ظلال عدنان - الأردن
بسمة
"أشفق عليكِ. لعل الله يريحكِ منه قبل أن تلديه".
أذهلني يا أمي ما همستْ لكِ بهِ ممرضةٌ تظنُّ نفسها تخففُّ عنكِ همّ المصيبة وثقل الفاجعة. كلماتها جعلتني أنقلب بألم - رغم أنها لعبتي المفضلة أن أتقلّب في رحمك. أمدد جسدي الصغير رغم ضيق المكان، وأستمتع بتلمس أناملك لموضع حركتي، فأتفلّتُ منك يا أمي.
أحقاً هو الخير لكِ أن أموت قبل أن أولد؟ لم تتعجلون لي الظلمة وبرودة القبر قبل أن أرى نور عينَي أمي وأبي ودفء قلبيهما؟
أحقاً أنا معاقة؟ متخلفة؟ مريضة؟ أستحق الشفقة؟ وقد أُثيرُ الاشمئزاز لمن يراني، كما قال لك ذاك الطبيب؟
لحظتها لم أنقلب، بل كنتُ أنصتُ باهتمامٍ، وقلبي يجرحه نشيجكِ المكبوت، وحزنكِ، وانكسار فرحتك، وكلماتٌ ترددت لم أفهمها: معاقة، "متلازمة داون"، نعم "منغولية".
حينها وددتُ لو أخرجُ سريعاً لأقول لكِ: لا تبك يا أمي. وانظري كم من ملامحي هي ذاتُ ملامحكِ وملامح أبي.
أنتِ حقاً جميلةٌ يا أمي. لاعبيني وستجدين أنني أحمل ابتسامة أبي. أنا طفلتكما. أشبهكما رغم الاختلاف. وهل نسيتِ أنّ دمي بعضٌ من دمكِ؟ وروحي هي شقّ روحكِ؟ وما نمى جسدي بغير جسدكِ؟ أفلا أحملُ بعض طيبتكِ وحنانكِ ولطفكِ وبراءتكِ؟ أنا هدية الرحمن إليكم أفتردُّون الهدية؟ أم تقبلونها بنفسٍ راضيةٍ حامدةٍ شاكرةٍ؟ ولعلّني أكون جنّتكم وفرحكم.
ويجيئك المخاضُ فأتعبُ وتتعبين. وأخرجُ للدنيا، ولكن أترتاحين؟
بحضنٍ وعطفٍ احتويتِني، وددتُ لو مددتُ يدي أمسحُ دمعكِ، أعدكُ أنّي لن أخذلكِ يا أمي. فقط ثقي بي وبقدراتي. ومُدّي لي يداً من صبرٍ وعلمٍ وتعليمٍ. وستدهشين من عطائي وذكائي.
كم كنتُ فخورةً وأنا بين ذراعيك تخبري ضيوفك عني: طفلتي الرائعة "بسمة" تختلف عنّا قليلاً لأنّها مميزةٌ. نعم شكل عينيها، وطيّةٌ واحدة في يدها، وتسطّحٌ في وجهها، وكذلك شعرها الناعم، وقصر قامتها قليلاً وصعوبةٌ في التعلم. لكنها مميزةٌ بقلبٍ حنونٍ. حنون رغم وجود ثقب بداخله، وعاطفةٍ مدهشة عوّض الله عز وجل بها أطفال "متلازمة داون" بعض ذاك النقص في الجسد والعقل.
وأذكر يا أمي كم كنت تكررين لمن يسألك: "ابنتك منغولية؟" فيكون "أرفض هذا النداء لطفلتي. هي فقط من ذوي الاحتياجات الخاصة والقدرات المختلفة المميزة واسمها بسمة".
نعم، أنا مميزة يا أمي، رسوماتي التي زينتِ بها جدران المنزل تشهد لي. ذكرياتي في تلك الصور تخبرك عني: مع أصدقائي في المدرسة، في الرحلات، على المسرح أؤدي دور الفراشة.
أتعبتك معي يا أمي. وتاقت أذناك لتسمع كلمة "ماما" من بين شفتي، فزاد إصرارك لأتعلم النطق رغم صعوبته. فكنتِ أول كلمة: ماما، وكنتَ يا أبي أحلى كلمة. وكنتُ لكما البسمة.
◄ ظلال عدنان
▼ موضوعاتي
11 مشاركة منتدى
بسمة, تسنيم | 25 أيار (مايو) 2013 - 16:24 1
نص رائع وجميل ويحمل مشاعر انسانية صادقة .
تمنياتي لك بالتوفيق
بسمة, إبراهيم يوسف - لبنان | 26 أيار (مايو) 2013 - 08:27 2
فيضٌ من المشاعرِ النبيلة
وخوفٌ من الله
ودرسٌ بليغٌ لمن يعنيهم الأمر
ومني إعجابٌ صادقٌ يا سيدتي.
بسمة, مريم-القدس | 26 أيار (مايو) 2013 - 12:32 3
ما يحمله "أصحاب الإحتياجات "الخاصة في قلوبهم ،يعجز الأصحاء وأصحاب العقول الكبيرة عن حمله..
نتعلم منهم ما نفتقده في حياتنا من الوداعة والصدق والبراءة
ليست الإعاقة فيهم بل في مجتمع متخلف لا يؤمن بأحقيتهم في الحياة وأخذ نصيبهم منها ..
نص مؤثر وجميل
أشكرك
بسمة, محمد السعودي | 27 أيار (مايو) 2013 - 02:07 4
نص أدبي رائع وقدرة خلاقة على كتابة الحرف...
أنت مبدعة يا ظلال ...
1. بسمة, 21 آذار (مارس) 2014, 06:03, ::::: ظلال عدنان الأردن
أشكر لك.. كلك..
بسمة, نورة عبد المهدي صلاح\ فلسطين | 27 أيار (مايو) 2013 - 14:34 5
لم أقرا أحد يكتب من ما قبل لحظة الولادة .. فكرة جميلة ونادرة وإبداعية بذات الوقت .. رائعة بحق
1. بسمة, 21 آذار (مارس) 2014, 05:59, ::::: ظلال عدنان الأردن
سعدت برأيك.. ولعل بعض ما نكتب.. يكون فيه خيرا وتغييرا كبيرا..
دمت بود
بسمة, زهرة يبرم /الجزائر | 28 أيار (مايو) 2013 - 18:49 6
هي صرخة تلفت الإنتباه إلى فئة الأطفال المصابين بمتلازمة داون أو البلاهة المنغولية وحقهم في الحياة. لكن التسمية المجازية المألوفة عبر العالم لهذه العاهة،المنغولية، جعلت سكان منغوليا يشعرون بالإهانة والإساءة إليهم ويطالبون بقرار لإلغائها خاصة أن لها إسما علميا هو"TRISOMIE 21".
1. بسمة, 21 آذار (مارس) 2014, 05:56, ::::: ظلال عدنان الأردن
حين بث الخالق الروح فينا.. فقد وهبنا حق الحياة والكرامة..
نعم.. صدقت.. لا بد من التفاتة قوية صادقة تصنع التغيير.. أشكر رأيك ومرورك زهرة
بسمة, هيام ضمرة - الأردن | 4 حزيران (يونيو) 2013 - 05:34 7
كم تستحقين التكريم يا ظلال.. أنت مبدعة في انتقاء القصة وتخير عبور بوابتها ولغتها، أبداً ما حاول أحد تناول هذه الحالة وبهذه الصورة ليدخل عالم المصابين بهذه المتلازمة وهم أفراد أعضاء في هذا المجتمع ولهم حقوقهم وحق عيشهم، لا أخفيك أني أشعر بالاعجاب لأمهاتهم وقدرتهن على تقبل هؤلاء الأبناء بكثير من الرعاية والحنان لكني في ذات الوقت أعرف أنهم يظلون يعيشون مشاعر الخوف على مصير هؤلاء حين تنتهى بهم الحياة ويرحلون عن الدنيا، من سيرعاهم وكيف سيرعون أنفسهم..
منح القصة عنوان البسمة هو أعظم أمل ترسميه لتبديل المفهوم الاجتماعي تجاه هؤلاء
لكنك يا ظلال أذهلتني ككاتبة انسانة بقدر نجاحك بما تكتبين وباسلوب ما تكتبين.. أحييك تحية خالصة
1. بسمة, 23 تموز (يوليو) 2013, 13:30, ::::: ظلال عدنان الأردن
المبدعة هيام:
لرأيك وقعه وعمق تأثيره.. فشكرا لك..
وحقا تستحق امهاتهم الإعجاب والتقدير مع الدعم الحقيقي كل في مجاله..
بصراحة دوما العنوان يحيرني لكن البسمة هي خير طريق..
دمت بخير
بسمة, موسى أبو رياش / الأردن | 6 حزيران (يونيو) 2013 - 06:11 8
أنحني إعجاباً لهذا النص المؤثر الذي خاطب الروح والقلب قبل العقل... موضوع إنساني كبير ومهمل إلى حد ما... والأدب عموماً مقصر في تناوله... وتستحق الأخت ظلال التكريم والتقدير على هذا النص الإبداعي الإنساني الكبير.
1. بسمة, 23 تموز (يوليو) 2013, 13:22, ::::: ظلال عدنان الأردن
أستاذ موسى: لكم وافر الشكر لرأيكم ولطفكم.. ولا بد من تضافر الجهود ليثمر التغيير..
دمتم بخير
بسمة, خولة | 11 حزيران (يونيو) 2013 - 19:25 9
رائعة بكل ما تحمل من ألم
والجميل فيها الرضا بما منح الرحمن
والصبر على هذه النعمة والتذكر دوما
أن الله قدر لنا أمورا ليختبر مدى صبرنا
وفقك الله يا ظلال وفتح عليك
1. بسمة, 23 تموز (يوليو) 2013, 13:17, ::::: ظلال عدنان الأردن
حين نعلم انها نعمة.. فهذه نعمة اخرى..
صدقت خولة..أشكر مرورك
بسمة, هدى الدهان | 20 حزيران (يونيو) 2013 - 11:19 10
كثيرون منا يخلقون البسمة مما كان من الممكن ان يبكيهم ..ليت من يبكون وهم في نعمة ان يروا ويتعظوا ويحمدوا الله على نعمتهم .
تلك طفلة خلقت لهم فرحا وبهجة كفراشات الربيع وستبقى فراشة لن تتشوه حين تكبر وهذا الاهم ..ستبقى نقية روحها ..وجسدها..فمادامت من ذوي الاحتياجات الخاصة فلن يقترب منها احد عطفاً او خوفاً وبذا تبقى رائعة صافية حلوة وذات بسمة دائمة .
1. بسمة, 23 تموز (يوليو) 2013, 13:15, ::::: ظلال عدنان الأردن
نعم هدى.. نحتاج هذه الروح لتقبل عطاء ربنا بالرضى..
ونحتاج تغيير نظرة المجتمع ليتقبلوا اطفالنا بكل هيئاتهم واحتياجاتهم..
دمت طيبة
بسمة, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 26 آذار (مارس) 2014 - 15:51 11
الكاتبة المبدعة ظلال عدنان تحية طيبة قصة تحمل عمقا فكريا ,وبعدا إنسانيا وتجديدا في الفكرة سلم قلمك ودمت مبدعة خلاقة .