عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

فراس حج محمد - فلسطين

ماذا تبقى من شعر المقاومة؟


فراس حج محمدسؤال يطرحه كثير من المثقفين الفلسطينيين والعرب؛ ماذا تبقى من شعر المقاومة الفلسطينية؟ وقد غاب كثير من الشعراء وغادروا هذه المساحة الفاعلة المشرقة في المدونة الشعرية الفلسطينية المعاصرة، فهل يا ترى فعلا غادر الشعراء من متردم الثورة والفعل الثوري، فانتهت قصيدة المقاومة؟

لعلّ من نافلة القول إن الفعل الثوري الذي أنتج قصيدة المقاومة الفلسطينية قد اختفى، بعد أن تحولت المؤسسات الفلسطينية الرسمية من إنتاج الفعل الثوري ودعمه، وتحول الخط السياسي من المقاومة واتخاذ البندقية شعارا إلى مساحة أخرى من السياسة القائمة على إستراتيجية غصن الزيتون الأعزل، والدخول في مغامرة لم تنتج منذ أيامها الأولى وحتى الآن سوى الابتعاد أكثر عن فلسطين الحلم والوطن المتخيل.

وقد أثر هذا الأمر بلا شك في انعدام التربة الخصبة في اشتعال الحرف المقاوم واتجه الشعراء إلى موضوعات أخرى، إما عامة اجتماعية، وإما فلسفية مغرقة في الوهم أو الغموض، وإما في القضايا الذاتية واجترار الحنين لزمن مضى أو زمن لن يأتي، وتغلفت القصائد برومانسية غير واقعية، تشد الرحال مبتعدة عن مجالات التحريض والمقاومة وتمجيد الفعل الثوري.

ويجب أن لا يغيب عن الذهن تحول الشعراء الفلسطينيين الكبار عن قصيدة المقاومة، ويقف على رأس هؤلاء الشاعر محمود درويش واتجاهه في قصائده الأخيرة إلى موضوعات ابتعدت كثيرا أو قليلا عن قصيدة المقاومة، وما عليك أيها القارئ الكريم لمعرفة ذلك سوى قراءة دواوين الشاعر: "الجدارية" و"سرير الغريبة" و"أثر الفراشة" والديوان الأخير "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي"، وأصبح الشاعر باحثا عن موضوعات غير تلك التي عرفها القراء في دواوينه الأولى: "أوراق الزيتون" وحتى ديوانه "لماذا تركت الحصان وحيدا".

يضاف إلى ذلك رحيل كثير من شعراء المقاومة الفلسطينية من أمثال توفيق زياد الذي كانت قصائده عبارة عن منشورات سياسية مقاومة، تساير الفعل الثوري وتحرض عليه، وأذكر كذلك برحيل الشاعر يوسف الخطيب صاحب الصوت المميز في قصيدة المقاومة، ومؤلف كتاب "ديوان الوطن المحتل"، الذي جمع فيه العديد من القصائد الشعرية المقاومة.

ولعل من الأسباب الدافعة لهجر قصيدة المقاومة التطور الحادث في النظرية النقدية والشعرية فيما عرف بالحداثة أو ما بعد الحداثة، واتهام النقاد للشعراء بالتقليدية، وعدم تجاوز الزمن الشعري القديم، فاتهموهم بأنهم ما زالوا يعانون من الخطابية والمباشرة، ولأجل ذلك يحاول هؤلاء الشعراء، وخاصة الجيل الجديد من الشعراء الشباب عن تلك اللغة المقاومة، واجتراحهم لتلك القصائد على خوف من الاتهام والحذر من أقلام النقاد، وهم بذلك حريصون على أن يكون لهم مكان في هذه الصحيفة أو تلك المجلة، ولعل لهم بعض العذر في ذلك، فيلجأ هؤلاء إلى مسايرة النقاد ومحرري المواد الثقافية في تلك الصحف والمجلات، لاسيما وأنهم ليسوا على قدر كبير من الحضور الجماهيري الفاعل، وليس لهم جمهور من القراء يؤهلهم لأن يكتبوا رؤاهم الشعرية كما هم مقتنعون، وبحساسيتهم الشعرية المميزة.

لقد اختفت قصيدة المقاومة الفلسطينية من الإنتاج الشعري الجديد في الديوان الشعري الفلسطيني الحديث، ولم يبق سوى مراثي الشهداء والمعارف والحسرة والندم على ما فرطت السياسة في جنب المقاومة، وعملت على تهشيم الصورة، وتكسير البندقية وإهمال المؤسسة الثقافية لكل صوت ينادي بضرورة أن يشتعل الفتيل من جديد، لتزهر القصيدة في ظل الفعل الثوري الذي غدا منفيا في وعي الثقافة والسياسة على حد سواء، وأصبحت قصيدة المقاومة من التراث البعيد، كما أصبح الوطن أطلالا مترنحةً آيلة للسقوط في جحيم الانتظار المفضي إلى العدم.

D 25 حزيران (يونيو) 2012     A فراس حج محمد     C 4 تعليقات

2 مشاركة منتدى

  • هذه ظاهرة حقيقية لمستها عند الكثير من الشعراء الفلسطينين حولي أيضا

    ربما لأننا جيل تربى على الأناشيد الجهادية؛ لم نعد نستسيغ ما يكتب هذه الايام من ضعف وحزن وبكاء على الأطلال، ولا أنكر وجود شعر المقاومة لكنه ليس كافياً في نظري!

    كنا نسمع:

    سلبوا الأرض
    وهتكوا العرض
    صار الثأر علينا فرض
    شدوا الهمة
    وامحوا الغمة
    ثوروا يا اولادي

    الحر ما يموت
    إلا مَره
    والموته أحلى من
    عيشه مُره

    شكراً أستاذ فراس


  • الأستاذالفاضل فراس
    لن ننسى أن شعر المقاومه في فلسطين لم يولدمن فراغ ,فهو امتداد طبيعي للشعر العربي القديم ,الذي كان يقدس البطوله والفروسيه ,ويتغنى بالفتوحات الإسلاميه التي انطلقت في مشارق الأرض ومغاربها ,وهو أيضآ جزء من الشعر العربي المعاصر .الذي خلد ذكرى الأبطال والثوار في مختلف أرجاء الوطن.
    وكان له دورأ رياديآ في تعبئه الجماهير وتحريضها وتبصيرها بالمكائد والدسائسه التي تحيط بها
    أدرك شعراء المقاومه أهميه الترابط العضوي بين قضيه مقاومه الإحتلال ,وحركات التحررفي البلاد العربيه, حيث يسهم الشعر في تعميق الفكر الثوري وغرس مباديء الحق والحريه في نفوس الجماهير
    كما تفضلت وأشرت هذا التغير والتبدل في شعر المقاومه أيضآلم يأت من فراغ ,لتبدل الأوضاع السياسيه والإجتماعيه والإقتصاديه التي كان لها الدور الفعال في طمس كثير من الشعراء أوتغيرأساليبهم وموضوعاتهم ..
    هل ننسى قول شاعرنا الكبير أحمد دحبور:
    لأن الوردلا يجرح
    قتلت الورد
    لأن الهمس لا يفضح
    سأعجن كل أسراري بلحم الرعد
    _


في العدد نفسه

ياسمينة صالح: تعزية

تهنئة رمضانية

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 73: الليبرالية: ما لها وما عليها

الجمال بين الذاتي والموضوعي