم العربي مصحوبا بالحب والإعجاب. ليس فقط للنصّ واللحن وإنما بالصوت الذي ساهم في تجسيدها حقيقة فنية فعلية مترعة بالحداثة، وهو صوت السيدة فيروز. فقد كان هذا الصوت البعد الثالث الذي ميّز الأغنية الرحبانية عن سائر الأنواع الغنائية.
ويشير مروّة إلى أن هذه الإنجازات الراقية التي قدّمتها الأغنية الرحبانية لم تمنعها من أن تكون أغنية شعبية توفر المتعة الفنية الراقية أيضا لملايين الناس في لبنان وخارجه، وتساهم في رفع مستوى الذوق العام إلى درجات لم يكن بالإمكان التوصل إليها لولاها.
إن هذه الوحدة الفنية ثلاثية الأبعاد المتمثلة في عبقرية النصّ الشعري واللحن والصوت الغنائي الراقي، المتجاوز للمكان والزمان، للسيدة فيروز جعلت من الأغنية والموسيقى الرحبانية فنا متميزا مبدعا وخلاّقا يحترم المشاعر والوجدانية ويرتقي بها لآفاقٍ حدودها الشمس.
هناك من يرى أن نهضوية العمل الفنيّ لفيروز والرحابنة مسألة مبالغ فيها، إلاّ أن هذه النهضوية تكمن في التأسيس لأغنية عربية مختلفة عن السائد من الأغاني التي كانت تنحو نحو التطريب فقط. فالأغنية والموسيقى والمسرح الغنائي الرحباني كان وما يزال يتعامل يصدق مع أحاسيس الجمهور العربي ومشاعره. لا بل إنه ارتقى وسمى بها لفضاءات من الحرية والكرامة واستنهاض الهمم والمقاومة. ومثال ذلك مغناة راجعون، التي أصدرها الرحابنة على أسطوانة تعود لعام 1956 والتي تناولت مأساة الشعب الفلسطيني. فهذه المغناة، كما يرى نزار مروّة، سمت فوق كل أشكال البكاء العربي العام مثلما سمت فوق كل أشكال الحماسة الوضيعة التي كانت شائعة آنذاك.
هل ننام وشراع الخير حطام؟
هل ننام ودروب الحق ظلام؟
هل ننام؟ لن ننام
والكون أسى وظلام لن ننام
وقوفا وقوفا أيها المشردون
وقوفا يا ترى هل تسمعون؟
..
بلادي أطلي قليلا فإننا راجعون
في الأمطار راجعون
في الأيمان راجعون
للأوطان راجعون
ويقول البعض أيضا إن مشروع فيروز والرحابنة هو مشروع قديم. والواقع أن هذا المشروع لا يزال متجددا ومستمرا عبر موسيقى زياد العبقرية وتوزيعاته الموسيقية التي يحاول من خلالها التأسيس لموسيقى عربية خالصة. ودليل ذلك الحفلة الموسيقية التي أقيمت مؤخرا له في بيروت وتزاحم الجمهور على حضورها. كما أن هذا التجدد مستمر عبر مسرحيات منصور الرحباني الغنائية الحديثة التي تعالج واقعنا المعاش بشكل فنيّ راق، كمسرحية ملوك الطوائف. وعبر الصوت الفيروزي السبعينيّ المعتّق الذي يتمتع بألق خاص، يتزاحم المعجبون من كل العواصم العربية والعالمية لكي يحظوا بفرصة لحضور حفلات السيدة فيروز، الملهمة ذات الصوت الملائكي، والاستماع لها مباشرة.
= = =
استمع إلى فيروز تغني مقطعا من أغنية "سنرجع يوما." الكلمات قصيدة للشاعر الفلسطيني، هارون هاشم رشيد. اللحن للأخويين عاصي ومنصور رحباني.
سنرجع يوما
سنرجع يوما إلى حينا = = ونغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمر الزمان = = وتنأى المسافات ما بيننا
فيا قلب مهلا ولا ترتمي = = على درب عودتنا موهنا
يعز علينا غداً أن تعود = = رفوف الطيور ونحن هنا
اضغط على زر التشغيل وتأكد أن السماعات التي تستخدمها تعمل ومستوى الصوت مناسب.
طول المقطع أقل من ثلاث دقائق.