عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أمين دراوشة - فلسطين

تخاريف


تخاريف (1)

أمين دراوشةفي كلام مبهم خاطب شيخ البلد ثلة من الناس، بعد أن لملم أغراضه، وقرر الاعتزال في مغارته على رأس الجبل، فقال:

=1=

عندما تكون تحت رحمة الألم، أو فوق عنان لذة، فأنت هنا، في قلب الحياة.

=2=

عندما تتساقط دموعك، افعصها، وتابع…

=3=

عندما يقول لك حثالة زاحفة إنك دون طعم أو رائحة. فقم بوطئه مرتاح الضمير.

=4=

عندما يقول لك صديقك الذي افتداك مرارا: تغير. قل له: إن الأوان حان لنزع الجلد السميك والهرم والعفن واستبداله بآخر.

=5=

عندما تقول لا، فأعلم أنك على قيد الحياة.

=6=

عندما تنهض باكرا، وتسقي أزهارك، وتشتم الياسمين، وتخرج لحرب المطبّعين، فأنت على سكة التحرير.

=7=

عندما تقول لك مومس عمياء، إنك أجمل ما تذوقته، فثق بحواسها.

=8=

عندما توصد كل الأبواب، وتغلق النوافذ، لا يتبقى لنا إلا أن ننهال بالجزمة على النافذة لتهشيمها؛ لفتح كوة نحو الشمس.

=9=

عندما تشتبك مع الوساخة، وتحاصرك من كل جانب، اتبع قلبك، وإذا لم يجد الأمر، ذخر سلاحك.

=10=

عندما تشعر بالحاجة إلى البحر، وتجده قد اختفى، فابحث عن نديمه.

=11=

عندما يفرغ دمك، توقف، لا تكتب أبدا، فكل ما ستكتبه من الأن وصاعدا هراء.

=12=

عندما تزهقون من حديثي، بإمكانكم الرحيل.

تخاريف (2)

بعد مرور أقل من عشرين عاما بقليل، رجع شيخ البلد، فلم يجد شيئا تغير بل وجد أن الصراصير استولت فعلا على البلد، فقرر العودة إلى مغارته من جديد، ولكنه لم ينس أن يقول لهم بعض الكلام الغامض:

=13=

كل شيء قابل للعقم إلا الجنون فإنه قادر على إدهاشنا بانقسامه ونثر براعمه الطفولية في الأماكن المزدحمة المليئة بالجيف الحية ليحمل الأوضاع المخزية ويسير بها إلى أقرب حاوية ويشعل فيها النيران.

=14=

كل شيء قابل للطي والنسيان، إلا حدوتة رجل يقول فيها: "كل حشيش العالم غير قادر على جعلي أنام، أو أطوي الأحلام".

يرحل مع الفجر، يرافقه البحر، ومع طلوع الشمس يصل. يضع رأسه على قبر والده وينام.

=15=

عندما تمتلك القوة المسلحة بالحق تنال رضى الناس فرادى وجماعات وسيكون لك هيبة ووقار؛ أما امتلاكك للقوة الغاشمة فهذا يجعلك قاتلا بحرفية واقتدار؛ وسيدا وقتيا لحين الاندثار.

=16=

كل شيء قابل للتغيير إلا الإنسان الذي يجرش دماغنا طول الوقت بالحديث عنه.

=17=

كل شيء قابل للنسيان، إلا القدس والحاجة أم العبد التي تبيع الفاكهة الطازجة في حواريها.

=18=
كل شيء قابل للنقض إلا عيني أم في ملكوت السماء تأبى إلا التدخل لمد يد العون لطفلها الكبير لرفعه من هاوية سحيقة إلى جادة الصواب.

=19=

كل شيء يسير إلى منتهاه إلا الذكرى تعود دوما إما لتفرحنا أو لتتركنا أشلاء.

=20=

عندما تنتحر الفضيلة على مذبح الجشع، وتشنق المروءة في بلادها، وتهرب النخوة من حكم الإعدام عندها قف، تأمل، أرحل بخيالك إلى السماء. والذي نفسي بيده، لأبقى على صدوركم، وأطرق في مطرقتي رؤوسكم، حتى تصحو، أو أفتتها وأرميها للجراذين.

=21=

أحس بأن العالم توقف ، وأننا أصبحنا غير مرئيين أو موجودين أصلا، ليبحث كل منا عن جوهرته النفيسة، فوالذي نفسي بيده، سأجدها حتى لو كانت في بطن الحوت.

ثم قال لهم: لا تتوقفوا أبحثوا وتقصوا أو أنتم ميتون أحياء أو أحياء ميتون.

=22=
وأضاف بالأخير: كل شيء يمكن أن يجرفه المطر إلا الحلم بقطراته.

هم الشيخ بالرحيل، وكانت عبراته تتساقط بغزارة مع المطر، لم ينتبه للأمر سوى طفل صغير يحمل قلما جميلا، مسك ثوب الشيخ، وابتسم وغرد قائلا: عندما تعود في المرة القادمة يا شيخي، سأعدك بالثلج.

D 24 آب (أغسطس) 2013     A أمين دراوشة     C 5 تعليقات

5 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 87: عن سمات الجنرالات

الزمن في سرد سهيل إدريس

أبو نواس والتغزل بالمذكر

بلاغتنا الجميلة: من ينقذها؟

النار في حدث أبو هريرة...