عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

د. كريمة الإبراهيمي - الجزائر

على الشرفة الأخرى


يسألني عنك المساء. يسألني عنك الصمت وهذه الشرفة الممتدة على المدى والحلم. تسألني عنك وردة خبأتُها في طيات أوراق تتراقص عليها كلماتك:

أتراه يعرف أن الليل صار أحلى بكلماته؟ أتراه يعرف أن الصبح صار أجمل حين أتدفأ على ضوء أراه يمتد من عينيه عبر مسافات من الفل والياسمين؟

تسألني عنك أغنية تطالع يومي مع قهوة يتصاعد بخارها وتتصاعد معها أخيلة لوجه سكن الريح والمطر وخيالي:

بكرة انت وجايي — راح زيّن الريح

خلي الشمس مرايي — والكناري يصيح

يرتفع صوت فيروز، فتحملني إليك صباحاتي وقهوتي وبقايا أمنية تتردد في الروح.

هل تجيء؟

تسألك الأمنية ومساء مخضل بالمطر والعصافير.

"بكرة انت وجايي...": سأقطف نجوما وأنثر لآلئ وأطير على قرميد البيوتات لأمسك فراشا.

"بكرة انت وجايي...": سأضيئ شموعا وأنثر آسًا وأغزل من عيني أغنية تتردد في الأجواء.

تسافر الأشياء من حولي. تعيدني إلى صمت اللحظة، إلى وجهك الغارق في السكون. أتوسل إلى فراشة أن تعيرني جناحين من وهْم فأدور حواليك. أوقظك من هدوئك، وأجرّك إلى نهر يغص بالعشاق، تنمو على حوافيه زهور ملونة. أجرك إلى مساء ليلكي، يعزف سيمفونيات دافئة، فتتطاير نوارس وتغني عنادل.

يسرقني مني المساء من جديد، وإذا بيدي تستعير من رسام ريشته فأرسم خطوط وجهك على طريقتي. أمنحك ابتسامة دائمة وضوءا يمتد من عينيك فيملأ المكان. أمنحك وجه بحار يغامر صوب البحر ليعود بطوق من صدفات نادرة. أمنحك وجه طفل لا يكف عن الركض وملاحقة فراشات تتطاير في الفضاء.

أعود إلى أشيائي المطفأة في حزن عينيك، أتنفس عطرا من كلماتك، أمزج حزنك بعطر كلماتك وأصنع قمرا مشعا يتدحرج من يدي ليسكن يديك، ويتحول إلى وردة عابقة بعطر لا يعرفه سوانا ولا يفهمه سوانا.

صباحك المطر القادم من عمق الروح ليغسل شوارع القلب المضمّخ بعطر اللحظة. صباحك الندى المشع من على زهرة باتت ترقب النجوم وترسم حكاية الغد الآتي، باتت تصنع فرحتها وتتلون بكل الألوان لتلقاك مع صبح بهي لم تره عين بعد.

أنا وقهوتك، وأنتَ ونجومي. أفتح روحي على الحلم، وأخرج إلى شرفتي في ليل بارد، أرقب النجوم المسافرة. ألوح لها فأشعر بها تقترب حتى تستقر بيدي. تقول والليل قد بدأ يرحل:

"تشتاقين لحلم، لروح تسكن في المدى البعيد؟"

اقحوانةأقول: "نعم. بلغيه أنني هنا أسافر في الأشياء وحدي، أرتب ما تبقى في يدي من أحلام وأدسها في قلب زهرة أقحوان وأغلق عليها لئلا تضيع. بلغيه أنني أرسم وجهه على قطرات الندى وأركض كطفلة في عينيه. بلغيه أنه جليسي كلما نزل الليل وكلما نامت عيناي على وهج حلم، بلغيه أنني أشتاق إليه كل يوم، وأن شوقي يرحل كمركب في نهر كبير ليطوف هناك ويعود كل مساء ليخبرني قائلا:

"رأيته هناك، يجلس إلى صمته، وقهوته..."

وأنا أضيف له: "أما رأيتني؟"

يضحك الشوق مني، ويرد:

"رأيت بعينيه وجوها وألوانا. رأيت سفنا ترحل. رأيت عطرا مسكوبا من يديه. رأيت شوقا يرفرف حول قلبه. لكنه كان صامتا، يتأمل فنجان قهوته".

أقول في قلبي وقد غلبني الصوت القادم من عمق الشوق:

"ترحل في سمائي كل الوجوه التي تكتظ بها ذاكرته. ملايين الوجوه تمر بقهوته. ملايين الكلمات تسافر ببخارها. ملايين الأحلام تندس في شفتيه ومذاق قهوته. وبين وجوهه وكلماته وأحلامه، أبقى أنا أشتاق لأتحول إلى رشفة من قهوته".

أيها الممزوج بنجومي، وبشوق ترنم على شفاهي؛ أيها المسكونة بكَ شرفاتي: امزجني بقهوتك واملأ بي كؤوس فجرك. افتح نافذتك وستجد زهرة تشبه قرص الشمس ترتعش من برد المساء. دفئها في يديك، واسكب عليها جمر روحك فتضيء حوافها نجوم ملونة تجعل الليل أكثر بهاءً.

أخرج لشرفتك وستتراقص حولك ملايين الفراشات، فمد يديك والتقط يدي.

D 25 أيلول (سبتمبر) 2012     A كريمة الإبراهيمي     C 3 تعليقات

2 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

عن مبدع الغلاف

كلمة العدد 76: الإعلام: عندما تكون الحقيقة بين الضحايا

خزانة شهرزاد: مقتطف

مصطلح ومفهوم التبئير

إبراهيم طوقان وهموم التعليم