عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أحمد عبد الله - مصر

ليس بيدي


أحمد عبد اللهفي ذلك الوقت من كل يوم، اعتادت أن تراه في قمة تألقه. بنظارته الشمسية وسواد حذائه وساعته في يسـراه. بطلبه المعتاد على الصباح في هذا المكان الأنيق. دخان القهوة المتصاعد يضفي عالما مميزا من الرقيّ مع لمسة خشبية في التصميم تعطيك إيحاء بالسكون والفخامة.

كل ذلك يزول تأثيره بمجرد وصوله. عطره يجبر الورود المتفتحة على امتصاص روائحها لهيمنة وجوده. تنتظر أن ترى عينيه لتضيء المكان من غمامته على الرغم من إضاءته. أيا كانت ألوان ملابسه، تتغير الألوان المحيطة به لتتلاءم معها. أحيانا توقن بأنه ليس بشـرا، فذلك الرقيُّ لم تسمع عنه حتى بالروايات، فكيف لبشر يتحول العالم من حوله كي يلائمه؟ فلهدوئه فن، ولصمته صوت.

سأظل بنظارتي الشمسية هذا اليوم من أجل إخفاء اهتمام نظراتي لك. أعلم ما يدور بداخلك ولكنك لا تدركين حواري معي. ألمح في عينيك ما تمنيت أن أعيشه دائما. حب عميق ودفء متوغل يسـري بروحي كلما تقابلت عيوننا.

أتجنب عينيك فأسمع همسات صوتك تطرق أوتار فؤادي عازفة أحلى المشاعر. أطفئ صوتها وأتجاهل حلاوة صداه بداخلي. أعود لأنهمك فيما يلهيني عنك فأجدك تلهيني عمّا ألّهاني عنك. تحاولين فهم طبيعتي وأنا أشتت تركيزك وأبعثر استنتاجاتك.

أشم عطرك؛ يسكرني وأنا دون مقاومة مستسلم لك. أتحاشاك فتأثيرك علىّ ينسيني كلماتي ودنياي. كلما راجعت نفسـي وقررت مجاراتك. أعود لألومني. تسألينني وأنا أحتاج أكثر منك سماع إجابتي.

ليتك تعلمين أن ما يمنعني عنك ليس بيدي، بل هو حكم مسبق عليك تقبله وتحمله معي. ليس ذنبي أنه كان حبيبا لك قبلي. وليس خطأك أنه لم يأت بعدي.

كلما اقتربت من فتح بابي أغلقته من الداخل، ترين نورا تستكشفين منه ما يحدث فأقطع الكهرباء بداخلي. أخفي عنك كل ما يمكِّنك من قراءتي وتوقُّعي.

غير كل يوم، لم تر عينيه. أحسَّت بزيادة الظلمة في المكان على الرغم من نور الشمس. تجاهلت وضوح تركيزها معه. خاطرت بفضح حقيقتها والتحدث إليه.

لم يمهلها الفرصة. وقف من مكانه فاصطفَّت الطاولات احتراما لوقوفه. طوى ما كان يكتب وما لا تعرف طبيعته. ودون انتظار توجَّه نحوها. توقَّف الزمن على الأقل بالنسبة لها. ابتسم ووضع الورقة أمامها. وتركها.

لم تنتبه إلا بعد رحيله عنها. نظرت للورقة وهى تشعر بانقباض أنفاسها. وفتحتها. حينها أدركت ما كان يفعل وقتها. فلقد كان يكتب لها "ليس بيدي".

D 25 أيار (مايو) 2015     A أحمد عبد الله     C 6 تعليقات

3 مشاركة منتدى

  • نص يمثل مرآة تعكس كل ماهو رجل ..وصف دقيق لايكون الا بقلم كاتب .مابين الفضفضة والبوح يخرج نص يمثل الرجل المتذبذب بحق والغارق في الانا التي تغذيها تفاهة انثى لاترى من عينيه الا ماركة نظارته الشمسية .


    • شكرا أستاذة هدى على تعليقك القوي .. وعلى رأيك الراقي فى وصف الكتابة .. ولكن دائما هناك ما وراء المشاهد التى نراها فى الحياة .. فرأيك صحيح من منظور تصرفات الشخصين ..

      ولكن لو نظرنا من أعماقهم فربما وجدنا الرجل محققا لمعنى المروءة الكاملة من تفهمه لمشاعر الأنثى وعدم إستغلاله لذلك ومحافظة عليها ونظرا لوجود أسباب تمنعهم من أن يكونوا معا صارحها بذلك وأنها ستكون آخر مرة حتى لا يعذبها أكثر من ذلك ويحافظ على كبريائها ..

      أما المرأة فيكفي أنها عندما شعرت بإنجذاب لم تترك ذلك يتحكم فى تصرفاتها بل حافظت على ردود أفعالها توقيرا لأنوثتها ولم تترك تفصيلة إلا وحفرت بمخيلتها وإن دل على شيء فإنما يدل على صدق مشاعرها ..

      إجمالا لا أريد أن قول رأيى النهائي فى الحالة التى قمت بوصفها، وإنما أردت أن أوضح بعض الإتجاهات الأخرى فى الموقف .. شكرا لمتابعتك وأرجو استمرارية تعليقاتك على كتاباتي الأخرى ...

  • "أعود لأنهمك فيما يلهيني عنك فأجدك تلهيني عمّا ألّهاني عنك."
    وصف أكثر من رائع...

    تصوير للموقف رائع مكتوب بأسلوب بالغ الدقة عن لسان الطرفين
    بيتجسد فيه الواقع الأليم أن النهايات مش دائما بتكون سعيدة.


    • شكرا سيلفيا على تعليقك واهتمامك .. اخترتي جملة من أكثرها قرباً لقلبي .. ولكن مفهوم النهايات غير السعيدة يختلف من حالٍ لآخر ومن وقت لآخر .. فمن الممكن مع الوقت إدراك أن ما ظننا أنه بائساً فى وقته أصبح سعيدا بعد ذلك .. فلو علمتم الغيب لاخترتم الواقع ..

      أدام الله عليك السعادة ...

  • ليس بيدي، نهاية جميلة وموجز لمشاعر القصة.
    تباينت مشاعري بين التعاطف مع أبطالها وعدمه.
    كل التوفيق لك أستاذ أحمد ومزيدا من التألق.


في العدد نفسه

كلمة العدد 108: دور النشر والجوائز

عن الهويّة العربيّة: طرح يستدعي الحلول

قراءة موجزة في رحلة الغفران

المقاومة في الأدب الجزائري أثناء الاستعمار الفرنسي/ج2

الإرهاب في الرواية الجزائرية