غسان كنفاني: أدب المقاومة
من مقدمة كتاب غسان كنفاني
الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال: 1948-1968
في الفترة التي امتدت بين 1948 و1968، قدم المثقفون العرب في فلسطين المحتلة، من خلال أقسى ظروف القمع، والأسر الثقافي، نموذجا تاريخيا للثقافة المقاومة، بكل ما فيها من وعي وصمود وصلابة، وأهم من ذلك، بكل ما فيها من استمرار وتصاعد وعمق.
وفي الواقع فإن أدب المقاومة -على وجه الخصوص- لم يكن أبدا ظاهرة طارئة على الحياة الثقافية الفلسطينية، وفي هذا النطاق فإن المقاومة الفلسطينية قدمت، على الصعيدين الثقافي والمسلح، نماذج مبكرة ذات أهمية قصوى كعلامة أساسية من علامات المسيرة النضالية العربية المعاصرة.
وحفل التاريخ الفلسطيني، منذ الثلاثينات على الأقل، بمظاهر المقاومة الثقافية والمسلحة على السواء، واذا كانت الثورات المسلحة التي خاضها شعب فلسطين قد انتتجت أسماء من طراز عز الدين القسام مثلا، فإن أدب المقاومة قد انتج، قبل ذلك ومعه وبعده، أسماء من الطراز نفسه، ما زال المواطن العربي يذكرها بكثير من الاعتزاز، ومن أبرزها إبراهيم طوقان، وعبد الرحيم محمود، وأبو سلمى (عبد الكريم الكرمي) وغيرهم.
ومن هذه الناحية فإن أدب المقاومة الفلسطيني الراهن، مثله مثل المقاومة المسلحة، يشكل حلقة جديدة في سلسلة تاريخية لم تنقطع عمليا خلال نصف القرن الماضي من حياة الشعب الفلسطيني.
ولكن ما يميز الأدب المقاوم في فلسطين المحتلة منذ 1948 حتى 1968 هو ظروفه القاسية البالغة الشراسة، التي تحداها وعاشها، وكانت الأتون الذي خبز فيه إنتاجه الفني، يوما وراء يوم.
لقد كان الحصول على نماذج هذا الأدب المقاوم صعبا للغاية، ومن المؤكد الآن أن هناك نماذج لم يتيسر قط نشرها، ولا نعرف فيما اذا كان من الممكن نشرها خلال الفترة الوجيزة القادمة، وكذلك فإن تراثا كبيرا من الشعر الشعبي الفلسطيني الذي ولد وترعرع وانتشر في الريف الفلسطيني خلال العشرين السنة الماضية لم يتيسر لنا قط الحصول عليه بالصورة التي تتيح استخدامه لدراسة منفصلة أخرى، وإن كانت الجهود الحالية في هذا النطاق تبشر بإمكان ذلك.
في هذا المجال لابد من الإشارة إلى أن البحث التالي ليس طبعة جديدة أو منقحة لكتابي الذي أصدرته دار الآداب باسم "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة"، بل يمكن اعتباره إلى حد بعيد دراسة مكملة، خطوة ثانية في هذا النطاق، ولا يسعني إلا أن أشير إلى أن الكتاب الأول يعتبر مقدمة ضرورية لهذا الكتاب، سواء من حيث التحليل أو حيث النماذج.
واذا كان لا بد من الاستطراد في هذه النقطة الشكلية، ولكن الهامة، فهناك ملاحظتان لا بد منهما:
الأولى أن معظم النماذج التي اخترناها في هذه المجموعة حرصنا على أن تكون من خارج نطاق النماذج التي باتت متوفرة الآن، والتي ستطبع في مجموعات شعرية منفصلة خلال الفترة الوجيزة القادمة.
والثانية أن دراسات تحليلية عديدة لأدب المقاومة الفلسطيني، هي الآن في نطاق الإعداد من قبل أساتذة اختصاصيين في النقد الأدبي والبحث، وهذا هو بالذات ما جعل الدراسة هذه تميل باطراد نحو الصيغة الوثائقية، إذا جاز التعبير، أكثر بكثير مما حرصت على الصيغة التحليلية.
كتب المقدمة في بيروت بتاريخ 15 نيسان/ابريل 1968
غلاف الكتاب
الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال : 1948 - 1968
المؤلف: غسان كنفاني
الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية
الطبعة: الثانية
سنة النشر: 1986
◄ عود الند: ملفات
▼ موضوعاتي