لم يكن مؤذن الجامع الكبير قد ختم بعد تكبيرته الثالثة لصلاة فجر الجمعة الأخيرة من حزيران، ولم يتسن لبائع الفلافل فتح أقفال بابه لتحضير أخلاط الحمص، ولا حتى النسوة تهيأن للاغتسال من آثام ليلة حب عاصفة لخميس فائت، حين تعثرت أقدام أحد العمال بجسم ضخم يسد الطريق إلى القرية.
"اللهم اجعله خيرا."
مد يده الراعشة ليجس كينونة الجسم الممدد على الاسفلت. أنه جسم طري، ولولا عدم التجانس في طراوته لأمكنه التنبؤ أنه حمولة من القطن سقطت من الشاحنات المارة إلى مصانع النسيج في المستوطنات القريبة.
مع أفول (…)
الغلاف > المفاتيح > مقتطفات ومختارات > مجموعات قصصية
مجموعات قصصية
المقالات
-
اسمه عبد القادر
1 حزيران (يونيو) 2006, ::::: عود الند: مختارات -
قــافـلـــة الـعـطـش
1 آب (أغسطس) 2007, ::::: سناء شعلانكانوا قافلة قد لوّحتها الشّمس، وأضنتها المهمّة، واستفزّها العطش، جاءوا يدثّرون الرّمال وحكاياها التي لا تنتهي بعباءات سوداء تشبه أحقادهم وغضبهم وشكوكهم. تقدّم كبيرهم، كان طليعتهم بالسّن وبالكلمة وبالغضب، عيناه كانتا النّاجي الوحيد من لثامه، حملتا كلماته إلى البدوي الأسمر الممترع بشبابه الأخّاذ، قال بنبرة بها مزيج غريب من الرّجاء والأنفة: "لقد جئنا بالمال".
غارتْ الكلمات في محجري الشّاب الذي اختنق بشكوكه، وقال: "أيّ مال؟"
قال العجوز الملثّم بالخزي: "جئنا نفتدي بمالنا نساءنا اللّواتي (…) -
امرأة ووجه من أريحا
1 كانون الثاني (يناير) 2007, ::::: عود الند: مختاراتلأزمان ليس بالقليلة، وجدتني أضيع في وجه عبير هذا الوجه الطيب الدافئ. وجه أشهى من برتقالة. وأكثر وداعة من مطر ناعم. وربما، ربما أجمل من شاطئ يافا. وتمنيت لو استحم في بريق عينيه النجمتين.
التقيته بمحض صدفة عابرة. لم أسأله عن اسمه. كنت وكأنني أعرفه منذ زمن ليس بالقريب. امتد جسر عريض بين عيني وعينيه، وبين قلبي وقلبه. وسمعت صوتين يتناغمان في صوت واحد: صوت عذب ما عزفته آلة أو يدان، بل موسقته الطبيعةـ والطبيعة وحدها هي القادرة على إبداع مثل هذه الأنغام التي تسقينا إياها يد الحب لتفترس العين والخد (…) -
عروس القمر
1 شباط (فبراير) 2007, ::::: عود الند: مختاراتوقفت أمام المرآة تصلح من وضع زينتها. ثوبها الأزرق المذهب. تحتضن بحنان مشطا فضي اللون. ها هي تتركه يسبح وسط شعرها الفاحم الطويل. فيما مضى لم تعرف الطريق إلى شعرها سوى المشوط الخشبية التي يجلبها التجار من البصرة. أما هذا المشط الفضي فلقد جلبه والدها من الهند، وأهداه لوالدتها ليلة عرسها، والليلة زفافها ولهذا أصبح المشط من نصيبها.
وجه طفولي لا يخلو من الشقاوة. عينان سوداوان كبيرتان تبحلقان بفضول في وجه العروس الحالمة، الغارقة في أفكارها الخاصة جدا. العينان تتفحصان كل ما يحيط بها من ألوان (…) -
غياب الأخت
1 نيسان (أبريل) 2007, ::::: عود الند: مختاراتأربعون عاما تقريبا وأنا بلا أخت. آلاف المرات نهضت من نومي وذهبت إلى عملي دون أن يكون لي أخت. أبكي وحدي في الليل. أكتب القصص الرديئة. وأتشاجر مع أصدقائي، وأكره عملي، وأخون صديقاتي. أرقص في العتمة، وأسمع فيروز. كل ذلك أفعله دون أن يكون لي أخت. ما زلت أحلم بأخت متوسطة الجمال، ذكية وعنيدة، تكبرني بعشر سنوات على الأقل، غامضة، وصامتة، تأتي متأخرة للبيت، فأترك لها الباب مواربا تواطؤا معها، فتتسلل بأقدام حافية إلى غرفتي-غرفتها. وهناك في عمق العتمة والرعب أسمعها تبكي بصمت، فأقترب منها وأضع يدي على (…)
-
هدية لعود الند: مجموعة قصصية: المداعبة
26 كانون الأول (ديسمبر) 2015, ::::: أصيل الشابيأهدى الكاتب التونسي، أصيل الشابي، "عود الند" نسخة إلكترونية من مجموعته القصصية "المداعبة". قدم للمجموعة الصادرة في عام 2007 الروائي صلاح الدين بو جاه، وقال فيها:
"فالسارد يراوغنا، بحثا عن مشاهد يتوق إلى عرضها على قارئه، ثمّ يباغته بجسور عبور بين الذهني والواقعي، والمادي والمتصوّر... عودا على بدئ، ضمن أرجوحة تهدهد المتقبّل، إذ تنتقل به " بسرعة هادئة " بين مكانين، وزمانين، ومنطقين اثنين. هنا يكمن جوهر السرد عند أصيل الشابي، هذا الروائي القادم على مهل، المتخفّي في إهاب كاتب قصّة قصيرة".
تضم (…) -
السفينة
1 كانون الأول (ديسمبر) 2022, ::::: هشام البستانيالقصة أدناه منشورة في مجموعة قصصية للكاتب عنوانها "شهيقٌ طويلٌ قبل أن ينتهي كلّ شيء". الناشر: الكتب خان، مصر، 2018.
. إلى فيصل درّاج، مُبحرًا في هذا العالم، مُتقيّئًا عليه؛
وإلى جبرا إبراهيم جبرا، صاحب السّفينة الأولى التي لا تُشبه هذه.
. عندما قالوا لنا إنّنا سنركب البحر إلى الإسكندرية، لم أتصوّر أن الأمر سيكون بهذا السوء، ولا تصوّره رجال ونساء كثر جاؤوا مُتأنقين ببذلات وفساتين رسميّة إلى المناسبة. حال وصولي تبيّن الاختلال الأوّل، إذ كانت السّفينة من النوع المخصّص لنقل المواشي، ولم (…) -
ريحانة الخريف
1 حزيران (يونيو) 2006, ::::: عود الند: مختاراتتترك الأغنام بداية الطريق المؤدي إلى الوادي وتعود إلى منزل الشيخ نوري البصير لتستمع إلى درس في اللغة العربية والتجويد. تجلس في آخر صف والخوف يتملكها. تتابع قليلاً حركات فم الشيخ نوري البصير في الشدة والفتحة والضمة وتتذكر أغنامها التي تركتها ترعى لوحدها. وتردد مع الصغار بعض الآيات والعبارات. وبحاسته السادسة يتساءل الشيخ نوري البصير هل جاءت ريحانة الخريف؟ يقصد رمانة. فتقول نعم جئت يا شيخ لأسمع الدرس وأفهم، فيتلو عليها بعض الأحوال في فنون التجويد. تتذكر رمانة الأغنام، فتترك دفترها مع محمود، ذاك (…)
-
كانوا يضحكون كالموج
1 آب (أغسطس) 2006, ::::: عود الند: مختاراتثلاث مرات في الأسبوع نجتمع بمنزل عباس بعد انصرافنا من المدرسة. تستقبلنا أم منانة بالترحاب والقبلات: "أولادي، تبارك الله على ولادي." نصعد إلى الغرفة المجاورة للسطح متأبطين دفاترنا وكتبنا. نتجرع الاتاي ونقضم الرغايف السخنة. يبدأ الاجتماع في شكل حوار لا ينتهي ليشمل كل الموضوعات: اعتقال المناضلين والزعماء، مقطعة السجاير والسلع الفرنسية، قدرة اللغة العربية على التعبير، أم كلثوم وعبد الوهاب، غراميات الأصدقاء مروية بالسند والحجة.
ذات يوم، عقب 20 غشت، اتخذ اجتماعنا طابعا جديا صارما. عباس يتكلم (…) -
أفكار انتهت مدة صلاحيتها
1 شباط (فبراير) 2007, ::::: عود الند: مختاراتبعينين زائغتين، ووجه متبرّم متورّم، نفث دخان سيكارته، زمّ شفتيه، قطب حاجبيه، ألقى جسده على المقعد، وشرد بأفكاره، حزيناً، يائساً، تعساً.
هي ذي تاسع مقالة يرفضون نشرها في صحيفة الحقيقة المرّة يعيدونها إليه مرفقة بالشكر، وبتعليق كاريكاتوري، يحطّ من شأن قلمه، وقدر كتابته، وقمة إبداعه.
لماذا؟ لماذا تُلقى مقالاته في سلّة المهملات، وتحظى مقالات غيره بالنشر؟ لماذا يتجاهلون آراءه وأفكاره، وهو الذي يكتب من ينبوع لا ينضب، وبحر لا يجفّ، بأسلوب رقيق أنيق، ولغة معبّرة، وألفاظ جزلة، وأهداف سامية لا (…)