نورة عبد المهدي صلاح - فلسطين
مسطرة + نصوص أخرى
مسطرة
رفيقتهُ مسطره؛ لم أكن أعرف سبب وجودها الدائم بجيبه. اليوم وجدته يقيس عمق الجروح التي يوقعها في قلوب من أحبوه.
غياب
في الغياب لوعة؛ في اللقاء مسرة؛ على أرض تُشبهُ جنة؛ قبلني قبلة وهتف أن عودي مرة بعد مرة.
قراءة صامتة
علموني بالابتدائية أن أقرأ بصمت، بوقت كنت أحتاج فيه للصخب، وعلى مر سنين الدراسة والعمر وأنا أقرأ بصمت، أتألم بصمت، وأتعثر بالفواصل والجمل المعترضة بصمت. أخيراً نجحت بالقراءة والكتابة، وحل المعادلات، إلا أني ما زلت أرجو لو أعيد الابتدائية لأتعلم بصخب وحرية أكثر.
نزف أنيق
أمضت الشتاء وهي تصنع بصنارة واحدة كنزة صوفيه كستنائية اللون، أخبرها الطبيب أن جروح الخيط الرفيع بين أصابعها لا يشفى بسهولة، ومع ذلك تابعت بصنارتها تزرع بين قُـطَـبـِها أملا جديدا، تحلم برؤيتها على جسده الرقيق. انتهى الشتاء الأول، الثالث، العشرون، والكنزة تنتظر من يكملها، وما بين الأصابع نزف أنيق.
إعلان خاص
يتوفر لدي طائرة، بأجنحة قوية، ومقاعد مريحة، ومراوح عالية الجودة. لن تتأثر إن داعبها طائر صغير أثناء الطيران، تحتوي على وقود احتياطي، ترتفع لمسافات عالية جداً، عندما تركبها لن تشعر بالخوف أو الغثيان خاصة عند مرورها على مطب هوائي، كل ذلك يتوفر عندي، إلا أن مطار الإقلاع مفقود.
بيت العنكبوت
ذاك العنكبوت، نسج حول صمتي بيته، ظناً منه أن هذا الجسد هامد لا يتحرك. دار حولي، تسلق قدمي، التف حول رقبتي، نصب شباكه أمام عيني. كنت أنظر إليه وأحبس نفسي خوفاً على خيوطه، ساذجة إن ظننت الخيوط هشة. اصطدمت بها، آلمتني، خربشة الرؤية أمام عيني، عطست مرة تلو أخرى، تحسست وجهي مرات ومرات امسح هذا الكدر الذي لامسه، وهناك بالمقابل كان قد بدأ بنسج بيته من جديد، وأنا ما زلت أتأفف من خيوطه الملتصقة بي.
غفوة
في تلك الليلة، انتظرت من يدق قلبي، كنت قد وعدت السماء بأن أشرع النوافذ، وأبقي عقلي متنبهاً للنسمات الشاردة، وأن أقرأ القمر وعناق النهر له، في تلك الليلة نبهت سمعي لمتابعة غزل الورد النائم، ووشوشة العتمة البعيدة لدواخل النفس، كنت متيقظة حساسة، تعبت، نمت، حلمت، وصحوت، كانت قد نكست أعلام الحب، وترهلت الأمنيات، وشاخ القدر عند تلك النافذة، كانت غفوة ليس إلا، ومع هذا انتهى كل شيء.
ضربة
تحسس وجهه، عيناه زائغتان، فمه يحاول أن يجد له طريقاً، كل ما فيه متضمخ بالدماء، قدماه تهتزان، يهرب التراب من تحته. كل شيء على ما يرام، ما دام القلب لم يتأذى، هكذا قال وهنا انتهى.
عمله ورقية
إبريز الكهرباء ما زال موجوداً بالقرب من تلك الطاولة، طلاء مقشور، مرآة تلامس كرسياً محشوراً بالزاوية، رائحة طعام تفوح من المطبخ السفلي للمطعم، ضجيج السيارات تطرب أذني، الكل يأكل ويدفع ثمن ما أكله. "كم تريد؟ 10-20-30 (شيكل)؟" لم يتغير شيء بعد، ما زلنا نلمس وجوه أعدائنا على العملة الخضراء أو البنفسجية أو الحمراء. نتذكر خيبتنا وأننا نبحث عن هوية جديدة، ألوانها تشبهنا، ولا تروس باسم "عبري" مخفي هناك بالزاوية.
◄ نورة صلاح
▼ موضوعاتي
5 مشاركة منتدى
مسطرة + نصوص أخرى, عبيدة لصوي | 27 أيار (مايو) 2013 - 06:11 1
أستغرب كيف لم تلاقي هذه القصص القصيرة الرائعة الصدى التفاعلي اللائق ، الكاتبة متمكنة تماما بهذا النوع من السرد القصصي الصعب وتملك رؤيا فلسفية وأدوات نصية ممتعة وملائمة ، ويحق لها ان تنال جائزة في هذا المجال !
1. مسطرة + نصوص أخرى, 27 أيار (مايو) 2013, 14:37, ::::: نورة عبد المهدي صلاح\ فلسطين
عبيدة لصوي .. تساؤلك وضعته بين يدي ومن قبل أنا وضعت ألف تساؤل مثله ..والحديث بهذا المجال يطول أكثر مما قد نتخيل، لكني سعيدة جداً بأن هناك من يقدر ويقرأ ويقرأ ويقرأ ويفهم وهذا هو الأهم والمهم كم سررتني
مسطرة + نصوص أخرى, إبراهيم يوسف - لبنان | 27 أيار (مايو) 2013 - 13:52 2
نورة عبد المهدي صلاح كاتبة قديسة.. تحلم وتقرأ وتكتب وتتألم بصت؛ وتنتظر.. " في الغياب لوعة؛ في اللقاء مسرة؛ على أرض تُشبهُ الجنة.. قبلني قبلة وهتف أن عودي مرة بعد مرة ". أليست هذه أدلة دامغة على طوباويتها وقداستها..؟ وعلى وجدانها الكبير.. وكلامها الجميل؛ الجميل.. اختلسته من أسفار الأناجيل ومن مزامير داود الملك؛ والترانيم.
1. مسطرة + نصوص أخرى, 27 أيار (مايو) 2013, 14:36, ::::: نورة عبد المهدي صلاح\ فلسطين
أنحني إحتراماً وتقديراً وإمتنانا لما رسمته كلماتي بداخلك، ولما تركته من أثر طيب بروحك. إبراهيم يوسف الذي يقرأني كل مرة أجد فيه ( أنا جديدة) وبعداً وإنعكاساً لما أكتب أنت ( الإنسان ) الذي يعكس لي التفاعل الحقيقي لما أكتب .. كل الإمتنان والتقدير
مسطرة + نصوص أخرى, مريم-القدس | 27 أيار (مايو) 2013 - 15:41 3
الأستاذه نوره
أنت مخلوقة ساحرة ومتمرسة ولبقة في الكلام
متمكنة من كتابتها
بارعة في ردودها وتعليقاتها
بارك الله فيك وحفظك
أعتز كونك من فلسطين.. موطني
1. مسطرة + نصوص أخرى, 29 أيار (مايو) 2013, 14:18, ::::: نورة بعد المهدي صلاح \ فلسطين
مريم المقدسية .. الفلسطينية .. أهديك التحية من أقرب بقاع الأرض وتوأم القدس ( مدينة الخليل ) مدينة إبراهيم كليم الله .. أن فلسطين هي من أعطتني ومنحتي الفخر.. أعتز أنك منها وأعتز انني منها .. هي من شرفتني وكرمتني .. وعلي أن أشرفها وأرد لها جميلها ولو بأبسط ما لدي ..
مسطرة + نصوص أخرى, أشواق مليباري\ السعودية | 28 أيار (مايو) 2013 - 04:14 4
الزهرة المنسية وترنيمة المطر..الأستاذة نورة
وهاهي تطل علينا بباقة جديدة من النصوص الإبداعية بأسلوبها المميز، وروحها الشفافة.
أعجبني النص الأخير وآلمني كثيرا، هكذا يجب أن يبقى الجرح مفتوحا.
تحيتي وتقديري
1. مسطرة + نصوص أخرى, 29 أيار (مايو) 2013, 14:16, ::::: نورة بعد المهدي صلاح \ فلسطين
أشواق ملباري .. ربما الألم هو دائما الذي ينغز ويترك الأثر واضحا لا يمكن إخفاءه.. لم أرد أن أترك بروحك ألم لكني فقط أردت أن أترك قضية هي ببساطة كلماتي إلا اننا ما زلنا ندور في ذات الدائرة .. شكرا لك وكم أنا ممتنه لرؤيتك وقراءتك للنص
مسطرة + نصوص أخرى, زهرة يبرم /الجزائر | 30 أيار (مايو) 2013 - 13:28 5
من قال أن قصص نورة عبد المهدي صلاح لم تلاقي الصدى التفاعلي اللائق، وهي رائدة القصة القصيرة في عود الند؟
نقرأ أحيانا ونمر دون أن نترك تعليقا فاعذرينا !
تتألق قصصك هذه، وغيرها، بجمالية البوح الشفاف سواء كانت رسائل إلى وطن أو حلم أو...
كنت سأقول: القصيصة لك وطن. لما تتعبين في البحث عن وطن؟
لاأدري لما شدتني "بيت العنكبوت" ؟
دام لك ولنا هذا النيض يا صديقتي.