عدلي الهواري
كلمة العدد 80: العدالة الاجتماعية ونهاية التاريخ
المقصود بنهاية التاريخ أن النظام الرأسمالي الديموقراطي الليبرالي برهن أنه النظام الأفضل للحكم، فغيره من نظم وأيدولوجيات من اشتراكية وشيوعية وفاشية وغيرها فشلت، بينما النظم التي بنيت على أساس رأسمالي ديموقراطي ليبرالي كانت الأكثر ثباتا، وصار السعي إلى مثلها ظاهرة عالمية.
هذا الرأي طرح في مقالة (1989) ثم كتاب (1992) عنوانه "نهاية التاريخ" للأميركي من أصل ياباني، فرانسيس فوكوياما. وقد اشتهر الكتاب كثيرا ولقي اهتماما شبيها بكتاب سامويل هنتنغتون "صراع الحضارات".
رد كثيرون على ما طرحه فوكوياما في حينه، وما يدعوني إلى العودة إليه هو الجانب المتعلق بالعدالة الاجتماعية، فقد قارن فوكوياما بين حال أجدادنا وحالنا وقال (ص 46):
يهمني في هذه الكلمة الجزء المتعلق بالمقارنة. ولا أريد أن أعود إلى زمن أجدادنا بل إلى زمن والدينا فقط، وتحديدا ما تعلق بالعدالة الاجتماعية، وليس بالتقدم التقني.
في زمن والدينا كان التعليم مجانيا أو شبه مجاني. وكان الكثير من الآباء يعملون في أعمال دخلها ليس مرتفعا، والعائلات ذات عشرة من الأبناء والبنات كانت أمرا شائعا. ومع ذلك، أتم جميع الأبناء والبنات تعليمهم الجامعي في حالات كثيرة، وساهموا بدورهم في رفع مستوى معيشة عائلاتهم.
انقلب الوضع خلال جيل واحد. الأبناء الذين صاروا آباء يواجهون صعوبة في تعليم أبنائهم وبناتهم، مع أن الكثير من الآباء والأمهات يعملون برواتب جيدة، وعدد الأبناء والبنات لا يتجاوز ستة في أكثر الحالات. السبب هو كلفة التعليم التي أصبحت باهظة، حتى في المؤسسات التعليمية الحكومية التي كانت تقدم التعليم بكلفة قليلة أو مجانا.
وإذا نظرنا إلى الرعاية الصحية، فقد كان العلاج مجانيا أو منخفض التكاليف. أما اليوم فقد انتشرت المستشفيات الخاصة، ويعتمد كثير من الفقراء على الصيدلي للحصول على دواء بدل الذهاب إلى طبيب للتأكد من تشخيص المرض ووصف الدواء الأنسب قبل الذهاب إلى الصيدلية. ومن ليس لديه تأمين صحي لا يقوى على دفع تكاليف الحصول على رعاية طبية، وخاصة العمليات، أو علاج الأمراض المزمنة، بل من لا يملك تأمينا قد لا يقبل المستشفى تقديم العلاج له.
أما امتلاك المسكن، فقد كان دائما مهما، وكثير من الناس اشتروا قطعة أرض وبـنوا بيتا لهم. الآن أسعار الأراضي مرتفعة، وصار صعبا شراء قطعة أرض لبناء بيت عليها، ثم بناء بيت يكون محكوما عادة بأنظمة تشترط أن تكون الواجهات الخارجية من حجر أبيض.
زمننا يدعو بإلحاح إلى تخيل مستقبل أفضل، وخاصة بعد ما شهده العالم الرأسمالي من أزمات في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، أزمة المساكن التي عجز من اشتراها عن تسديد أقساطها. وهناك أزمة المصارف التي انهارت، بعد أن قامرت بأموال الناس الذين أودعوا أموالهم لديها. وبدل أن تتحمل البنوك عواقب قراراتها، أرغم المواطن دافع الضرائب على انقاذ بنوك أخرى من الانهيار، بذريعة الحيلولة دون تدهور الأوضاع الاقتصادية أكثر.
وقد تم في مرحلة سابقة الترويج لتحرير الاقتصاد وبيع المؤسسات العامة من شركات ماء وكهرباء وخلافه. والحجة النظرية لذلك هو توسيع نطاق الملكية، بحيث يكون الإنسان العادي قادرا على امتلاك اسهم في الشركات. ولكن ما كان يجري بعد سنوات قليلة من الخصخصة هو أن ملكية الأسهم تنتهي في أيدي قلة من الأفراد والمؤسسات المالية.
في الآونة الأخيرة، بدأ الكثير من الناس النزول إلى الشوارع للاحتجاج على إجراءات التقشف التي تفرضها الحكومات، المسؤولة أصلا عن سوء إدارة اقتصاد البلاد. وتشعر الأغلبية هذه الأيام بعدم الأمان نتيجة الخوف من فقدان العمل، أو أن تستيقظ صباح يوم فتجد أن ما ادخرت من مال من أجل التقاعد، أو لتعليم الأبناء، قد ضاع أو فقد الكثير من قيمته.
خلاصة القول إن السنوات القليلة الماضية شهدت تكاثر الأدلة التي تقوض أسس المقارنة التي أجراها فوكوياما بين زمن الأجداد وزمننا، والمقارنة اليوم ترجح كفة زمن الآباء، وليس الأجداد فقط.
لا جدوى من الحنين إلى الماضي، فالعدالة الاجتماعية مطلوبة وضرورية الآن ومستقبلا. ولو بقيت الحال على هذا المنوال، فإنه يصعب تصور مستقبل لأبنائنا يكون أفضل من الحاضر السيء.
مع أطيب التحيات
عدلي الهواري
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]
المفاتيح
- ◄ قضايا عامة
- ◄ كلمة عدد
4 مشاركة منتدى
كلمة العدد 80, محمد فيصل يغان الاردن | 26 كانون الثاني (يناير) 2013 - 07:31 1
نهاية الايدولوجيا
عندما ينحسر فكر الإنسان من المستقبلي إلى الآني, من الكلي إلى الجزئي, من المثالي إلى النفعي, من العمومي إلى التخصص, من الكوني إلى المحلي, من الخلود إلى البقاء باختصار, عندما يختزل الإنسان نفسه إلى نقطة هندسية بلا أبعاد, إلى مواطن مثالي في المجتمع الاستهلاكي. نهاية الايدولوجيا تعني موت الإنسان.
كلمة العدد 80, نادية أبو زاهر/ فلسطين | 26 كانون الثاني (يناير) 2013 - 08:25 2
فكرة هذا المقال جديرة بالاهتمام وهي ذكية جدا تشخص الواقع الذي وصلنا له. المشكلة أن العولمة التي كانت إحدى افرازات الرأسمالية وتوغلها لم تترك مجالا للعدالة الاجتماعية، وجعلت الغني يزداد غنا والفقير يزداد فقرا، واضمحلت الطبقة الوسطى شيئا فشيئا. كل ارتفاع للرواتب يقابله ارتفاعا اكثر بالاسعار بكل شيء. فأصبح كل شيئ بثمن وربما بعد القليل سيصبح الهواء الذي نتنفسه بثمن، فأين هي العدالة مما نعيش؟
كلمة العدد 80, هدى الدهان | 26 كانون الثاني (يناير) 2013 - 15:04 3
العدالة الاجتماعية هي المدينة الفاضلة التي اصبحت الان مضرب المثل للخيال العلمي .بالفعل كانن هناك ستة ابناء الان اصبحوا واحدا فقط .كانوا متعلمين و يجدون وظيفة بعد التعليم الان اصبح هذا الواحد مصدر قلق اكثر منه فرح "ماذا لو لم اسنطع تامين مستقبله ؟ سؤال لم تفكر به جدتي مطلقاً حين انجبت تسعة ابناء نجحوا في حياتهم المهنية والاجتماعية. لم يكن الجيل القديم فقط قادر على التوازن بين متطلبات التغيير وبين مايجب ان يقدمه طوعاً لمواكبة هذا التغيير الاهم كانوا لديهم قدرة على التكيف لاي وضع كانن ولقولبة حياتهم طبقاً للحدث الجديد .كانوا جيل يحاور الان جيل كامل يصرخ من الشيخ في الجامع ينذر وتوعد الى المعلمة التي تشبع الطفل ضرباً الى درجة نقله الى المستشفى بدل عودته مع رفاقه الى البيت الى السياسي في التلفاز كلهم يصرخون .الوحيد الذي يغني هو المطرب والوحيد الذي يسمع هو الطفل الاوحد من هذا الجيل وهو يضع سماعة الاي فون في اذنه واصابعه تنتقل بين تلك الازرار السوداء التي يفضل صمتها على صوت احدهم وهو يشرح له معنى "ايديولوجية".
كلمة العدد 80, موسى أبو رياش / الأردن | 2 شباط (فبراير) 2013 - 07:33 4
فوكوياما: ساذج وإن تدثر بالعلم والتحليل. فعندما يتوقف حلم الإنسان بعالم أفضل فهذا يعني أنه لا ينظر إلى المستقبل بعين سليمة، وكتابه نهاية التاريخ نهايته هو ومن يخلد عالمهم ومنجزاتهم.
آدم وحواء كانا في الجنة. ولا يتصور مكان أو عالم أفضل مما كانا فيه، ومع ذلك حلما بعالم أجمل .عالم آخر.فأكلا من الشجرة ليس عصياناً لرب العالمين، وإنما بحثاً عن الأفضل.وهي حادثة دالة ومقصودة ليكون دأبنا السعي نحو الأفضل والأكمل.
من طبيعة البشر البحث عن الأفضل.وما أن يرتقي الإنسان قمة حتى يطمح إلى قمة أعلى حتى يموت.ولعل هذا يفسر سبب تشبث بعض الزعماء بمناصبهم بحثاً عن الخلود أو منصب أفضل وإن كان شرفياً.
أما العدالة الاجتماعية، فليست مرهونة بالرأسمالية والديمقراطية. وتبقى عدالة نسبية حتى في عقر دار الديمقراطية والرأسمالية.وهي محصورة بعالمهم فقط.ولا وجود لها خارج حدودهم.فأي عدالة أن تؤمن بالعدالة لنفسك وتحرمها على غيرك.
العدالة الاجتماعية حلم، والعقل الذي أنتج ديمقراطيات قادر على أن ينتج ما هو أفضل وأكثر تحقيقاً لأشواق البشر.والإسلام إن طبق كما أراده رب العالمين يحقق عدالة اجتماعية مطلقة.