ياسمينة صالح - الجزائر
لدمشق الياسمين أكتب
دمشق، أبواب الحارات العتيقة المترامية على هاجس اللغة وهدب التاريخ. دمشق السيوف التي ما تزال تصدق بريق فرسان مروا من أبوابها المفصلة بريش الحكايات القديمة، حيث تسكن الأشياء التي لا تقال مرتين، وحيث تنام اللغة الحارة والضاربة في عمق الأرض.
دمشق امرأة تختزل كل النساء في حيائها، حين ترفع حاجبيها دهشة، تخجل المدن من عينيها، ويسترق الليل سمعه لما تقوله حين يغلبها البكاء أو تستغرق في الضحك بلا سبب.
دمشق حقل الياسمين المتوّج على ناصية الشبابيك، وعلى حافة القلوب التي تؤمن ألا وطن خارج تفاصيل البياض في ياسمينة يضعها الدمشقي على شباكه كتميمة تقيه من الحسد.
دمشق الفقراء الذين يولدون فقراء عن قناعة أن الفقر والشرف يعيشان معا إلى الأبد، لا تفرقهما الضغينة ولا يفرقهما خطاب محمول على صحيفة تصنع من الكراهية سببا للبقاء. ودمشق الأثرياء الذين يولدون أثرياء لأن الثراء يتوارث عن الأجداد، كما يرث المرء ثروة يعرف أنها لن تصل إلى صاحبها قبل ان تتلمسها جهة الحظ تارة، وجهة القصد تارات أخرى.
دمشق الدهشة إذ توقظ فيك الرغبة في البكاء فجأة وأنت تمشي في شوارعها عامرا بالأسئلة، وأنت تصغي إلى خطوات كل من مروا من هنا بالأمس، وقبل الأمس وقبل ألف وألف وألف عام.
دمشق صالة الشاي التي تنبعث منها موسيقى صاخبة لا تتلاءم مع الذوق الشعبي، ولا مع حزن يجلس قبالتك على الكرسي المجاور، ينظر إليك ويسألك: هل تريد أن نحكي أم نسكت كما يسكت الناس عن الكلام؟
دمشق، عاصمة التاريخ التي عشقها الحالمون، والبسطاء والشعراء، والمجانين، تلك المدينة المرمية على حجر الكون، ضاربة في الأشياء منذ بداية أول حرف من الأبجدية الأولى التي توزعت على الناس كرغيف خبز.
تعي دمشق جيدا أنها جميلة لمجرد أنها هي، محتفظة بوقارها الأزلي، جميلة حد الدهشة، ومغرورة ككائن يعرف أنه يملك أكثر مما يملكه الآخرون: الرؤى واليقين.
دمشق الأسواق العتيقة، والباعة المتجولون الممزوجة وجوهم بالتعب اليومي، والآهة المخبأة في القفص الصدري، لا تخرج إلا عن حاجة إلى البكاء، ولو خلسة، فالرجال لا يحق لهم البكاء، تقول المخيلة الدمشقية الممتدة من وإلى النص الفعلي لذات الإنسان المقهور عن قصد، أو الحالم عن سابق إصرار.
دمشق الرسالة المضرجة بدماء العابرين هذا المكان، أولئك الذين وقعوا في حبها عبثا، أو رغبة في الخروج بلقب دمشقي لا يجوز لغير أهلها الذين تمرغوا في ترابها ومشوا في شوارعها حارة حارة، وزنقة زنقة.
دمشق الحلم الأول والأزلي، رغبة في الحياة بأبهة تختزل كل المعارك التي دخلتها لتنتصر أو لتموت واقفة، غير آبهة بالرثاء الذي يأتي ممن دسوا في حواريها أكثر من سبب للضغينة، أو للقتل.
دمشق التي ترفض ان تموت كما يموت الجبناء، تعرف أنها لن تعيش جميلة إلا إن قامت، ولن تعيش كبيرة إلا إن بقيت، قبلة للعشاق الأولين والآخرين، ولزهر يولد جميلا بين يديها، ولكلام لا يكون له طعم الفرح إلا إن كان دمشقي الهوى، لا تفصله الحواجز المزيفة بين مدينتين، ولا تسقطه الشعارات التي ترفع على عجل، أو تلك التي يخرج سيناريوهاتها من أرادوا النيل من جمالها، وحين لم ينالوا منها شيئا كرهوها عن فشل، مثلما كرهتهم عن جمال.
◄ ياسمينة صالح
▼ موضوعاتي
6 مشاركة منتدى
لدمشق الياسمين أكتب, مليكة سعدي الجزائر | 27 تموز (يوليو) 2011 - 04:08 1
أشكرك ياسمينة الجزائر على أنشودة الياسمين الدمشقي، لا يقول مثل هذا الكلام الرقيق الصاخب إلا من كان عاشقا لعاصمة التاريخ دمشق. أشكرك لأنك عبرت عما بداخلي و بداخل كل عاشق لدمشق. أشكرك لأنك جعلتني أحيا يوما دمشقيا.
1. لدمشق الياسمين أكتب, 28 تموز (يوليو) 2011, 02:01, ::::: د. منذر عياشي - سوري
لقد كنت أموية رائعة وأنت تكتبين عن عاصمةالأمويين ... كنت دمشقية نزارية ، أجل لقد مارست عشق الشام بلغة الشام الياسمينية .
منذر عياشي
2. لدمشق الياسمين أكتب, 29 تموز (يوليو) 2011, 21:17, ::::: ياسمينة
وأشكرك مليكة على سطورك الجميلة.. إنها دمشق أيتها النبيلة.. دمشق التي نحبها كما يمكن لشخص أن يحب مدينة يعرف أنها تحمل ملامح مدينته الأولى/ مدينته الأصلية..
كل عام وأنتم بخير بمناسبة الشهر الفضيل... محبتي الصادقة..
3. لدمشق الياسمين أكتب, 29 تموز (يوليو) 2011, 21:20, ::::: ياسمينة
د. منذر عياشي.. أيها اليهي .. لكم سرني وجودك ها هنا، في مساحة دمشقية الهوى، جزائرية القلب.. شكرا بحجم التقدير لشخصك الكريم.. كل عام وأنتم بخير.. بألف خير.. بألف ألف خير
ولسورية الغالية الأمان الذي تستحقه..
لدمشق الياسمين أكتب, فردة إبراهيم | 27 تموز (يوليو) 2011 - 07:09 2
مرحى لدمشق بهذا الحب الجميل..والمتفرد
مرحى لمحبي دمشق بهذه الحروف المتمايلة على نغم ساحر..تعزفه سمفونية دمشق المعشوقة
كم هي ساحرة..دمشق وأنت تغدقين عليها من لآلئك الجميلة...يا ياسمينة
شكرا يا صديقتي ..على أنك عزفت على وترنا الجميل..الخفي
شكرا أختي
فريدة إبراهيم بن موسى
1. لدمشق الياسمين أكتب, 29 تموز (يوليو) 2011, 21:14, ::::: ياسمينة
شكرا فريدة العزيزة على حضورك البهي.. هي دمشق التي لا يمكن ألا نحبها.. شكرا على كلماتك الندية.. واسمحي لي أن أبارك لك الشهر الفضيل.. كل عام وأنتم بألف خير..
لدمشق الياسمين أكتب, غالية قباني سورية/بريطانيا | 27 تموز (يوليو) 2011 - 17:01 3
حوار الياسمين للياسمين. دمت ايتها العزيزة. افتقدتك فترة وها انا التقيك في هذا النص الجميل
1. لدمشق الياسمين أكتب, 29 تموز (يوليو) 2011, 21:12, ::::: ياسمينة
شكرا أيتها الغالية العزيزة، أنا أيضا أفتقدتك، وها ألتقيك هنا في نفس الشارع الدمشقي الذي مشينا فيه أول مرة.. شكرا بحجم المحبة والتقدير... وكل عام وأنتم بخير بمناسبة الشهر الفضيل، أرجو أن يكون عامرا بالحرية والخير والكرامة للشعوب العربية المقهورة من المحيط إلى الخليج.. محبتي الشاسعة..
ياسمينة
لدمشق الياسمين أكتب, إبراهيم يوسف | 30 تموز (يوليو) 2011 - 06:58 4
في قلبهِ على الشام ثارات.. أحبها عمراً بلياليه.. وافترقا لغير سبب.. ما زال في قلبه إليها حنين، وفي نفسه شوقٌ أن تعود وتغني له اللحن الفيروزيِّ الحزين:
وْ لَكْ راجعة و حياة عينو راجعة
و القلب عم يسأل و عيني دامعة
و لك راجعة أوقف عا بابو خاشعة
أستغفرو عن غيبتي و أطلب رضاه
1. لدمشق الياسمين أكتب, 28 آب (أغسطس) 2011, 16:21, ::::: ياسمينة صالح - الجزائر
الأخ العزيز الأستاذ إبراهيم يوسف..
أولا كل عام وأنتم بخير.. شكرا جزيلا على حضورك البهي.. دمشق هي دمشق كما أقول
دائما، وكما سأقول دائما، من تلمس جمالها كما يجب لا بد أنه سيعشقها إلى
الأبد...
لدمشق الياسمين أكتب, ظلال العقلة | 10 آب (أغسطس) 2011 - 15:25 5
ودمع لا يكفكف يا دمشق..
كيف نكتب عن نبض القلب وصبا الروح..؟
ياسمينة أنت كنت في بيت دمشقي عتيق.. جعلتنا نتنسم عطر تاريخها وشذى ماضيها العريق..
ولا ندري أنذرف دمعا أم دما لجريمة اغتيال شبابها وحضارتها؟؟
تجمعنا الأخوة.. ولا تفرقنا المسافات ياسمينة..
دام قلمك صادقا نقيا..
وكل عام وأنت ودمشق وأهلها الطيبون بكل الخير
1. لدمشق الياسمين أكتب, 28 آب (أغسطس) 2011, 16:19, ::::: ياسمينة صالح - الجزائر
الأستاذة العزيزة ظلال العقلة
طاقة من الياسمين إليك.. شكرا لك أيتها العزيزة، ولدمشق التي نحب
والتي سوف تخرج أجمل مما كانت عليه وأكثر قدرة على الحياة
كل عام وأنتم بألف ألف خير
لدمشق الياسمين أكتب, زهرة-ي-الجزائر | 21 كانون الثاني (يناير) 2012 - 15:45 6
ما اجملها دمشق ..يكون المكان جميلا باهله..وجمال اهله في راحة بالهم وهناء عيشهم وتقبلهم لواقعهم..اماحاليا فلا اعتقد ان دمشق قد بقيت جميلة..
فما اجمل ما كتبت عنها حماها الله واهلها من نوائب الدهر.