تهميش المثقف الجزائري: من المسؤول؟
إبراهيم قرصاص
ماذا ننتظر كمبدعين نشأنا خلال الثمانينيات في الجزائر في مناخ ثقافي مختلف جذريا عن الظروف الثقافية السائدة في جزائر ما بعد الانهيار القيمي، أي منذ التسعينيات إلى اليوم حيث نحن في العام 2009؟
أعتقد أن البنيات التأسيسية لصناعة المشهد الثقافي الجزائري طيلة هذه الحقبة تعرضت إلى خلخلة عنيفة، بعد إزاحة الأسماء الثقافية المنتجة والكبيرة في الجزائر عن الهياكل والتنظيمات الثقافية في البلاد، لقد حلّ محل عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار وأبو العيد دودو.... وهو الجيل الذي نشأ في ظل مشروع وطني نضالي ومكافح، له رؤى واضحة وأهداف نبيلة، حل ّ محل هذا الجيل جيل آخر قيمه الأدبية والفكرية والمرجعية مهزوزة وغير واضحة.
ثم مع هذا الجيل برز جيل ثالث، يبدو لي أنه جيل الميوعة والإسفاف والتطاول على كل المنجزات النسبية التي بدأت بعض ثمارها تأتي أكلها، فتداخل الغث بالسمين، إلى أن انزلقت فلسفة البناء الثقافي في براثن الرداءة التي أكلت كل أخضر يانع ورسمت لنفسها خارطة طريق مشبوهة على مستوى الهياكل الثقافية والتنظيمات الوطنية والمحلية. هذا واقع قائم وليست نظرة متشائمة، كما سيغطي عن ذلك أصحاب الريع والمتواطئين في تمييع مشهد ثقافي جزائري كان يمكن أن يكون أرقى وأفضل في ظل الإمكانات المادية والمالية المتاحة في عهد الرئيس بوتفليقة.
لا أخفي الشمس بالغربال كما فعل ويفعل الكثيرون، الذين انتهجوا سلوك "الأصحاب" و"لمعارف" و"لقهاوي" و"المجاملات"، حتى وإن كانوا أسماء لهم كتابات وإبداعات، فعني شخصيا لا أعترف بهم كنخبة، لأن النخبة هي صفوة المجتمع في الأخلاق والأفكار والنزاهة والحياد والترفع عن النزوات. وأقولها بصراحة وهي موجعة حتما، فالحق مر، بل ويكاد يكون كريها في عصرنا، إن الذين عكروا صفو المشروع الثقافي الوطني هم الذين كانوا بالأمس القريب يتباكون وينتقدون السلطة في الجزائر، بل مازالوا ينتقدونها في الخفاء وينافقونها في الوجه.
هؤلاء خطر كبير على الجزائر، لأن المدرسة الوطنية منذ الاستقلال لا تستحق أن يكافئها هؤلاء بالتنكر لتلك القيم الوطنية والأخلاقية الرفيعة، كالنزاهة والنضال الصادق والاحترام، فيصبح الهم الوحيد والأوحد هو السيطرة على المنابر وتلويث المشهد بأشباه أدباء لا يفرقون بعد بين الفاعل والمفعول به في محاولاتهم، فيصبحوا أعضاء قياديين في هذا التنظيم وذاك، وحتى في الصحافة، لم نعد نقرأ في الصفحات الثقافية للأسماء التي ناضلت وأعطت ولديها مؤهلات وكفاءات فكرية وثقافية وأخلاقية ومهنية.
في ظل هذا الواقع أعتقد أن الحل في مراجعة الضمائر ومحاسبة الأنفس وتصحيح الأخطاء، عن طريق العودة إلى الأخلاق التي نشأ عليها جيل كاتب ياسين وأحمد رضا حوحو وجميلة زنير وزهور أونيسي، ولن يتحقق هذا إلا بالاعتراف بالخطأ ومواجهة النفس".