عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

نرمين حبوش - غزة/فلسطين

ايلان وبوط اينسا


النص أدناه نشر في عدد خاص من مجلة "عود الند" الثقافية صدر في عام 2021. ويؤسفنا أن كاتبة النص، الصحفية الفلسطينية، نرمين حبوش، قد استشهدت وابنتها لين ووالدتها في حرب الإبادة الإسرائيلية [2023] على غزة وأهاليها. وقد نعت الهيئة الفلسطينية للإعلام وتفعيل دور الشباب "بيالارا" الشهيدة نرمين حبوش، وأشار النعي إلى أنها "انضمت إلى أسرة مؤسسة بيالارا كمحررة صحافية ومدربة ومشرفة على برنامج التربية الإعلامية والمعلوماتية في غزة والعديد من مجالات الاتصال والتواصل".

نرمين حبوشليلة العيد الساعة الثالثة صباحا، صوت طرقات مع ضجيج على باب البيت، استيقظ جميع من في البيت: أنا وزوجي وطفلتيّ (إيلان ذات الأربع سنوات، ولين ذات الثلاث سنوات).

ذهب زوجي مسرعا لفتح الباب، وأنا أقف خلفه، أخبروه أن أحد الجيران تلقى تهديدا من قبل الجيش الإسرائيلي بضرورة إخلاء العمارة.

بسرعة البرق ارتديت ملابسي استعدادا لترك المنزل. صوت طفلتي تتحدثان.

إيلان: "هل جاء العيد كما أخبرتني؟ هل سأستحم الأن لأرتدي ملابسي وحذاء "إينسا (شخصية كرتونة تحبها كثيرا)؟

وأتذكر حينما أخذتها لشراء حذاء العيد، أصرت على شرائه. ورغم ارتفاع ثمنه قليلا، أذعنت لطلبها، وها هي تحلم بارتدائه مع ملابسها الجديدة.

ولكن لم أكن أمتلك الوقت لأشرح لها شيئا. كنت أفكر كم دقيقة أحتاج لأغادر المنزل قبل أن تبدأ الصواريخ بالانهيال علينا؟

أخرجت حقيبة الأوراق الرسمية، وكان زوجي قد وضع اللابتوب في حقيبتي، ومع ذلك نسيت بعض الفلوس في المنزل.

تمكنا من نزول السلالم بسرعة، وسط زحمة السلالم، أمسك بيد إيلان الصغيرة وأشعر بارتجافها وخوفها، بينما لين كان يحملها زوجي لعدم تمكنها من رؤية حفايتها المنزلية لانقطاع التيار الكهربائي.

في الشارع أصوات النساء والأطفال تصرخ، وتبكي، والرجال يحاولون السيطرة وتهدئة النساء.

مشيت مسرعة وسط زحمة الجيران الذين تركوا منازلهم مثلي.

شعرت أن إيلان تمسك يدي وتضغط بقوة، وفجأة بصوت مرتفع أعتقد أن من كان يسير بجانبنا سمعها وهي تقول:

"ماما وين راحين؟ أنا لابسة ملابس النوم؟ لشو ما جبتي ملابس العيد؟ ولشو ما مشطت شعري؟ وين بوط "إينسا"؟ كيف بدي ألبسهم؟ كيف بدي أروح على بيت تيتا وأنا هيك مش مرتبة؟ ماما ما أخدت ألعابي الجداد؟"

شعرت بغصة تملأ حلقي والدموع ملأت عيني وقلت لها:

"راح أجيبلك أحلى منهم إن شاء الله، بس خلينا نوصل بالسلامة على بيت تيتا".

وصلنا إلى منزل والدة زوجي، التي لم يغمض لها جفن في هذه الليلة: "ليلة العيد"، فهذه الليلة التي يغنى لها أنها ليلة فرح وعيد كانت ليلة تعج بأصوات الصواريخ في المنطقة.

ذهبت إيلان إلى حضن جدتها وبدأت تسرد لها ما حدث بصوت مرتجف بائس. وأخيرا قالت لجدتها: "نسيت أجيبلك من شوكولاتة العيد التي شريناها".

لم يغمض لي جفن، فقلبي يشعر بحرقة شديدة، براءة طفلتي وطريقة تلفظها بالكمات دفعتي في الصباح الباكر للذهاب مجددا إلى المنزل. نعم كان لدي الجرأة للذهاب دون خوف برفقة زوجي.

أحضرت لها حذاء "إينسا" كما تسميه، كما أحضرت ملابسها وملابس طفلتي الصغيرة، وأحضرت لها شوكولاتة العيد.

نعم كان لدي فرصة أخرى لرؤيته المنزل قبل أن يتحول إلى ركام، مع دعاء من قلبي أن يبقى سالما محصنا لحين عودتنا.

نعم شعور جدا صعب ومؤلم حينما لا يكون أمام الفرد وقت لأخذ شيء أو الرجوع لأخذه بعد فوات الأوان.

D 1 آذار (مارس) 2024     A نرمين حبوش     C 0 تعليقات