عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

إبراهيم قاسم يوسف - لبنان

يومَ التقاها على الغدير


حينما أقبلَ الربيع، كانَ "الدّوري" في عزِّ الشباب، ولم يكنْ قد نَسِيَ بعد وصايا أبيه، فاتخذَ من شجرةِ الحورِ أرجوحةً ومنتجعاً يؤمّه وقتَ القيلولةِ والنوم، أو يلجأُ إليه كلما فاضَتْ به عاطفةٌ طارئة، ألهَبَتْها في نفسِه مراهقة جريئةُ العينين قادَتْهُ إلى المعصِية، حين لمحَها عصراً تفلِّي ريشَها عاريةً وتَغْتَسِلُ في مياهِ الغدير. فطارَ إليها بلا صواب، كالمٌهْرُ الأعمى يعدو ويَتَخَبَّطُ في الطريقِ. لكنه في اللحظاتِ الأخيرة كَبَحَ رغبتَه خوفَ الفضيحة، فراحَ يتجسَّسُ عليها خلسة، ويراقبُها تنفضُ جناحيها، وتحتجبُ عن الأنظارِ وسطَ أزهارِ السوسن والنسرين. هكذا علقتْ في نفسِه، واجتاحتْ مشاعرَه فألهمتْه قصيدتَه الأولى، وفي مطلعِها يقولُ بلهفةٍ وأسىً عميق (1):

أنا يا عصفورةَ الشّجنِ - - - مثلُ عينيكِ بلا وطنِ

سهرَ ليلاً طويلاً في معبدِ الحُبِّ يصلي، ويستلهمُ قصيدتَه من سحرِ عينيها. بذلَ في نظمِها جهداً كبيراً، وبدَّلَ مراراً وتكراراً في مفرداتِ القصيدة وأبياتِها وأوزانِها. كانَ كلما أعادَ قراءتَها وجدَ فيها من جديد عيباً أو ملاحظة، إلى أن شعرَ بالرضى عمّا كتب، فراحَ يترَنَّمُ بها عند أذانِ الفجر، حينما سمعَه عندليبٌ في الجوار، فأثنى كثيراً على اللحنِ والكلام، لكنّه أنكرَ عليه إداءَه ونشازَ صوتِه، ونصحَه أن يمتهنَ هوايةً أخرى بعيداً من الطربِ الأصيل.

لكنَّ الدوريّ خلافاً لرأي العندليب، كانَ قد نظمَ قصيدتَه وسكبَ فيها مشاعرَه ولحنَّها. وطفقَ ينتظرُ الفرصةَ المناسبة ليغنِّيها ويُسْعِدَ بها قلوبَ الآخرين. انتظرَ طويلاً حتى أرهقَه طولُ الانتظار، وعندما أقبلتِ الفرصة؛ كان يحطُّ على شريطٍ شائك في سورِ حديقةٍ ملأى بأشجارِ الخوخِ والتِّين، حينَ أسعفَه حظُّه وساقتْ إليه الأقدارُ طفلاً يحملُ حقيبته ويمضي باكراً في طريقِه إلى المدرسة، فتنحنحَ العصفورُ وراحَ يغرِّدُ بلا استئذان.

كادتِ الأغنيةُ تبلغُ نهايتَها والطفلُ يبتعدُ ويمضى في حالِ سبيلِه، فلم يلتفتْ إليه أو يكترثْ لما يُنشدُه العصفور. قالَ في نفسِه: ربّما كانَ الغلامُ بليدَ الذهن، أو مشغولَ الخاطرِ فلم ينمْ ليلتَه وهو يفتِّشُ عن حلٍ لمسألةٍ حسابيةٍ معقّدَة، "كأن يكونَ الصِّفْرُ رقماً مفرداً أو مزدوجاً أم هو يلتزم الحياد". لعلَّه ما زالَ يفكرُ في المعادلةِ العقيمة حتى هذه اللحظة.

هكذا برَّرَ العصفورُ لنفسِه فشلَه، وإهمالَ الطفلِ لأغنيةٍ تعبَ في نظمِها وتلحينِها، فأحسَّ بالخيبةِ والمرارةِ والأسف، حينما عجزَ أن يستوقفَ الطفلَ أو يلفتَ انتباهَه ليقف ولو لحظةً قصيرة، ويشنِّفُ أذنيه بالغناءِ العاطفيِّ الجميل، فيسمع بديعَ ما نظمَ ولحَّنَ وأنشد. لكنَّه لم يفقدِ الأمل، وعلّلَ نفسَه بأن تتاحَ له فرصةٌ أخرى، بعدما يعدِّلُ في اللحنِ والكلام ويتمرنُ على إداءٍ أفضل.

لهذا ابتدأ في تعديلِ الأغنية وفقَ تصنيفاتٍ موسيقية وأبعادٍ معينة، فتوسَّلَ لحناً آخرَ ومقاماً مختلفاً من مقاماتِ الشوقِ والحبِّ والعتاب، وتحوَّل من "الراست" في بدايةِ اللحنِ الأول إلى "الحجاز" في اللحنِ الثاني، على أن يقفلَ غناءَه "بالصبا". هذه المرَّة؛ بذلَ ما في قدرتِه من معرفةٍ واسعة وخبرةٍ دقيقة، في علمِ الموسيقى والكلام، وقامَ بتعديلٍ كبير على الأغنيةِ كلاماً ولحناً وإداء. قَلبَها رأساً على عقب وتحوَّلَ من البحرِ "المقتضب" إلى "المديد"، فهذا الوزنُ شديد التأثيرِ على السامع وساحرِ الإيقاع. ثم طفقَ ينتظرُ فرصةً أخرى يحالفُه فيها حظ أوفر.

كانتْ لم تشرقِ الشمسُ؛ حينما حطَّ على غصنٍ من أغصانِ شجرةِ "الكينا" في باحةِ دارٍ للعجزة، ليستقبلَ الصباحَ، ويتمرَّنَ على إداءِ الأغنية، عندما شاهدَ عجوزاً يتوكأ على عصاه منخفضَ المنكبين، يمشي الهوينى ليستريحَ على مقعدٍ في الجوار، فقالَ العصفورُ في نفسِه، هذا الرجلُ بأشدّ الحاجةِ إلى الترفيه، ويستحقُّ غنائي لينعمَ بعد هذا العمرِ الطويل ببعضِ الراحةِ والسلام. ثم انطلقتْ عقيرتُه وراحَ يشدو بالغناء، باذلاً ما في وسعِه ليسعدَ قلبَ الرجلِ العجوز.

لكنَّ الرجلَ العجوز لم يلتفتْ ولم يأبَه له، فلم يرفعْ رأسَه أو ناظريه، وانصَرَفَ ينكتُ الأرضَ بعصاه وينشِّزُ بصوتِ العصا على الغناء، والعصفورُ المنكسرُ المهزوم؛ بكى قلبُه وراحَ يفتِّشُ من جديد عن عيبِ الأغنية وأسبابِ الفشل، فقالَ في نفسِه: في هذا العمر يصابُ معظمُ العجزةِ بالطرش. وهذا العجوزُ لعله مصابٌ بالصمم وعمى العين. هكذا أقنعَ العصفورُ نفسَه مرةً أخرى، وطارَ إلى خميلةٍ قريبة يفتشُ فيها عن مستمعٍ جديد.

كانتِ الخميلةُ كالمقهى تعجُّ بالعصافير، ترتادُها الطيور من كلِّ صنفٍ وصوتٍ ومقام. وهناك أذهلتْه المفاجأة؛ حينَ التقى بالمراهقة إيَّاها تلكَ التي رآها وأيقظتْ مشاعرَه، وخفقَ لها قلبُه يومَ التقاها على الغدير، "فتعطلتْ بينهما لغةُ الكلام"، واقتصرَ الحكيُ على الإشارة والعتابُ على العيون.

تلك كانتِ البدايةُ الجديدة بينهما، فانطلقَ يغنِّي لها على سجيتِه، بصوتٍ دافئ تيَّمَه الغرام في يومِ السَّعدِ، يومَ التقاها تستحمُّ على الغدير. أتى على نهايةِ الأنشودة "والدُّورِيَّة" العصفورة، تواكبُه وتردِّدُ معه ترنيمةَ اللقاء بحرارةِ المدنفِ المشتاق، وتراودُه بعينِ العاشقِ الولهان. هكذا قرَّرَ العصفورُ أن يقترن بها، ويكوِّن معها أسرتَه الجديدة كما أوصاه أبوه. لهذا فقد اختارا لبناءِ العشِّ غصناً على شجرةِ "الكينا" في دارِ العجَزَة، غصناً عاليا، لا يطالُه الصبية الأوغاد.

= = = =

(1) أبيات من مطلع القصيدة:

أنا يا عصفورة الشَّجَنِ - - مِثْلُ عينيكِ بلا وَطَنِ

بي كما بالطفلِ تَسْرُقهُ - - أوَّلَ الليلِ يَدُ الوَسَنِ

واغْتِرابٌ بي، وبي فَرَحٌ - - كارْتِحالِ البحرِ بالسُّفُنِ

أنا لا أرْضٌ ولا سَكَنٌ - - أنا عيناكِ هُما سَكَني

(2) يعتقد أن القصيدة من نظم شيخ من جنوب لبنان اسمه علي محمد جواد بدر الدين، وهي في رأيي إحدى أجمل القصائد المغناة. نظمَها صاحبُها، ثم أنكرَها خوفاً من تدنيسِ "عمامته". وعندما باعها بثمنٍ حقير، اشترطَ على الملحنِ الشاري (عاصي الرحباني)، أن يَدْفَعَ عنه تهمةَ القصيدة ونسبَها. ولا أدري كيف انتفعَ الشاعرُ بمالِ القصيدة: هل أنفقَه على الهوى فاشترى له جُبَّةً وعمامة جديدتين، أم أكلَ بالثمنِ خبزاً قَفاراً من غيرِ إدام؟


D 25 أيار (مايو) 2013     A إبراهيم يوسف     C 24 تعليقات

21 مشاركة منتدى

  • رومانس سحري جميل يعج بالبراءة وحب الحياة كأغاني فيروز الشجية !


  • عندما تتحول الفيروزيات إلى قصص حياة وبراءه وحب وتجدد الحياة يكتمل الإبداع بقلم يمسك به ليرسم بحبره تلك الروائع موقع بأسم / إبراهيم يوسف


  • منال الكندي

    إذا كان الله قد حبا فيروز حضوراً مميزاً وصوتا نادراً..؟
    فإنه أنعم على منال ببراءة الأطفال
    ومحبة من يعرفها من الناس
    صادقة شفافة مجردة من كل غاية أوهدف
    منال بعبارة واحدة.. لها نفسُ الملوك وأحوالُ المساكين


  • سيناريو جميل لمسرحية غنائية جديدة لفيروز !


  • لو نوّع الدوري في المقامات وتوسل أعذب الألحان؛ فلن يُطربَ الطفل المشغول بحل المعادلة، ولا الرجل الأصم، أو العندليب صاحب الصوت الرخيم، لكنه حتما سيطرب المراهقة الجميلة حتى لو غنَّى لها أسوأ الألحان.
    الحقيقة! مسكينة تلك التي لم يغنِ لها دوري في حياتها.

    أعود إلى القصيدة وأتساءل.. هل أخطأ الرجل حينما أختار أن لا يقترن اسمه بقصيدة مغناة حفاظا على مكانته الدينية والإجتماعية؟ أو كان "لديه من الشئمة" ليستحي أن ينظم قصيدة في الغزل..؟
    مهما كانت الأسباب فالشاعر يستحق الإحترام بعيدا من كل الاعتبارات.

    سلسلة قصص رائعة جدا
    شكرا لك وللدوري وللمراهقة الجميلة.


  • نص مفعم بالبراءة والرّقّة ولا يغذّي عطش الرّوح إلى الألحان العذبة وحسب وإنّما تتصاعد منه هذه الألحان لترافقنا أثناء القراءة.

    خالص محبتي أستاذ ابراهيم


  • كم كنت أعشق هذه المقطوعة الإنسانية الوجدانية.. إلا أن تحلليلك لها زادها عمقاً بداخلي وروحي .. بل إنك علمتني أبعادها الموسيقية وأصولها .. رائع


  • كل له لغة خاصة به , قد لا يفهمها الاخرون.
    يفهمها ذلك الذي يرتبط به رباطا روحيا . فما أجمل ذلك الشريط الحريري الذي يربط روحين , أنها منة حباها له الله .
    خاسر ذلك الذي يبدل ماسة بتراب , غير ان الماسة انتقلت من يد فحام الى يد جوهري ,صقلها ووضعها في أبهى حلة , خالدة على مر الزمان ,كخلود تيجان الملوك والأباطرة.
    أثني على أبراهيم قاسم من لبنان فلقد صاغ ماسة وأطرها بصوت ملائكي ؛ صوت فيروز ورصعها بصور رائعة . بالتوفيق
    هدى الكناني من العراق


  • سيرين عبود

    كُنْ جميلاً؛ تّرَ الوجود جميلا.. هي اللازمة التي ألجأ إليها وأعتز بها كلما أعجبني الخطاب.. كيف لا وقائلها إيليا أبو ماضي شاعر من بلادي أعتز به كما أعتز بسائر الشعراء العرب.
    والذي نفسُهُ بغير جمالٍ
    لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
    لم نبقِ لأنفسنا رصيدا وقاسما مشتركا يجمعنا سوى الشعر
    وبعض البكاء على الأطلال.
    شكرا جزيلا على لطفك ولياقتك


  • هدى الكناني – العراق
    أنا خجل من إطرائكِ يا سيدتي
    في المواقف المحرجة أغضُّ بصري، واستر وجهي وعينيّ لما ينتابني من الارتباك.
    بعض أهلي وأحبتي مات ودفن في العراق، وفي قلبي الكثير مما أحمله لهذا البلد الكريم.
    وهدى الدهان من أرض العراق.. سيدة بهية الحضور كانت تطل علينا..؟ أرجو لها باسمي وبالنيابة عن كتّاب وقراء المجلة أن تكون بخير.
    شكرا على لماحتك وإطلالتك البهية وعلى التعقيب الجميل.


  • أشواق مليباري
    "بل مسكينةٌ من مرَّ عهد شبابها" (لم...) ويغنِّ لها دوريٌ أو عندليب..!؟
    الشاعر الشيخ لم يرتكب إثماً ليخجل بسببه.. إن كان ينبغي له أن يستحي..؟ فلأنه باع عبقريته بالمال..!
    وإن كان الله محبة..؟ فلا تقولي شيخ ويتكلم في الحب..! ألم يكن الشريف الرضي شاعراً شيخا، وفقيهاً وسيد الهوى العذري ..؟ ناجى جمال ربِّه في المرأة وغنّى لها الحب، وولج إلى أعماق النفوس وجرَّدها كأبهى ما تكون سرائر الله في خلقه.

    وَعدٌ لعَينَيكِ عِندِي ما وَفَيتِ به
    يا قُرْبَ مَا كَذَبَتْ عَينيَّ عَينَاكِ
    أو كما في قوله:
    الدمع في ناظري والنار في كبدي
    إن شئت فاغترفي أو شئت فاقتبسيِ

    وشوقي أمير الشعراء، ألم يتوسل الشعر المغنّى في مدح الرسول وهو القائل عن النبي الكريم:

    يا لائمي في هــواه - والهـــوى قدر ... لو شفك الوجــــد لم تعـــذل ولم تلـــم
    يا ناعس الطرف ، لاذقت النوى أبداً ... أسهرت مضناك في حفظ الهوى، فنم
    وهل سورة مريم إلاَّ الشعر بعينه شاء الله أن ينزله في كتابه العزيز..؟
    لا تقلقي يا صديقي. لا ضير على عمامته من التدنيس، فما الأدب واللحن والرسم والشعر والنحت والعطر.. إلا تمجيد للرب في علاه.


    • معك بأن شعر الغزل لا غبار عليه، لكن الغناء شأن مختلف، ماذا عن مكانة الرجل الدينية؟ أن يقترن اسمه بأسماء أهل الفن والطرب؟

      ماذا عن القرآن الكريم
      سورة مريم وجميع سور القرآن ليست شعرا..!
      بل كلام الله تبارك وتعالى، يعلو ولا يعلى عليه، جاء معجزة وتحديا لأهل الشعر والفصاحة.
      إن أطلقنا عليه شعرا فنحن نقلل من قيمته وعظمته.

      مع فائق احترامي

  • مادونا عسكر
    صباح الخير يا سيدتي.. بل (يسعد صباحك والمسا).
    فيروز ليست سفيرة لبنان إلى النجوم ..؟ بل هي سفيرة النوايا الحسنة بين سائر الناس في الوطن العربي الفسيح.. يُجْمع على محبتها من كانوا في "اليسار"، ومن كانوا في "اليمين".. هي القاسم المشترك بين الجميع.
    شكرا على حضورك الدائم.. هذا الحضور: مؤثر دائماً؛ وفاعل كثيراً؛ ومحرِّضٌ على الدوام.


  • نورة عبد المهدي صلاح – فلسطين
    يل أنت أستاذة يا سيدتي وأنا بتواضع شديد ممن يستفيدون من دروسك.. وحسن الإصغاء كما أرادته مادونا عسكر..؟ إحدى أهم فضائلك أنت.


  • مهند النابلسي
    أنا قليل الحظ حينما لا يصل صوتي إليك.. لكنني سعيد حقا بمعرفتك وشديد الاعتزاز بالصداقة بيننا


  • قرأت الجزء الثاني من حكاية الدوري فسحرتني بكل التفاصيل. من اللقاء الأول إلى القصيدة واللحن والغناء، فالطفل والرجل العجوز، والخميلة تعج بها أصناف العصافير.

    لو تحول الخيال إلى حقيقة؟ لقدمت للعروسين باقة من الورد الجوري الأحمر، وتمنيت لهما شهر عسل في ربوع فلسطين.


  • مريم من القدس

    كل الحقائق كانت أحلاماً في البداية.. وحفيدي؛ لعله سيشهد على بعض هذه الحقائق، حين يتخذ قراره بالسفر لقضاء شهر العسل مع العائدين إلى فلسطين.

    مريم من القدس، ونورة عبد المهدي من الخليل، وزينب عودة من غزة سَيَنْتَظرْنَ العروسين بباقات من الورد الجوري الأحمر، ليرحبن بهما على أرض المطار في فلسطين المحررة. من غزة إلى صفد وطبريا
    فالجليل.


  • ابراهيم يوسف...
    هذا الاسم النبوي الجميل، وهذا المداد المفعم بالجمال السردي واللغة الراقية الرائعة والمعبرة بأجمل الصور‘ وهذه الروح العالية والبريئة..
    جميل هذا الجهد الذي مارسه الدوري العاشق لينال قلب محبوبته، وكانت انقطعت كل أحبال الوصل بين الدوري والطفل وبين الدوري والعجوز لأن لغة الوصال غير معنية بهما وبذائقتهما .. لكن حين وقعت أنغامه على مسامع محبوبته المعنية بالأغنية كان التناغم صاخباً ومحلقاً ومنسجماً...
    لله سحر لغة الحب والمحبة ما أقواها وما أقوى تأثيرها.. لماذا لا نحب سوى للامتلاك.. ترى لو أحببنا من أجل الحب نفسه أما كنا حصدنا سلاماً عاماً وانسجاماً يليق بانسانيتنا..؟
    لحبيبتي أشواق مليباري كل الود والاعجاب وقد أعجبني ذكاءها في التعليق.. مسكينة هي أنثى لم يغرد لها دوري يحبها
    تنصل الشاعر من قصيدتة كونها غزلية بدا مستغرباً فالدين لا يتنكر للحب والغزل العذري فيما الحديث النبوي يقول" الأرواح جنود مجندة ما تقارب منها ائتلف وما تباعد اختلف"

    كثير ضمام ورد وعبير حرف.. وتحية


  • أثر تعليقك في نفسي كثيرآ
    هل سيأتي اليوم الذي نصبح فيه دولة واحدة غير مجزئة ..ذات سيادة واحدة..؟
    هل ستعود كل الأراضي لأصحابها ..؟
    هل سيتجول حفيدك مع عروسه في القدس والخليل وغزة ويصل إلى حيفا والجليل ..دون حواجز عسكرية وإعاقات ..
    هل ستتوحد أمتنا العربية ويمكننا التجوال فيها دون إبراز جواز سفر والوقوف على الحدود ..؟
    هل سأكون على قيد الحياة حينما يأتي حفيدك لزيارتنا..؟..
    بقدر ما أفرحني تعليقك وبث في نفسي الأمل، بأننا سننال حريتنا في يوم ما وستكون لنا دولة،
    وقد يأتي حفيدك وعروسه إلى فلسطين ويحقق جزءآ من أحلامي وأحلامه وأحلامك أيضاً ..؟
    بقدر ما أحزنني لما وصلت إليه حالنا من الفرقة والتفكك وما يصيبنا من الدمار، بقدر ما أقلقتني أخبار الصباح عن الطيران الإسرائيلي يخترق الأجواء في لبنان. لعلكم تعودتم بألا تخافوا.

    أشكرك بالأصالة عن نفسي وأشكرك بالنيابة عن زينب ونورة.


  • هيام ضمرة بارعة في تظهير الصور لتأتي خلابة كما لم يتمكن كاتبها أن يفعل..! هيام رائعة الحضور تحكي بكفاءة المتمكن العارف، فتوظف عقلها وقلبها وعينيها وإحساسها للتعبير عما يجول في خاطرها.. هيام سلام الله عليك.. ورحمة منه وبركات. لكن صديقي الدوري، ويجب أن أبوح لك بسري.. أصابني بصدمة ،حينما ضبطُّته منذ يومين في منطقة ريفيَّة يقتات على سحلية ميتة على قارعة الطريق.
    تجنبت النظر إليه وأحسست بفيض من العتب عليه، كيف خانني وخيب ظنيي فأصابني بالصدمة والنفور..!؟


  • الأديب الأريب إبراهيم يوسف دوري مغرد... وخاب وخسر من لم يطرب لشدوه وتغريده.
    المشكلة لم تكن يوماً في غناء الدوري فقد خلقه الله جميلاً بصوت جميل... ولكن الأذن المتلقية هي المشكلة... فالآذن عند سماعها صوت الدوري بين حالات مختلفة: أذن تطرب لصوته وتسعد به الروح وترتقي إلى الأعلي، وهي الأذن الإنسانية الفكرية. وإذن محايدة تسمع ولا تتأثر قهي أذن صماء. وأذن تنزعج منه وتهم بإسكاته وطرده، وهي الأذن المريضة العليلة، وأذن لا تسمعه إطلاقاً لأنها مشغولة بالحياة ومشاغله، وهي الأذن الهائمة. وأذن تسمعه فتفكر كيف تمسك بالدوري لتأكله، وهي الأذن المتوحشة.
    ثم إن للغناء ذبذبات لا تتلقاها بشغف وحب إلا أجهزة مناسبة لم تتلوث بالحياة وهمومها ومصائبها... ويبدو أن معظم آذاننا معطوبة أو تكاد.
    وأخيراً، فإن إبداع الأخ الجميل إبراهيم يوسف في ارتقاء مستمر يبهر ويدهش ... لا نملك إلا أن ننحني تقديراً واحتراماً له.


  • موسى أبو رياش: "أُغالِبُ فيكَ الشّوْقَ وَالشوْقُ أغلَبُ". كان بودي أن أسمع صوتك، لا لكي أطرب على مذهب المتنبي. بل للاطمئنان عليك. غيابك موحش. شكرا على حضورك وحمدا على السلامة.

    أما الطرب والحكم على الغناء.. إنما يتوقف على هبة الله في جمال الصوت، وعلى دقة السمع كما أسلفتَ القول.. فالغناء تقرره الحنجرة واللسان، لتنصِفَه أو تمجَّه الأذن عبر العقل والقلب. واللحن يخضع لكثير من المعرفة في القواعد والمقامات، ويرافق الغناء فيتسرب كالعطر إلى الروح ليسعدها، أو يُنفِّرَها حينما يكونُ العطر رخيصا.

    ونحن يا صديقي أرهقتنا الحرب، وغاب عن أرواحنا الغناء والكلام الجميل، وصوت الدوري والعندليب، وفيروز ووديع وعبد الوهاب وأم كلثوم.


    • عاتبت فأوجعت... وحق لك ذلك... فقد قصرت في حقكم كثيراً... وابتعدت عنكم طويلاً.. ويشهد الله لا عن قلى أو نسيان أو قصد... بل هي الحياة وتقلباتها تأخذنا بعيداً عمن نحب... وأحياناً عن أنفسنا.
      أما الغناء ... إذا كان مطلوباً في كثير من الأحيان... فإنه في حالة البلدان التي ابتليت بالحروب بلسم لا غنى عنه.. وتبقى لبنان درة البلدان وقلبها النابض... لها مكانتها الكبيرة في قلب كل عربي.
      ولك مني خالص الحب والتقدير

في العدد نفسه

كلمة العدد 84: "عود الند" تبدأ سنتها الثامنة

تراثنا الأدبي بين الوحدة والتنوع

قراءة في ديوان للهكواتي

خصوصية الإبداع الروائي لدى نجيب محفوظ

سينما: فيلم المجهول