سمير أيت أومغار - المغرب
الكرّاب عبر تاريخ المغرب
الكرّاب عبر تاريخ المغرب: بحث في تاريخ الحِرف المائية
كان من أهم النتائج المُتمخضة عن علاقة الإنسان الوطيدة بالماء نشوء حِرف متصلة اتصالا وثيقا به كالخطاطرية والقوادسية والبيّارين والكرّابين، فحاجة الإنسان للماء وتقسيم العمل داخل الخلايا المجتمعية كان دافعا نحو اتجاه العديد من الأفراد إلى مُزاولة حرف بعينها، كان من بينها السُّقاء أو الكرّابة باللفظ المغربي الدارج.
هل بإمكاننا الحديث في الوقت الراهن عن تاريخ للحرف بالمغرب؟ هل حقق البحث التاريخي بالمغرب التراكم الكافي للقيام بهذا العمل؟ هل مصادرنا الكلاسيكية، سواء المباشرة أو غير المباشرة، كافية للنهوض بهذه المهمة؟ أسئلة وجدنا أنفسنا في مواجهتها ونحن نخوض تجربة البحث في تاريخ حرفة واحدة، من بين حرف كثيرة، ميّزت المشهد الاقتصادي بالمغرب منذ الحقبة القديمة.
لهذا السبب اتجهنا في بحثنا إلى تبني المقاربة الكرونولوجية (التسلسل الزمني) للحِرفة ما دامت الدراسات التاريخية لم تحقق التراكم الكافي للانتقال من الطور التعريفي الوصفي إلى الطور التركيبي التوليفي. وحرصنا كذلك قدر الإمكان على تحليل النصوص والإشارات التاريخية المتوفرة رغم قلتها مع مسائلتها للكشف عن تناقضاتها أو سقطاتها التي من شأنها أن تُحرف تصورنا عن الحرفة.
فما هي مصادر معرفتنا بحرفة "تكرابت"؟ اعتمدنا ونحن نحاول إعادة رسم مسار الحرفة عبر تاريخ المغرب على مادة وثائقية متنوعة تبدأ باللوحات الفسيفسائية، وتمر عبر النصوص التاريخية والمناقبية واللغوية وكتب آداب الحسبة والمحتسب، لتصل في نهاية المطاف إلى المدونات الاثنوغرافية والدراسات التركيبية المُنجزة من طرف بعض الباحثين الأوربيين زمن الحمايتين الفرنسية والإسبانية.
لقد فرضت المادة المصدرية المتوفرة والمنهج التاريخي المتبع من طرفنا تصميما لم نجد بديلا له ما دام البحث التاريخي في الموضوع لم يخط خطوات مهمة، فكان تقسيم البحث إلى أقسام يمكن الجزم باتصالها وتكاملها، وغياب القطيعة بينها، كان أولها القسم المعجمي الذي حاولنا من خلاله تحليل اسم الحرفة انطلاقا من المتون اللغوية الفصحى والدراجة. ثم كان أن اتبعنا ذلك بفصول تحترم التحقيب التاريخي يُقدم كل واحد منها ما تبقى من صورة الكراب في المادة المصدرية المتوفرة التي لا نجزم باطلاعنا على جلها، فقد فاتنا الكثير لسبب بسيط هو ضعف الجُهد التقني في العديد من الأعمال التاريخية المُحققة.
الكرّاب في مَتاهات اللغة
يعتبر المدخل اللغوي للبحث التاريخي حول الكرّاب أساسيا لمجموعة من الاعتبارات، أهمها إلقاء الضوء من الناحية المعجمية على اسم الكرّاب واشتقاقاته وتحولاته، والكشف عن أصول التسمية التي ظلت ملتصقة ليومنا هذا بالرجل القائم بحمل الماء حسب المنطوق الفرنسي لهذه الحرفة. وهو بحث يجد مادته في اللغة العربية الفصحى والدارجة كذلك بل وفي الأمازيغية أيضا.
من بين المعاجم التي طرقناها للبحث عن دلالة إسم "ڴراب" المُعجم العربي للمُستعرب رينهارت دوزي، فهو معجم فريد من نوعه، لأنه يختلف عن معاجم غوليوس وفرايتاغ ولان (Lane) الذين اقتصروا على ترجمة المعاجم العربية الكلاسيكية والتي تتوقف عند اللغة العربية السابقة للقرن الأول الهجري باعتبارها العربية الفصحى الواجب جمعها والتعريف بها في المعاجم[1]. فماذا قال دوزي عن الكراب؟
استعمل دوزي حرف القاف بدل القاف المعقودة المستعملة من طرف المغاربة للإشارة إلى الشخص المُكلف بحمل الماء وبيعه. وجعل الاسم في البداية كناية عن الشخص الراجل، أو أحد جنود فرقة المشاة. وربما كان ذلك سببا في تسمية الكرّاب بهذا الاسم لأنه في حركة دائمة وتنقل مستمر بين الأحياء بحثا عن الراغبين في الحصول على الماء.
واتبع دوزي ذلك بشكل آخر من أشكال كتابة اسم الكرّاب، دون أن يقصد هذه المرة الرّاجل، بل تحدث في المرة الثانية عن "حامل الماء" وأحال على معجم دومباي المنشور بفيينا سنة 1800، الذي أعاد للكرّاب كافه المعقودة بدل القاف المستخدمة من طرف دوزي في معجمه:
قراب:
fantassin, piéton, Bc[2]. Porteur d’eau, Domb[3].
ڴرَّاب:
102, qui écrit [4].
بعد دوزي، يأتي ابن منظور، وقد أخّرناه حتى نعتمده شاهدا على ما سبق وقلناه حول المعاجم العربية والنقص الكبير الحاصل في مادتها اللغوية حسب دوزي.
في بحثنا في لسان العرب، وهو أعظم كتاب ألف في مفردات اللغة العربية، للإمام جمال الدين محمد بن جلال الدين الأنصاري الخزرجى الإفريقي، نزيل مصر، والمعروف بابن منظور (690-771هـ)، جمع فيه الصحاح للجوهري وحاشيته لابن برّي، والتهذيب للأزهري، والمحكم لابن سيده، والجمهرة لابن دريد، والنهاية لابن الأثير، وغير ذلك، وجدنا مادة لغوية مهمة تدور حول الفعل "قرب" ذات صلة بالماء من نواح متعددة، فالإناء القَرْبانُ إناءٌ قارب الامتلاء، وهذا قَدَحٌ قَرْبانُ ماءً، وهو الذي قد قارب الامتلاء[5].
والقَرَبُ: طلب الماءِ ليلاً، وقيل: هو أن لا يكون بينك وبين الماء إلا ليلة، وقَرَبْتُ قِرابَة، إذا سِرْتَ إلى الماءِ، وبينك وبينه ليلة. والقاربُ: طالبُ الماء ليلا، ولا يقال ذلك لطالب الماء نهاراً[6]. قال الخطّابي: نقرُبُ أي نطلُبُ، والأصل فيه طلبُ الماء[7]. أما القِرْبَة فقال ابن سيده إنها الوَطْبُ من اللّبَن، وقد تكون للماءِ، وقيل هي المخروزة من جانب واحد، والجمع في أدنى العدد: قِرْباتٌ وقِرِباتٌ وقِرَباتٌ، والكثيرُ قِرَبٌ[8]. والقَرَبُ: البئر القريبة الماء، فإذا كانت بعيدةَ الماء، فهي النَّجاءُ[9].
نلاحظ من خلال العرض اللغوي السابق، من خلال كتاب موسوعي كلسان العرب، غياب مفردة "قرّاب" التي أوردها دوزي في معجمه العربي، وهو ما يؤكد فرضية النقص في المادة اللغوية للمعاجم العربية الكلاسيكية. ومع ذلك فهو يورد مفردات أخرى مشتقة من الفعل "قرب" لها صلة بالماء، كالإناء القريب الامتلاء، وطلب الماء ليلا، والتوجه إلى نقط وجود الماء، وقِرْبة الماء، والبئر القريبة الماء. والعُنصر المُشترك، تقريبا، بين كل هذه المفردات هو القُرْبُ، وهو نقيض البُعد. وهو ما نفترض وجود صلة له بتسمية "الكراب".
فإذا كان البعض يرجع أصل تسمية الكرّاب إلى القِربة التي يحملها، فإننا نطرح هنا فرضية كونه سمي "كرّابا" لتقريبه الماء إلى الناس دون بذلهم الجهد في ذلك. وكما قال الخطّابي فالأصل في القرب "طلبُ الماء". فهل ننسِب تسمية الكرّاب إلى القربة أم إلى فعل تقريب الماء إلى الناس؟
إذا كان الأمر على ما هو عليه في لسان العرب، ولم نجد فيه ضالتنا، أي اسم الكرّاب، فما هو الاسم الذي أطلقه العرب على الشخص الذي يحترف بيع الماء وتقريبه إلى الناس دون مشقة منهم؟ استوقفتنا في هذا الصدد عبارة أوردها الباحث محمد شفيق في دراسته حول الأسس البربرية للثقافة المغربية، فقد ذكر أنك قد تسمع السّقاء يصيح في الناس عبر أسواق أحواز تازة: "ها الماء باردين، ها الماء باردين"[10]. والسّقاء كما يبدو اسم عربي استعمله شفيق للحديث عن الكراب. فماذا عنه؟
السِّقاءُ ظَرْفُ الماء من الجلدِ، ويُجمعُ على أسقية، وقيل السِّقاءُ القِربَة للماء واللبن. ورجل ساقٍ من قومٍ سُقّاء وسقّائين والأنثى سقّاءة وسَقَّاية[11]. يبدو أن "السَّقاء" لا علاقة له بشخص الكرّاب، فالشخص الذي يقوم بسقي الناس الماء هو "ساقٍ" وليس سقّاءً. وللأستاذ عبد السلام بن سودة تعليق على هذه القضية، فهو يقول في حديثه عن القرّاب بمدينة فاس: "السقاء هو الوعاء الذي يحمل فيه الماء، والقراب هو حاملها، فالفرق بينهما ظاهر، فهنا لغة العرب قد ديست بين الأرجل وقلبت معناها والأمر لله"[12].
أما على مستوى اللغة الأمازيغية المغربية فالسَّاقي أو السَّقّاءُ هو أمسّو (ج. ئِمْسّوان) أو أنَاڴام (ج. ئناكامن)[13]. أما القِربة الخاصة بالماء، فلها أسماء امازيغية كثيرة من بينها: أيدّيد، أڴدِيد، أجدِّيد، ألمْسُو، أرمْسُو[14].
ويضيف رضى الله عبد الوافي المختار السوسي في تعليقه على مفردة "الزق" الواردة في إحدى المحكيات الشفهية المسجلة من طرف والده المختار السوسي، أن الزَّق والزِّق هو وعاء من جلد يجز شعره ولا ينتف للشراب وغيره، ويستعمل لحمل الماء والسوائل، وهو المعروف بالكربة[15] أو الشكوة، والتي تستعمل في البوادي لحفظ الماء أو لمخض اللبن، أو التي يحملها الكرّاب الساقي للماء، وبالشلحة السوسية يسمى "تايْدِّيت" لتبريد الماء أما "تَاكشُّولْت" فلِمَخْض اللبن[16].
هل من جذور للكرّاب في العصر القديم؟
هل بإمكاننا البحث عن جذور حرفة "الكرّاب" في المغرب القديم؟ إنه سؤال إشكالي على المستوى المعرفي والمنهجي، فمعرفيا نتوفر على مادة مصدرية تتجلى في النصوص اللاتينية والإغريقية والقرطاجية، واللّقى الأثرية المُكتشفة بالمغرب منذ بداية الحفريات الأثرية النّظامية خلال القرن العشرين. وهي مادة غنية ومتنوعة تسمح لنا حاليا بتكوين صورة قريبة نوعا ما من واقع المغرب القديم، لكنها لا تسمح في الوقت نفسه بالتقدم في بعض الاتجاهات البحثية، ومن بينها الحِرف.
وللتدليل على ذلك نسوق نموذج موقع بناصا الأثري الواقع على الضفة اليسرى لنهر سبو، بعيدا عن مدينة مشرع بلقصيري بـسبعة عشر كيلومترا. فمنذ بداية التحريات الأثرية بهذا الموقع منذ القرن التاسع عشر، لم يتمكن الباحثون الأوربيون والمغاربة من الكشف عن الحرف التي كانت سائدة بالموقع قبل الجلاء عنه.
ويتجلى ذلك بوضوح في دراسة محمد العيوض للموقع، فقد خصص الفصل الثاني من الباب الثالث للأنشطة الحرفية، ورغم صيغة الجمع التي استعملها، فقد اقتصر على حرفة واحدة هي صناعة الفخار اليدوي والمُدَولب[17]، فالمادة المصدرية المكتوبة والأثرية لا تسمح بالحديث عن أكثر من حرفة واحدة بالموقع كما يبدوا من متن الفصل المشار إليه.
أما منهجيا، فإننا نخوض مغامرة بالعودة إلى فترة قديمة جدا، بحثا عن حرفة لم نجد أيا من الباحثين يجرؤ على العودة بها إلى هذه الفترة، فهذا الباحث الفرنسي ستيفان كزيل لا يأتي على ذكر الكرّاب في شمال إفريقيا القديم، بل يقتصر على القول إن الأفارقة، ويقصد هنا ساكنة الشمال الإفريقي، شرّابُون للماء[18]. وفي وصفه للبوادي الشمال الإفريقية قبل الهيمنة الرومانية، يؤكد أن النساء في الأيام العادية كان لا بد لهُن من مغادرة بيوتهن للاستقاء وجمع الحطب[19]، وهو عمل لا صِلة له بحِرفة الكرّاب، ما دام عملا شخصيا غير مأجور ومُرتبط أساسا بتدبير المرأة لشؤون منزلها الخاص.
لا شك أنه احتياط منهجي من قِبل هؤلاء المؤرخين، ما دامت المادة التاريخية صامتة في هذا الجانب. لكننا رأينا من الواجب طرح هذا التساؤل رغبة في إثارة الاهتمام ببعض القضايا التي وقفنا عليها في هذا الجانب.
ما هي إذن المبررات التي جعلتنا نختار الحقبة القديمة للبحث عن "الكراب"؟
لم نعثر للأسف في مجموعة من دراسات الباحثة زهراء قنينبة حول تجليات الماء في مصادر المغرب القديم على أي مشهد فسيفسائي أو مادة أثرية تقدم دليلا على وجود السقاء/الكرّاب بالمغرب القديم، سواء في ليكسوس أو وليلي أو بناصا[20].
لكننا في المقابل وجدنا الباحثة البضاوية بلكامل تتحدث في دراستها الأكاديمية حول "المظاهر الاقتصادية من خلال فسيفساء الشمال الإفريقي" عن مشاهد حرفية ومهنية، وهو ما دفعنا لتصَفُّح هذا الفصل المثير من خلال مادته الأثرية المُتمَيزة. ومما أثار انتباهنا وجود مشاهد فسيفسائية من الشمال الإفريقي[21] لعبيد يقومون بسقي الخمر لأسيادهم، فاللوحة الأولى المكتشفة بدوكة (تونس) تُبِرز ستة أشخاص مُوزّعين بشكل غير منتظم، ومنشغلين إما بالسقي أو الشرب. وفي كل مجموعة نجد ساقيا يصُب الخمر من أمفورة يضعها مُمدة فوق كتفه، ومن خلال النقيشتين بالأمفورتين نقرأ العبارة التالية: pie zhchc، التي تعني "اشرب، تعش".
أما اللوحة الثانية المُكتشفة بأودنة فتمثل الخادمين ميرو وفيكتور يحملان جرّتي خمر ليسقيا سيدهما فروكتوس[22[. ومما تجدر الإشارة إليه حسب نفس الباحثة أن المغاربة القدماء فضلوا شرب الخمر مخلوطا بالماء، وعادة ما كان العبيد المكلفون بتحضيره وسقيه من الفتيان الفائقي الجمال. أما أدوات الشرب فهي مُتباينة من حيث الأشكال والأحجام والمواد المصنوعة منها كالفخار والفضة والذهب[23].
نلاحظ أن الأمر يتعلق هنا بـ"عبيد" مُكلفين بسقي "الأسياد" مشروبا معينا هو "الخمر"، أما بالنسبة لواقع الكرّاب كما تشهد عليه النصوص والشواهد الفوتوغرافية منذ الفترة المعاصرة فهو "رجل حر" يعمل على سقي "الناس عامة" مشروبا معينا هو "الماء".
هذا التنافر الحادث بين الوضعيتين قد يوحي بغياب رابط بينهما، لكن قد يوحي كذلك بوجود صلة معينة تطورت لتأخذ شكلا جديدا متلائما مع الواقع الديني والاجتماعي والسياسي للشمال الإفريقي عامة، والمغرب خاصة بعد الفتح الإسلامي، فالإسلام حَرّم شُرب الخمر وساوى بين الناس في الحقوق والواجبات وحضّ على سقي الناس وإخماد عطشهم، وهي سلوكات تخالف تماما ما كان عليه الأمر خلال الفترة القديمة.
انطلاقا مما سبق نتساءل هل تطور الكرّاب مِن عبد إلى إنسان حُر، ومِن سقي الخمر إلى سقي الماء، ومِن العمل داخل منزل السيد إلى الطواف على الأحياء، ومن استعمال الأمفورة الفخارية إلى القربة الجلدية؟ أم أن ساقي الماء وُجد إلى جانب ساقي الخمر، لكن وَقَعَ تهميشه لاتصاله بالفضاء العام أكثر من اتصاله بالفضاء الخاص (منازل الأثرياء)، وهو ما جعل اللوحات الفسيفسائية بالشمال الإفريقي لا تعكس في غالب الأحيان إلا الحياة الخاصة بفئة اجتماعية محدودة هي فئة الأثرياء؟
الكرّاب خلال العصر الوسيط
انطلقنا في الحقبة القديمة من مشاهد فسيفسائية نوعية، افترضنا وجود علاقة بينها وبين المشاهد الراهنة للكرّاب بعد خضوعها لتحولات عميقة. ما هو إذن مستوى معرفتنا بالكرّاب المغربي خلال العصر الوسيط؟
لم يتجرأ كل من محمد الأخضر[24] ومحمد حجاج الطويل[25] وهما اللذان تصدّيا لتعريف الكرّاب بمعلمة المغرب على مقاربة الموضوع مقاربة تاريخية، فكان لجوؤهما بالدرجة الأولى للوصف دون الخوض في تاريخ الحرفة، وهو اختيار معرفي أملته على الباحِثَيْن طبيعة الإشارات التاريخية المتوفرة بمختلف المصادر التاريخية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة. فهل لنا أن نتجاوز بدورنا العصر الوسيط كما فعل الباحثان ونستخدم للإحالة عليه عبارات مثل "كان للسقائين أهمية كبيرة منذ عهود موغلة في التاريخ"[26] دون أن تكون لنا حجة في هذا القول؟
لقد تفحصنا ثلة من مصادر تاريخ المغرب خلال العصر الوسيط، خاصة تلك التي خضعت في تحقيقها لفهرسة عِلمية ألمّت بكُل محتوياتها، وهي قليلة مُقارنة بتلك التي احتوت فقط على كشّاف الأعلام البشرية والجغرافية[27]، فاكتشفنا أن اسم "الكرّاب" غائب تماما عن الكتابات الوسيطية المُطلّع عليها[28]، في حين تحضر أسماء حرفيين آخرين. فهل هي إشارة إلى عدم وجود الكرّاب بالمغرب خلال الفترة المدروسة؟ أم أن الأمر لا يعدو اختيارا تبناه مؤلفو هذه المصادر، قام على نبذ اللفظ العامي المستعمل لمناداة الساقي، رغبة في الرُّقي بلغة الكتاب وعدم تضمينها من كلام العامة شيئا قد يسيء للكَاتب والكِتاب في نفس الآن؟
توقفنا ونحن نُطالع كتاب "إثمد العينين ونزهة الناظرين في مناقب الأخوين"، لأبي عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الله بن تجلات المراكشي، على إشارة إلى القِربة دون الحديث عن الكرّاب، بل وفي سياق مُخالف هو السياق المتصل بالتربية الصوفية. فقد قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الهزميري: "مِثل الشيخ مع التلميذ كمثل من حمل قربة من الماء، وأراد أن يفرغ فيها الماء فوجد فيها يابسا فعلم أنه إن ادخل يده في فمها وفتحها بشدة خرقها، وإن رشها بالماء حتى ترطب وتلين استقى ماءه وسار راشدا"[29].
هل بالإمكان اعتبار الإشارة إلى القِربة الجِلدية[30] وإن في إطار خُصُوصي شهادةً على وجود الكرّاب؟ أم أن الأمر لا يعدو استخداما خاصا للقربة في حفظ الماء كما هو الحال بالنسبة للرحالين والحُجّاج الذين اعتبروا الماء من أوليات الرحلة ولوازم السفر، فحملوا معهم القِرب ومواعين حفظ الماء الضامنة لاستمرار السير العادي للرحلة، كما تشهد على ذلك مثلا الرحلة العامرية (رحلة حجية) لأبي عبد الله محمد بن الحاج بن منصور العامري (توفي حوالي سنة 1170 هـ)[31]؟
إذا كان استخدام القِربة كشاهد على الحرفة، دليلا ضعيفا قد لا يصمُد أمام النقد التاريخي، فابن تجلات يقدم لنا نصا آخر، لا يتصل هذه المرة بالقربة، بل بمهمة سقي الناس الماء، فهو يقول في إحدى مقاطعه التعليمية لمريدي الطريقة الهزميرية الاغماتية:
"كل سالك وواصل ما حرم ومنع الوصول إلا بتضييع الأصول. فلا تكونن من المغرورين المتوغلين الخاطئين الذي يصلح شيئا ثم يفسد أكثر مما يصلح، يتعبد ويذكر ويصلي ويصوم ويسبح ويطعم ويسقي (تقديم الماء لمن يحتاج إليه) ثم يفسد الكل، فإن أقل شيء من الحنظل أو الدفلى أو الصبر يفسد الشيء الكثير من العسل والسكر، بل النار تهلك كل شيء. نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيآت أعمالنا"[32].
يَعتبرُ هذا المقطع "سقي الناسِ الماء" عملا من الأعمال الصالحة المُوصلة لأعلى درجات التصوف فهو من الأصول الواجب المحافظة عليها، وهو خطاب مُوجه للمُريدين في المقام الأول كما هو معلوم.
هل نتخذ النص شاهداً على وُجود حرفة تاكرابت أو السِّقاية بالمغرب خلال العصر الوسيط؟ وهل يمكن الانطلاق من النص لمنح عملية توزيع الماء على الناس لمسة صوفية تجعل منه عملا المقصود منه بلوغ أعلى مبالغ التصوف لا الوصول إلى كسب المال؟ وبالتالي هل يمكن أن نتحدث فعلا عن حرفة ما دام الأمر صار متعلقا بأهداف دينية وروحية بالدرجة الأولى؟
وإن صحّ ذلك، فهل كان هذا هو السبب الذي جعل مُؤلفي العصر الوسيط يرنون إلى نفي الكرّاب من كتاباتهم خاصة في سياق الحديث عن الحرفيين ما دام الأمر لا يتعلق بعمل حقيقي بل بعمل رمزي؟ فاللوحات الثلاث التي وضعها د. محمد رابطة الدين للحرف بمدينة مراكش زمن حكم الموحدين وإن اشتملت على ما يقرب من أربعين حرفة، لم تضُم "الكراب" أو "الساقي"[33].
ومعلوم ما وصل إليه التوسع العمراني للمدينة خلال هذه الفترة وما بلغه النمو الديمغرافي بها، فكيف يغيب الكرّاب عن المشهد الحرفي ولا تشير إليه لا كتب التاريخ أو الجغرافيا أو التراجم أو المناقب؟ هل كان حضوره حضورا رمزيا؟ أم أنه لم يكن حاضرا أصلاً بالعاصمة الموحدية؟
نفس الملاحظة تنطبق على مدينة مكناس الوسيطية، فالباحث محمد اللحية لم يشر إلى فئة الكرّابين أو السقائين[34]، ومدينة غمات أوريكة التي لم يتوصل فيها الباحث عبد الرزاق ازريكم إلى أية إشارة تخص الكرّاب[35]. والسبب دائما هو محدُودية الإشارات التاريخية المتوفرة حول الانتاج الحرفي بالمدينة الإسلامية خلال العصر الوسيط.
لا نستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة حاليا، لكنها أسئلة ستعمل على خلخلة مجموعة من التصورات التاريخية المشيدة حول الكرّاب انطلاقا من صورته في الراهن.
لا بد ونحن نحاول كشف الغموض عن حرفة الكرّاب خلال العصر الوسيط، أن نثير الانتباه إلى إشارة عارضة في كُتيّب تاريخي يتصل بالقرن 15م، أي خلال فترة الانتقال التي مهدت البلاد للخروج من العصر الوسيط والتوجه نحو العصر الحديث، وهو "اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار" لمحمد بن القاسم الأنصاري السبتي، ففي معرض حديث المُؤلِّف عن طواحين المدينة البالغ عددها مائة وثلاث، قال: "وجميع هذه الطواحين بمياهها لا تفتقر ولا تحتاج إلى شراء ماء من سقّاء ولا من غيره أصلا وكذلك جميع مساكن سبتة"[36].
يقدم لنا النص ثلاث مفردات نعتقدها كافية للاستدلال على وجود الكرّاب بالمغرب خلال القرن 15م، وهي: الماء، الشِّراء، السَّقاء.
ورغم حديث المُؤلِّف عن استغناء أصحاب الطواحين وأرباب المنازل بسبتة عن السّقاء في التزود بالماء، فهذا لا يعني غياب السّقاء خلال هذه الفترة بالمغرب قاطبة، بل على العكس، يؤشر النص بقوة على حضوره، فاللفظ هنا لا يخلو من دلالة على وعي المُؤلف بوجود شخص يعمل على توفير الماء للمساكن وبعض المنشآت الاقتصادية، وإن لم يكن الأمر مطروحا آنذاك بالنسبة لمدينة سبتة.
إذا كان تأويلنا صائبا لهذه الإشارة، فهل يجوز أن نعتبر هذا النص "شهادة ولادة الكرّاب" بالمغرب؟ أم أن الأمر لا يعدو صَمتا من طرف المصادر السابقة وعَدَمَ التِفاتٍ لأخباره لغياب السياق الداعي لذلك؟ ونتساءل ماذا كان سيكون عليه الأمر إن لم يُعِرْ صاحب اختصار الأخبار اهتماما للطواحين؟ ببساطة كان السّقاء ليغيب وسيُؤوَّل غيابه مرَّة أخرى بانتفاء وجوده في الماضي.
فضّلنا ونحن نبحث عن كل شاردة خاصة بالكرّاب في أدبيات العصر الوسيط تأخير الحديث عن نص فريد يُلقي الضوء بشكل استثنائي على طائفة الكرَّابة، وذلك لسبب بسيط هو أنه يخص الأندلس لا المغرب، لذلك فإدراجه في المتن إغناء له ومُحاولة منا لدفع البحث بعيدا في إطار المُقارنة بين ضِفتي المتوسط المغربية والأندلسية.
يتعلق الأمر هنا برسالة محمد ابن عبدون في آداب الحسبة والمُحتسِب[37]، التي يُقدم فيها صُورة عن الحِرف، والعديد من المؤسسات الحضرية في إطار مجالي محدد هو مدينة اشبيلية التي كان يقطنها ويعرفها أشد المعرفة أكثر من أي مدينة أخرى بالغرب الإسلامي. وقد أفرد لطائفة السقّائين فصلا خاصا، هذا نصه:
"ذِكر السقائين: يجب أن يُحَد لهم موضع لأنفسهم، يصنعون فيه قنطرة من ألواح آخر ما يحصر إليه النهر، ولا يُتركُ أحد من المُعدّين يشاركهم في ذلك الموضع ولا غيرهم، فيكون موضع السّقاية معلوما حدّ الملأ والحصر. ولا يترك أحد يتسوّرُ عليهم في ذلك الموضع، ومن تعدّى سُجن أو أُدِّبَ، ويكون ذلك بيد المحتسب، ويَحُدُّ لهم المحتسب أن لا يستقى من بين أرجل الدواب على الحمأ والماء المُكدّر.
يجب أن يَمنع النساء أن يغسلن بالقرب من موضع السقاية، فإنما يغسلن أقذارهن بل يحدّ لهن أن يغسلن في موضع مستور عن الناس، ويَنْهي الناس والمُعدّين أن يتسوّروا عليهن في ذلك الموضع. يجب أن يمنع أن يجلس النساء على ضفة الوادي إلا إن كان في موضع لا يجلس فيه الرجال. يجب أن يمنع هرق الزبول والأقذار على ضفة الوادي، لكن خارج الأبواب، في الفدادينّ، أو في الجنات، أو في مواضع معلومة لذلك، لا تكون بالقرب من الوادي"[38].
يتضح من خلال النص وجود طائفة السقائين باشبيلية زمن حكم المرابطين. ومع ذلك فلم نظفر في المقابل بنص حول نفس الطائفة بالمغرب الأقصى خلال نفس الفترة. ويكشف النص أيضا عن قضية مهمة، وهي حرص المُحتسب (على الأقل نظريا) على سلامة ونقاء الماء الذي يحمله السقاؤون من النهر، خِيفة تعرُّض كل شارب له للمرض إن كان ملوثا. ولهذا حض المحتسب على اتخاذ السقائين مكانا خاصا بهم دون غيرهم يستقون منه، ولا يُسمح لأي شخص آخر الغسل فيه.
كما نهى عن إلقاء النفايات بالوادي تفاديا لتلوثه وبالتالي تلوث الماء المُوجه للشرب. وهذا هو السبب الذي جعل المُحتسب يقترح عالية النهر (آخر ما يحصر إليه النهر) كمجال مُميّز لاستقاء السقائين.
ويُلاحَظ كذلك أن النص لم يتحدث عما يلي ملء القِرب (؟) بالماء، أي ما يتعلق بالتوزيع والبيع، ربما لانتفاء علة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر في هذه المرحلة، ما دام أن الاستقاء قد تم في شروط مُثلى. وهو عكس ما استنتجه سعيد بنحمادة (انطلاقا من نفس النص) من كون السقائين كان لهم مكان خاص لبيع الماء للعموم بالسوق، من خلال مراقبة المحتسب لهم وتحققه من جودة ذلك الماء المجلوب[39].
الفقرة المثبتة أعلاه لا تسمح بالوصول إلى هذا الاستنتاج، ما دام المحتسب ألحّ كما ذكرنا على ضبط عملية الاستقاء في عالية النهر ولم يتحدث عما يلي ملء القرب بالماء، بل لم يأت على ذكر سوق يجتمع فيه السقاؤون، فاجتماعهم في مكان واحد نسْفٌ لجوهر الحرفة، القاضية بإيصال الماء للراغبين فيه، لا انتظار قدومهم لأخذ الماء منهم.
ونضيف إلى ما سبق، أن طائفة السقائين لم تكن محصورة في اشبيلية، بل وُجدت في كل المدن الأندلسية المتعذر ربطها بشبكة التوزيع المتفرعة عن الأودية، أو على الأقل وُجدت في المدن التي ظلت بعض أحيائها دون شبكة لتوزيع الماء. فكان الاعتماد في توفير الماء لسُكانها آنذاك على السقائين وأصحاب الروايا[40] والقِرب ممن يحملونه على ظهورهم أو على الدواب، إلى درجة أن أحد الأنهار قرب الجزيرة الخضراء عُرف بوادي السقائين من كثرة جرّ المياه منه للمدن المجاورة من طرف السقائين[41].
يتبين لنا من خلال ما سبق مدى هامِشية الكرّاب في تاريخ المغرب من العصر القديم (إن صحَّت فرضيتنا) إلى نهاية العصر الوسيط، فالمصادر بمُختلف أشكالها لم تُحِل عليه لهشاشة وضعه المجتمعي، وضآلة أهمية عمله (حسب مُؤلفي الفترة المشار إليها باستثناء ابن عبدون) مُقارنة بباقي الحرف التي أثارت انتباه العديد من شهود المرحلة، خاصة الحِرف المُرتبطة بالجلد وتحويل المعادن إلى مصنوعات يدوية.
البقية في العدد القادم.
= = = = =
الهوامش
[1] خلافا لذلك قام دوزي بجمع معجم اشتمل على الكثير من كنوز اللغة العربية إلى غاية نهاية العصر الوسيط. واعتمد أساسا في عمله على ثلاثة معاجم تمت كتابتها باسبانيا خلال العصر الوسيط، وهي مخطوط مكتبة ليدن رقم 231، المُؤلَّف خلال القرن الثاني عشر، والثاني هوin arabico le vocabulista الذي نُشر بفلورنسا من طرف شياباريلي M. Schiaparelli، أما المعجم الثالث فهو المعجم الاسباني العربي الكبير لبيدرو دي ألكالا Pedro de Alcala، المنشور بغرناطة سنة 1505. وأضاف إلى ذلك مُفردات كثيرة وردت في بحوث ومعاجم الأوربيين، ورحلات الأجانب إلى آسيا وإفريقيا، دون تناسي المصادر العربية.
[2] Ellious Bocthor, Dictionnaire français-arabe, revu et augmenté par Caussin de Perceval. 3e édit. Paris, 1864.
[3] Dombay, Grammatica linguae Mauro-Arabicae. Vienne, 1800.
[4] Dozy, R., Supplément aux Dictionnaires Arabes, Librairie et imprimerie E.-J. Brill, Leide, Librairie orientale et américaine, Paris. Deuxième édition, 1927. Tome second, pp. 322-323.
[5] ابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1992. الجزء الأول، ص 664.
[6] ابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم، المرجع نفسه، الجزء الأول، ص 666.
[7] المرجع نفسه، الجزء الأول، ص 667.
[8] المرجع نفسه، الجزء الأول، ص 668.
[9] المرجع نفسه، الجزء الأول،ص 669.
[10] شفيق محمد، "الأسس البربرية للثقافة المغربية"، ضمن العربي الصقلي (تحت إشراف)، مذكرات من التراث المغربي، nord organisation، 1986. الجزء الثامن، ص 101.
[11] ابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم، المرجع نفسه، الجزء 14، ص 392.
[12] بن سودة عبد السلام، "حول أسماء الحرف المعروفة في مدينة فاس"، مجلة دعوة الحق، العدد الثاني، السنة الخامسة عشرة، صفر 1392هـ - أبريل 1972. ص 132.
[13] شفيق محمد، المعجم العربي الأمازيغي، منشورات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة "معاجم"، 1990.الجزء الأول. ص 528.
[14] شفيق محمد، المرجع نفسه، الجزء الثاني، ص 294.
[15] الكربة: بقاف معقودة: القربة، بكسر القاف. وهي وعاء الماء واللبن، والنسبة إليها كراب، بقياس. انظر: بن عبود زينب، معجم الرهوني للغة العربية العامية التطوانية: دراسة وتهذيب، منشورات جمعية تطاون أسمير، تطوان 2007. ص 137.
[16] السوسي محمد المختار، قطائف اللطائف في الحكايات والنوادر السوسية، هيأه للطبع وأضاف إليه ومهد له ونشره رضى الله عبد الوفي المختار السوسي، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى، 2013. الهامش رقم 3. ص 62.
[17] العيوض سيدي محمد، موقع بناصا الأثري: من الأصول إلى الجلاء الروماني، مساهمة في دراسة مدن المغرب القديم، مطبعة الرباط نيت، الرباط، 2010. ص 199.
[18] كزيل ستيفان، تاريخ شمال إفريقيا القديم، ترجمة محمد التازي سعود، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة تاريخ المغرب، الرباط، 2007. الجزء السادس، ص 13.
[19] كزيل ستيفان، المرجع السابق، الجزء السادس، ص 56.
[20] قنينبة زهراء، "الماء من خلال فسيفساء المغرب القديم"، مجلة دعوة الحق، عدد 392. السنة الحادية والخمسون، ماي 2009. ص ص 27-41. قنينبة زهراء، "الماء من خلال مصادر المغرب القديم الأثرية"، مجلة البادية المغربية، العدد الثالث، السنة الثالثة، 2009. ص ص 21-38.
[21] لم يتم اكتشاف هذه اللوحات الفسيفسائية بالمغرب، لكن تم اكتشافها في الولايات الرومانية المجاورة له، والحديث هنا عن قطيعة بين هذه الولايات على المستوى الحضاري أمر مستحيل ما دام المجال كان خاضعا لنفس التأثيرات الحضارية المتتالية عليه خاصة الرومانية. فلم تتطور أية ولاية بمعزل عن الأخرى. ولهذا نرى أن المشاهد الممثلة في هذه اللوحات الفسيفسائية من المحتمل أن تكون قد وجدت بالمغرب القديم لكن سكانه لم يلتفتوا إلى تمثيلها فنيا.
[22] بلكامل البضاوية، مظاهر اقتصادية من خلال فسيفساء الشمال الإفريقي، فيديبرانت، الرباط، الطبعة الأولى، 2003. الجزء الأول. ص 80.
[23] بلكامل البضاوية، "الشرب والمشروبات بالبادية المغربية عبر التاريخ القديم"، مجلة البادية المغربية، العدد الأول، السنة الأولى، 2006. ص ص 10-11.
[24] الأخضر محمد، "إكرابن"، معلمة المغرب، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1989. الجزء الثاني، ص 609.
[25] الطويل محمد حجاج، "الكراب"، معلمة المغرب، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 2004. الجزء العشرون، ص 6787-6788.
[26] الطويل محمد حجاج، المرجع نفسه، الجزء 20، ص 6787.
[27] الكشّاف الدقيق يسمح بالبحث الدقيق في متن المُؤلفات دون الحاجة لتصفحها من البداية إلى النهاية، وهوما دفع عبد الله العروي للقول أثناء حديثه عن التجديد المنهجي للإسطوغرافية المغربية، أن لا أحد يقرأ الاستقصا والإتحاف والمعسول...من البداية إلى النهاية كما تُقرَأ الرواية، فالرُّجوع إليها يتم دوما عند الحاجة ويتم انطلاقا من الفهارس التقنية المُنجزة من طرف المحقق في ذيل الكتاب. وهو عمل ضروري لتجديد الكتابة التاريخية وتجاوز التكرار الواقع في العديد من الرسائل الجامعية المُقدّمة لكليات الآداب والعلوم الإنسانية بالمَغرب. فلا يمكننا الحديث عن قطيعة ابستيمولوجية مع الأنساق الاسطوغرافية الكلاسيكية دون تجديد التقنيات الإعلامية المُطَوَّرة انطلاقا من الرياضيات. انظر:
Laroui, A., Esquisses Historiques, centre culturel arabe, Casablanca, 3e édition, 2011. p. 14.
[28] ندعو هنا الباحثين المتخصصين في الفهرسة التقنية إلى انجاز فهرسات علمية دقيقة للمصادر الوسيطية التاريخية والجغرافية والمناقبية والترجمية والنوازلية...كما تم مؤخرا بالنسبة للإستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى لأحمد بن خالد الناصري.
[29] ابن تكلات، أبو عبد الله محمد بن عبد الله التادلي، إثمد العينين ونزهة الناظرين في مناقب الأخوين، تحقيق محمد رابطة الدين، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1986. الجزء الثاني. ص 367. (رسالة مرقونة)
[30] ڴربة gerba (ج. كْرْبْ greb) وعاء لحفظ الماء من جلد الماعز، وهو لفظ مستعمل في شمال إفريقيا ككل. ينحدر من اللفظ العربي الفصيح قربة ذات المعنى نفسه. انظر:
Brunot. L., « Noms de récipients à Rabat », in Hespéris, Tome I, 2e Trimestre, Année 1921, p. 134.
ويسميها أفراد قبيلة أولاد تيدرارين بمنطقة بوجدور "لكرب"، وتحمل لديهم فوق "ابل أرواية" أي إبل خاصة لحمل هاته القرب.
فعراس زهرة، "الماء وتدبير الندرة في ثقافة المجتمع الصحراوي بمنطقة بوجدور، قبيلة أولاد تيدرارين نموذجا"، ضمن أبحاث ودراسات حول الصحراء، منشورات مجموعة البحث والدراسات حول ساحل الصحراء، طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى، 2009، ص 69.
[31] القرشي سليمان، "الماء في الرحلات الحجية المغربية بين الحقيقة والرمز"، مجلة فكر ونقد، العدد 87، السنة التاسعة، مارس 2007. ص 78.
[32] ابن تكلات، أبو عبد الله محمد بن عبد الله التادلي، المصدر السابق، الجزء الثاني، ص 129.
[33] رابطة الدين محمد، مراكش زمن حكم الموحدين: جوانب من تاريخ المجال والإنسان، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى، 2008. الجزء الأول، ص 230-231.
[34] اللحية محمد، مدينة مكناس الوسيطية: النشأة والتمدن 452-645هـ/ 1060-1247م، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 2008-2007. ص ص 284-293. (مرقونة).
[35] ازريكم عبد الرزاق، مدينة غمات وما إليها: في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للمدينة الوسيطية ببلاد المغرب، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى،2012. ص ص 259- 279.
[36] Lévi-provençal, E., « Une description de Ceuta Musulmane au XVe siècle: L’IHtisar Al-Ahbar de Muhammad B. Al Kasim Ibn Abd Al-Malik Al-Ansari », in Hespéris, Tome XII, Fascicule II, Année 1931. p. 163.
[37] عن تاريخ كتابة رسالته في الحسبة يُخبرنا ابن عبدون انه كان شاهدا على بداية حكم الملك العبّادي المُعتمد بن عباد باشبيلية، بل يُشير في رسالته إلى المُرابطين (باب ذكر المرابطين). وهكذا يُمكننا بيُسر التأريخ لابن عبدون ورسالته، فنحن نعلم أن المُعتمد خلفَ والدَهُ المُعتضِد في حكم إمارة اشبيلية سنة 1068م، وتم استيلاء المرابطين على المدينة من طرف سير بن أبي بكر سنة 1091م، وظلت تحت سيطرة المرابطين إلى غاية 1147م تاريخ حصارها من قِبل الموحدين. وفي هذا السياق يقترح ليفي بروفنسال أن يكون تحرير رسالة ابن عبدون قد تمَّ في السنوات الأخيرة من القرن 11م أو السنوات الأولى من القرن 12م. انظر:
Levi-provençale, E., Séville Musulmane au début du XII siècle: Le Traité d’Ibn Abdun, traduit avec une introduction et des notes, collection: Islam d’Hier et d’Aujourd’hui, Volume II, Editions G. P. Maisonneuve, Paris, 1947. pp. 9-10.
[38] ليفي بروفنسال ايفارست (تحقيق)، ثلاث رسائل أندلسية في آداب الحسبة والمحتسب، مطبوعات المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، سلسلة نصوص وترجمات، المجلد الثاني، 1955. ص 32.
[39] بنحمادة سعيد، الماء والإنسان في الأندلس خلال القرنين 7 و8 هـ / 13 و14م، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 2007. الهامش 7، ص 110.
[40] الروايا، جمع راوية، وهي وعاء يتخذ من جلد الثور، يسع لأربع قرب. والقربة مقدار جلد ماعز من الماء. وعادة ما تحمل الدابة راويتين من الماء.
[41] بنحمادة سعيد، المرجع السابق، ص 109.