من الأدب الأرمني
الحياة على الدرب الروماني القديم
ينشر هذا المقطع ضمن مبادرة للتعريف بآداب الثقافات الأخرى، وقد اقترحتها وتشرف على تنفيذها الكاتبة في عود الند، هدى الدهان (انظر مساهماتها في هذا العدد "خشب قديم"). التفاصيل المتعلقة بالكتاب والترجمة بعد المقطع.
لم يكن آليك آغا يعاقر الخمر ولم يكن عصبي المزاج أو فقير الحال، وإنما امتاز بالطبع الهادئ والوداعة إلى حد كانوا يشبهونه بالبقرة الوديعة التي يملكها.
على الرغم من تلك الطباع التي اعتادت الأمهات تقديرها لدى المتقدمين لخطبة بناتهن، فقد كان آليك آغا يعاني من مشكلة تتمثل في تعابير وجهه التي كانت تزرع الخوف في قلوب الأطفال ليلاً، بل إن البعض من معارفه المقربين كانوا يرتعدون من مظهره. وكل هذا يرجع إلى لحيته السوداء الطويلة التي أضفت عليه منظرا مخيفا. وبسبب تلك اللحية لم يقدر آليك آغا أن يجد له زوجة مناسبة في هذه الدنيا تكون عزاء للروح والجسد كما يقال.
لم يكن هذا الأمر يبعث في نفسه الأسى لأنه كان – كم يبدو – قد اهتدى إلى ضرب من ضروب الحكمة المجزية بذلك الخصوص، ولكن لا مذهب من مذاهب الفلسفة كان ليمنح سكينة البال لشقيقته اسكوهي التي تصغره بخمس سنوات.
كان العرف السائد في ذلك الزمان لا يقرّ الزواج للأخت قبل زواج أخيها الأكبر.
كيف يمكن للأخت أن ترتمي في أحضان زوجها وأخوها بعد من غير حضن دافئ – هذا هو التعليل الذي كان الناس يقدمونه في ذلك الزمان. إقدام الأخ الأكبر على الزواج هو السبيل الوحيد لكي يُغتفر لشقيقته الصغيرة تفكيرها بالزواج.
حين كانت اسكوهي شابة في مقتبل العمر لم ترفع صوت مناهضة، ولكن حين بلغت الأربعين، لم يعد يجدي معها أي تبرير فلسفي، رغم إن آليك آغا والأهل المقربين كانوا قد عدلوا عن رأيهم وأبدوا موافقتهم على زواج الأخت الصغرى دون أن يكون ذلك مرهوناً بزواج أخيها.
ولكن من كان ليكترث بها الآن، وهكذا بقيت اسكوهي دون زواج، ومع مرور الأيام راح نوع من العنف المكبوت
يتفجر فيها، لون من الشراسة التي تميز العذراء المتقدمة في السّن.
ترتفع أصوات الضوضاء والصياح وتكسّر الأطباق. ومن بين ذلك يُسمَع صوت آليك آغا بنبرته الهادئة وهو يقول
"مهلاً، مهلاً، عيب أن تفعلي هذا."
ولكن بالنسبة لاسكوهي لم يكن قد تبقّى شيء مما يمكن أن يثير حياءها. لقد جاءت إلى هذه الدنيا وشبت وبلغت من العمر أشدها ثم تقدمت في السن ولكن لا احد قد ضمها إلى صدره بعد، فأي نوع من العيب يتوجّب عليها أن تحسب له حساباً بعد الآن.
بام ... ويهوى الطبق مع كل ما فيه على راس آليك آغا وتتلطخ لحيته بالشحم.
هكذا مضى الشقيقان العازبان يعيشان معاً في البيت الواسع المهجور، يسيئان معاملة بعضهما البعض. فرغم ما يتمتع بهآ ليك آغا من رقة ودعة في معاملة الآخرين إلا انه في الوقت نفسه كان يتّصف بجملة من الصفات ذات الطابع القاسي العنيد.
كانت اسكوهي تصب غضبها على البقرة حينما تطلق خوارها المتواصل في الربيع. فيتهيأ آليك آغا لاصطحاب البقرة إلى الضيعة كي يخمد هدير خوارها. ولم تكن اسكوهي تكتفي بركل البقرة أو إطلاق اللعنات عليها وإنما تذهب إلى خزانة الأواني المطبخية وتتلقف بعضاً من الأطباق العتيقة والنفيسة تطرحها عرضاً إمعاناً في تحطيمها. فهذا أسلوبها في استنشاد الراحة ً.
حين يشهد آليك آغا ذلك كان يخاطبها بهدوء قائلاً :
– حسناً فعلت. لقد ارتحتِ.
وفي اليوم التالي يصطحب معه البقرة إلى الضيعة ويتركها هناك لترتاح من توترها الجنسي ثم يعود بها ثانية.
=========
الحياة على الدرب الروماني القديم
تأليف : ڨاهان توتوڨينتس (1894- 1938) الطبعة الأرمنية الأولى 1933
الطبعة العربية الأولى :1998 جميع الحقوق محفوظة
الناشر : دار الحوار للنشر والتوزيع. ص.ب.1018 اللاذقية –سوريا
نادي الشبيبة السورية – اللجنة الثقافية حلب –سورية ص.ب.3699
ترجمة : هراج ساهاكيان ص (126-127)
◄ عود الند: أدب عالمي
▼ موضوعاتي