فوزية العلوي - تونس
بيانات امرأة المجاز
بيان رقم واحد
* أنا امرأة زائفة لذا لا تعولوا كثيرا على ما أقول ولا تلقوا الدلاء إليّ لأمطركم فلست واثقة تماما من أن هذا السحاب الذي يوشح سمائي سيكون واعدا.
* أنا امرأة أكره اللون الأحمر لذلك لا أنتعل إلا الأحذية الحمراء، قل هو نوع من العداء المثالي لهذا اللون لذلك أبيح لنفسي أن أعفر هامته في التراب وأن أهين كبرياءه بعنجهية الدوس.
* أنا لست من النساء السافرات، لذا أحجب عنكم كل نواياي، ولا بأس إن شربت الشاي معكم أو لبست على سبيل المجاز أساور وخلاخيل أو خبأت لكم في معنى المعنى، بعض الثمار العنقودية حتى إذا تجرأ أحدكم في غفلة من نواطير العبارة وحاول اعتصار الخمر انكشفت له سوأته.
* لست ككل الرجال لذا أنا امرأة مختلفة، ولا أشبه النساء جميعا لذلك يخافني الرجال. ولا وقت لدي لأمارس لعبة الشاة والذئب لان ذئابي موثوقة، وشياهي أكلتها ذئاب مجازية.
* أنا امرأة ضبابية لهذا السبب تقلقني الشمس فاعتمر مظلة قش، وأمشي في الشوارع بنظارة برغم شهادة حبيبي، أن أجمل عيون للنساء، تلك التي حباني الله بها ٠وعندما يأتي الليل أوقد شمسي الخفية وأنظر إليكم من خلف قضبان الكناية.
* ثمة نساء كالكستناء وثمة ناس كالنسانيس، وسواء كنت سمراء كالكستناء أو نسنانسة كأصحاب الاسم الثاني، فلن أبرح في كل الأحوال دائرة التشبيه.
* ستجهدون في فك مغاليق العبارة وستعملون معاولكم في الحجارة الصلدة، سيقدح صوان وتطير شظايا ستلهثون من العياء وستستمطرون الديمة الهاربة وتجففون أنابيب العرق بذيول الدهشة وما تهدل من تلابيب الحيرة...ستقولون لماذا امرأة تكره اللون الأحمر، تجبر نفسها على شرب الشاي معنا، رغم أننا من سلالة شيوعية منقرضة؟ ولماذا تخبئ المتفجرات في العبارة ولماذا تشبه نفسها بالكستناء إلا أن تكون في لا وعيها اللاكاني ثمرة شبقة؟ ولماذا تطلق الشاة والذئب في العبارة على شاكلة الشاعر يوسف رزوقة؟ (*) ولماذا تتحدانا على هذا النحو؟
ستضحك المرأة الزائفة دون أن تقلع حذاءها الأحمر، وستمعن في وضع نظاراتها وهي تقول : عفوا إنما كنت أمزح.
بيان ثان
أولا:
ستتصور نفسك معنيا بما أقول، وستخوض ضروبا من التأويل بمقتضاها ستتحول الحروف حيات وثعابين، وستحجم تماما عن شرب الشاي الأخضر، وستسارع بتغيير رقم هاتفك مخافة أن تلتقط الشهب صوتك.
ستدعي بعد ذلك أن عينا أصابتك حسنك، وأن مقامك وكلامك وحمام شرفتك كلها نوافذ دخل أليك منها الحسد وستتهمني أنا كالعادة بأنني صاحبة المكائد.
ثانيا:
ستخلع عنك معطفك الرمادي ذاك الذي أحببته يوما، وشبهتك وأنت ترتديه بالغيمة، وتأمل أن يورق الجوز على كتفيك، وستدعو كل القرنفل كي ينبت على كفيك، ولكني منعت الربيع من السفر إليك هذا العام، فلتبق مجدبا إذن كما عرفتك، وليواصل الثلج نسج غلالته فوق وجهك وليصبح صوتك بلا رنات. فمن كان ينثر الضوء في عينيك؟ ومن كان يواعد الربيع على جمة شعرك؟ ومن كان يوقع الألحان في صوتك، فاعلن فاعلن، رجل من عنب، صامت كالذهب، باعث في دمي حثحثات القصب؟
ثالثا:
عد إلى خريفك وانتظر زحف شتائك، وأمعن في جواربك السوداء، ولتحتس من نقيع القرفة ما شئت، فأنا كرهت المرض، ولتدع ما شئت السعال والاكتظاظ والأعمال المهمة، فلن تهملني هذه المرة لأنني ببساطة أقلعت عن لعبة اليمامة المسكينة، التي كان يحلو لها أن تعشش في زاوية شرفتك، منتظرة أن تغدق عليها بعض الحب بضم الحاء، وأقلعت عن وضع نظارات المجاز التي كنت أراك من خلالها هزارا طيارا في زمن الكساح، ووعلا فحلا يحرس الغابات ويعد الغزالات بالتفاح والنارنج وما تجمد من لؤلؤ الشلالات.
رابعا :
مالك والحب في زمن الحرب وأنت لم تتقنه في زمن السلم؟ فالطائرات النفاثة لم تترك فسحة من السماء حتى تخيط الخطاطيف جبة دهشتها، والصواريخ تلك غدت شماريخ أعراسنا وفرقعات القنابل، تلك لنا طبول حتى نزف في جنازة عجائبية لموت لم يكتف وحده بقتلنا فجند لذلك كل أحفاده معه.
خامسا:
إن لمحتني ذات مساء أعبر الشارع الخامس ورأيت ذيل عباءتي يكنس الأرض، لا تمعن في التأويل ولا تقل تلك تجر رداءها لي حتى أتبع حب مودتها بفتح الحاء، وستغويني كما فعلت جدتها بجدنا ولا عجب أن تهبني على سبيل الكناية قارورة "كولا" لترفعني من أرضي إلى فردوس العولمة. لن افعل ذلك أبدا، ولن أمر في الشارع الخامس ولا عباءة عندي حتى أجرجر ذيلها، ولست حسونا حتى أغويك، ولا شيء في العالم بعد الآن سأشبهك به فلست ربيعا ولا قمرا ولا وعلا أرجوانيا، وصوتك أجش لا ذهب فيه ولا عنب، ولست غاويا كالبنفسج، ولا عميقا كبحيرة الياقوت، ولا مزركشا كقبة الصخرة، لكنك ببساطة رجل بسيط ومسطح ومنقوع في مرق الواقع إلى العنق. أما أنا فامرأة أرهقتها الحرب وبددها عطر الموت فخرجت تجري من مدارك إلى مدار المجاز.
= = =
(*) يوسف رزوقة: شاعر تونسي له ديوان بعنوان الذئب في العبارة.