باسمة حامد - سورية
حوار مع الروائية الجزائرية ياسمينة صالح
عندما نقول ياسمينة صالح يتبادر إلى أذهاننا الأدب الراقي والقريب من الأرض والقلب والإنسان. إنها كما قال عنها العديد من النقاد المشارقة: روائية نابضة بالتفاصيل التي تربطها إلى الوطن والناس البسطاء والأمل الذي يبدو جليا في حالات حزنها الأدبي. يقول عنها الروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج إنها من الأقلام التي يحرص على القراءة لها. هي واحدة من الأسماء الروائية الجزائرية القوية من جيل ما بعد أحلام مستغانمي. صدرت لها حتى الآن المؤلفات التالية:
وطـن مـن زجـاج - رواية. الدار العربية للعلوم، لبنان 2006
ما بعد الكلام - مجموعة قصصية. منشورات الكتاب العربي ، دبي 2003
بحر الصمت – رواية. منشورات الاختلاف، الجزائر 2001
أحزان امرأة من برج الميزان - مجموعة قصصية. منشورات جمعية المرأة في اتصال، الجزائر 2001
وطن الكلام - مجموعة قصصية. منشورات الكتاب العربي ، دبي 2001
باسمة حامد: عندما نقرأ لك ونصغي إليك يخيل إلينا أننا أمام أديبة استثنائية تعيش حالة من الغربة إزاء الوطن. هل قتل الوطن أحلام ياسمينة صالح؟
ياسمينة صالح: من ذا الذي لم يقتل الوطن أحلامه، كلنا ننتمي إلى الوطن، ونعشقه، ولكننا نعي أن الذين عربدوا فيه ارتبكوا الكثير "من المجازر" في حقنا جميعا، لقد صنعوا من الوطن شيئا مقرفا ومن المواطن كائنا بائسا، لم يعد الوطن مرتبطا فقط بالأهل وبالذين نحبهم، صار مرتبطا بالجلادين الذين ساهموا في الكثير من المآسي ضدنا وضد أحبابنا، وصار من السهل مغادرته دونما تردد، أو ندم، ألا يعني هذا اغتيالا لأشياء جميلة فينا؟
باسمة حامد: في رواية وطن من زجاج، شعرت أنك تكتبين بالنار وليس بالحبر، خيل إلي وأنا أقرأ أن ياسمينة صالح توجه رسائل مليئة بالفجيعة، ماذا تقولين عن وطن من زجاج؟
ياسمينة صالح: إنه وطننا جميعا كما قلت وأقول، أوطاننا كلها من زجاج مهشم، من المضحك أن يقول أي زعيم عربي أن وطنه "حامي الحمى" وأنه قادر على التصدي وعلى النصر و... و... كل دولة تجسد اليوم مشروع احتلال " أبيض" أو أسود، كل الدول رهينة صندوق النقد الدولي، وعليها أن تقبل أيادي وأرجل الأمريكيين كي لا تعرض على الملأ ملفات الفساد والتجاوزات اللا إنسانية فيها، كل دولة مستعدة لإبادة شعبها لأجل إرضاء عقد الحاكم الظالم، ولإرضاء "العم سام" ولو أيديولوجيا، ستصنع منا الأنظمة شعوبا من الهنود الحمر العرب
باسمة حامد: قرأت مقولة كتبها صحفي فلسطيني جاء فيها أن ياسمينة صالح في روايتها الجديدة وطن من زجاج تؤسس لمعارضة جزائرية أدبية ضد النظام الفاسد، هل هو مصيب؟
ياسمينة صالح: لست شيئا لتأسيس معارضة أدبية أو سياسية أو غير ذلك. متعتي أنني اكتب عن قناعة، وعن رغبة. على الأقل أنا صادقة في نظرتي إلى نفسي ككاتبة تحاول أن تكتب، ولم أقل يوما أنني كتبت.
باسمة حامد: اعتدنا أن نقرأ في الآونة الأخيرة الرواية " الجاهزة" المتشابكة بين الجنس والجسد، صار التركيز على الجنس ملفتا للانتباه عند الكاتبات العربيات عموما، بينما تركزين أنت على الوطن/السياسة/المواطن.
ياسمينة صالح: لم أفكر يوما أن علي أن أكتب عن الجنس ليكون كتابي ضمن أكثر الكتب مبيعا، ليس أسهل على الكاتب من أن يكتب رواية عاهرة بكل المقاييس لأني (وهذا رأيي الذي يعنيني وحدي) أعتبرها تندرج في إطار الأدب العاهر، أشبه ما يكون "بالفيديو كليب" الرديء جدا الذي يستغل فيه المخرج جسد المرأة للمتاجرة به لا أكثر ولا أقل. لا يعنيني وصف اللباس الداخلي للمرأة، يعنيني أن أصف حاجتها إلى حليب الصباح لتطعم به أطفالها، يعنيني أن أتكلم عنها كمواطنة يستغل الحاكم صورتها "الفوتوغرافية" للفوز بعهدة انتخابية مدى الحياة على حسابها وعلى حساب الرجل معا.
باسمة حامد: "أوطاننا فارغة من الأمنيات،" و"الشهرة تأتي بعد الموت،" عبارات وردت على لسانك في حوار سابق. أليس ثمة مساحة للفرح عندك؟
ياسمينة صالح: هي ليست عبارات فقط، بل هي حقيقة نتلمسها من خلال معايشتنا لواقع ندرك أنه يغتال فينا أشياء أو يجدد الحياة في أشياء (أقول يجدد بين قوسين). من الصعب أن تقنعي أي شخص أن وطنه لم يعد فارغا من الأمنيات في ظل ما يجري. أنا نفسي أشعر بذلك وأعايشه ولهذا قلته، وأقوله دائما طالما الوطن قبالتي فارغا من الأمنيات فعلا. أما الشهرة، فصدقيني ليست تعنيني، وهي عادة تأتي بعد الأوان، وتأتي قبل الأوان لمن سيموتون سريعا بمرض الشهرة! أما الفرح فقد تركته للحكام وللسعداء جدا، وعلى رأي الروائي الروسي غوركي "الفرح نتاج غبي في واقع مأساوي."
باسمة حامد: منطقتنا كما تعلمين منطقة أزمات واحتلال وتقتيل، والهجمة الغربية تطال كل شيء. ما هي واجبات المثقف اتجاه المجتمع في هذه المرحلة؟ هل يستطيع الأدب المساهمة في التغيير؟ أم أن دوره مرهون بالمستوى السياسي؟
ياسمينة صالح: دعيني أرد على سؤالك بشكل مغاير قليلا قائلة إن منطقتنا منطقة قلاقل ليس من الآن، وليست بسبب الغرب فقط. يجب الاعتراف بذلك بشكل موضوعي. أما واجب المثقف اتجاه المجتمع، فهو السؤال الجاهز دائما والسهل أيضا أمام واقع يقول إن المثقف أكثر الضحايا في هذا المجتمع. قبل سنوات كان المثقف يتكلم عن الكلمة/الرصاصة، أو عن القلم/الرصاص، أتساءل اليوم هل استطاعت الكلمات أن تغير ما في المجتمع من آفات وأمراض اجتماعية وفكرية وسياسية؟ المثقف أول الأشخاص دخولا إلى السجن حين يكتب في السياسة، وهو أول المتهمين بالخيانة حين ينحاز إلى الدولة أو إلى السلطة عن قناعة أو عن خوف. ومن يتبقى عليهم أن يكونوا مثقفين بالمعنى الشمولي الغارق في البهرجة التي يجبها الجميع لأنها لا تؤذي. أجل، أعتقد أن الأدب يمكنه المساهمة في التغيير، ولكن السؤال هو ما نوع التغيير الذي يجب تحقيقه، الأدب اليوم صار تجارة مفتوحة على "العهر" في أبشع صورته، وعلى المزايدات لمن يكتب عن الجسد أكثر من غيره، من دون أن أقلل من أداء أدباء في منتهى التميز لكنهم يهمشون اليوم لأنهم يكتبون أدبا راقيا فعلا.
باسمة حامد: في ظل الحديث عن الإصلاح والتغيير والانفتاح، تثير علاقة المثقف بالسلطة الكثير من الأسئلة الإشكالية. برأيك، كيف يمكن أن يكون شكل هذه العلاقة خارج إطار جدلية تصنيف المثقف التي تظهره بوقا للسلطة أو عميلا ضدها؟
ياسمينة صالح: دعيني أقول إن الإصلاح الذي تحقق والتغيير الملموس يكمن في فتح الباب لغزو ثقافي وفكري أجنبي، صنع ثقافة القشور التي يتمسك بها الجميع ويسمونها أحيانا "ديمقراطية." ولا أعني أهمية الغرب تكنولوجيا وأكاديميا، بل أعني أن التغيير الذي يحتاجه الجميع لم يتحقق، والإصلاح الحقيقي لم يتحقق أيضا، عندما نكتشف أن الفقراء يزداد عددهم. ثمة مناطق لم تصلها الكهرباء في قرى من بلدي ومن بلدان أخرى، غياب هيكلة لصناعة قرار ومستقبل فسح المجال للسفسطائيين كي يقرروا ويتاجروا ويتشبثوا بـ"مخاطر" العولمة ليكرسوها بمزيد من الاستسهال والتنازل. الإصلاح؟ أين هو الإصلاح الذي ينهض بالإنسان فكرا وقيمة؟
باسمة حامد: أصبحت الجزائر عاصمة الثقافة العربية لسنة2007. كيف تنظرين إلى هذا العنوان الذي ستحضنه بلدك طوال سنة كاملة؟ هل سيكون لديك مشاركات أدبية أو ثقافية ضمن هذا الاحتفاء بالثقافة العربية في الجزائر؟
ياسمينة صالح: أنا إلى الآن لا أعرف ما معنى أن تكون دولة عاصمة للثقافة العربية خارج ثقافة الاحتفاء والفنادق خمس نجوم والتلميع الذي من حسن الحظ ستحظى به الجزائر في طرقاتها وشوارعها لأجل استقبال الوفود المشاركة في فعاليات مختلفة على حساب المثقف الجزائري. كل هذا لأجل تجميل الصورة "الفوتوغرافية" للبلاد. أنا لست مدعوة إلى الآن لأي من الملتقيات الأدبية التي ستقام، والعديد من الزملاء المبدعين من جيلي غيبوا وسيغيبون بلا شك، لأن وزارة الثقافية تنظر إلى جيلي كما لو كان من الهنود الحمر. ولهذا يتم إقصاء العديد من المثقفين والأدباء الجميلين. يمكن توجه الدعوة لأي أديب "عادي" من الخارج، على حساب أديب جيد في الداخل. هذه مأساة لا أعتقدها جزائرية فقط، بل تحدث في العديد من الدول العربية بنفس التكريس الخانق لثقافة "الجار قبل صاحب الدار."
باسمة حامد: كيف ترين هذه الفعاليات في الجزائر تحديدا؟
ياسمينة صالح: كما أخبرتك، شخصيا لا أتوقع كثيرا من أن تكون الجزائر عاصمة "للثقافة" العربية بالمعنى العميق، لأن مفهوم الثقافة مغيب، وجاءت محله ثقافة الرقص والشطح التي ستأخذ حيزا كبيرا في هذه الفعاليات كما العادة. مفهومنا للثقافة ينطلق من المحسوبية في مثل هذه المحافل. ينطلق أيضا من الاعتقاد أن "إكرام" الضيف بجعله يستمتع بوقته في الفنادق الفخمة البعيدة كل البعد عن هموم الناس الذين في اعتقادي لا يمكن الحديث عن الثقافة دون العودة إليهم ودون استدراجهم إلى فهم القيم الجميلة التي يجب أن تتأسس في الفكر وفي السلوك وفي المجتمع. لهذا أن تكون الجزائر أو تونس أو الرباط أو أي دولة أخرى عاصمة للثقافة، فهذا يشكل فقط عنوانا لواجهة التلميع التي لا تحقق مقاصد الآخرين خارج العناوين الكبيرة واللامعة الشبيهة بعرس سينتهي بمجرد إطفاء الأضواء.
باسمة حامد: أخيرا أود أن أسأل لماذا اخترت الانتظام في الكتابة في عود الند التي انطلقت معها من العدد الأول ولم تتوقفي بالرغم من قلة مساهماتك في المجلات الأخرى؟
ياسمينة صالح: تواجدي من البداية كان علاقة جميلة ظلت تتطور مع كل عدد. والرائع أنها فعلا حظيت بالتقدير منذ الأعداد الأولى. أعي أنها كانت ـ منذ البدء ـ مسؤولية متعبة بالنسبة للصديق الإعلامي عدلي الهواري، خاصة أنه تحمل الكثير من الأعباء فيما يخص الإعداد والتنسيق وصولا إلى صدور الطبعة الإلكترونية. أشعر بالدهشة أنها وصلت إلى عيد ميلادها الأول، دهشة جميلة مليئة بالتقدير والإعجاب. هي فرصة جميلة لتهنئة كل الزملاء الذين تواجدوا مثلي في عود الند ولتهنئة عدلي الهواري بعيد الميلاد الأول. عقبال العيد العاشر، لست من هواة مئة سنة.