عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

محمد دلومي


محمد دلوميهل لنا مشهد ثقافي حقيقي فعلا حتى نتحدث في شأنه؟ إن ما نسميه مشهدا ثقافيا ليس في الواقع سوى مهرجانات فارغة ربما لملء الفراغ، أو لأن المعنيين بالثقافة عندنا يريدون أن يوجهوا رسالة مفادها أننا نملك مشهدا ثقافيا ولا يهم كيف يكون هذا المشهد بقدر ما تهم الشكليات التي نسميها مشهدا ثقافيا.

شخصيا، أعيش بعيدا عن هذا الذي يسمونه مشهدا ثقافيا لأن وجودي في مهرجان ما كعدمه فنفس الوجوه تتكرر وتكرم وتحظى بالامتياز أيضا رغم أنها لا تقدم للثقافة شيئا. والأمر المهم الآخر هو احتواء الكثير من الحركات الثقافية من طرف الأحزاب السياسية وبعض الجهات الرسمية.

ومع الأسف يتحمل المثقف الوزر الأكبر في هذه النقطة، وطبيعي جدا أن ينأى المثقف الجاد بنفسه عن مثل هذه الأمور خاصة حين تصير الثقافة مجرد رهينة سياسية والهياكل الثقافية مجرد لواحق لأحزاب أو أجهزة معينة في الدولة، والمثقف مجرد مناضل سياسي.

وأمام هذا الوضع يجد المثقف الجاد نفسه بعيدا عن هذا الذي يسمونه مشهدا ثقافيا وبالتالي فنحن لا نملك مشهدا ثقافيا قدر ما نملك مشهدا سياسيا بواجهة ثقافية تغلب عليها المصلحة الضيقة والصراعات الشخصية، وأكبر دليل ما يحدث في اتحاد الكتاب الذي لا زالت شرعية رئيسه محل شك من طرف الكتاب والمثقفين.

لقد أسهمت بشكل كبير في انهيار المشهد الثقافي الجزائري ثقافة الشلة، التي أغلقت الأبواب بإحكام على الإبداع وجعلته حكرا على جماعة معينة، تشترك في بعض الأفكار والتصورات والانتماءات السياسية، فالتكريم وحتى الجوائز الفكرية والثقافية دائما تذهب لنفس الوجوه ولا تخرج عن إطار الشلة والأصحاب، وحتى إقامة الندوات والمهرجانات الثقافية الدعوة فيها تقتصر على أشخاص بعينهم، أحيانا لا تكون لهم علاقة بالثقافة. وهؤلاء ربما يصلح أن نطلق عليهم اسم "المتـثـيقـفين" الذين ولجوا إلى عالم الفكر والثقافة عن طريق الصحبة والانخراط في الشلة.

هناك ظاهرة أخرى غفل عليها الكثير أو تغافل عنها، وهي ثقافة "المجاملات والجميلات"، ومع احترامي للكثير من المثقفات فإن نسبة كبيرة منهن لا علاقة لهن بالثقافة مطلقا ووجودهن في عالم الفكر جاء بمباركة بعض الذين يقدسون الأنثى وشكلها وليس إبداعها، فنجد شاعرات نشر لهن دواوين شعرية ومجموعات قصصية وروايات، ولكن المستوى "تحت المقبول"، في الوقت الذي تنطفئ "جذوة الإبداع" عند بعض المبدعين الذكور من الجيل الجديد الذين وجدوا أنفسهم أمام مسؤولين عن الثقافة يكرسون سياسة ثقافة "المجاملة والجميلات".

هذه وجهة نظر خاصة من ملاحظ للمشهد الثقافي ولو من بعيد. وأمام هذا كله لا يمكن أن نتحدث عن مشهد ثقافي حقيقي يغيب فيه المثقف الجاد ويحضر فيه كل شيء سوى الثقافة وأهلها. ولا يمكن أن نؤسس لمشهد ثقافي حقيقي والثقافة عندنا تأتي في ذيل الاهتمام لدى المكلفين بها.

D 1 تموز (يوليو) 2009     A محمد دلومي: ملف الجزائر     C 0 تعليقات