عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

محمد جمال الدماطي - مصر

الكتاب الملعون


محمد دماطيتبدأ القصة في بلدة قرب روما في العصور الوسطي حيث عانت هذه البلدة الفقر والبؤس والشقاء لما اتصف به حاكمها من الظلم والطغيان.

كان ساحرا حاكما. ماتت الرحمة في قلبه وعاش بدلا منها الظلم والطمع وحب السلطة والسيطرة، حتى أنه كان يحكم قرية بأكملها بعدما أصابها بلعنة من سحره، حيث أنه لا يستطيع احد من أهل القرية أن يخرج منها وإلا جعله هذا الساحر صورة أو لوحة فنية لا تملك أن تفعل شيئا.

وكذلك لا يستطيع أحد من أهل القرية البائسة أن يقول له كلمة "لا" وإلا حدث له نفس الشيء وصار لوحة فنية توضع في حديقة القصر الضخم الواسع المملوء بالتحف والزخارف الفنية التي لا مثيل لها.

هكذا كان أهل القرية لا يستطيعون الكلام ومن حاول تحول إلى لوحة. وبينما تشاهد هذا القصر الضخم من الخارج تجد بجواره مبنى وكأنه مصمت بلا نوافذ ولا شرفات، أمامه حراس كثيرون. وتجد هذا الملك ينظر إليه عند الشروق والغروب من شرفة غرفته العالية، وكأنه ينتظر شيئا. ولكن ترى كيف ينتظر؟ ومن ينتظر وهو الملك العظيم الذي لا يرد له طلب؟

يا إلهي! إن هذا المبني المصمت الجوانب الأسود الجدران الغريب الطراز ما هو إلا سجن لحبيبة هذا الوغد الشرير، حتى حبيبته لم تسلم من ظلمه.

لقد كتب على باب هذا السجن كلام. هيا بنا نقرأ لنفهم ما يحدث في هذا المكان المخيف وما الذي يفعله هذا القاسي، هذا الكلام هو المكتوب:

لا تقول لي "لا" إنني الملك --- ومن فعلــــــــــها حتما قد هلك
هذا سجن وقبر من أحبها الملك --- فتاة فقيرة اسمها ماري ديريك

كان هذا الوغد ينتظر موت حبيبته، حتى أنه صلبها وترك لها الاختيار. وكان ينتظرها كل يوم عند الغروب والشروق فإما تموت أو تتزوج من هذا اللعين.

ولكنها فضلت السجن حتى الموت على الزواج من شخص لا تحبه. ما هذا القلب القاسي؟ كأن قلبه أصبح نارا لا تنطفئ، أو أرضا جدباء لا تنبت أبداً حتى لو هطلت عليها الأمطار، أو انشقت من تحتها الآبار. إنه الظلم في صورة إنسان.

إن من يرى القصر من الخارج يلاحظ بخلاف هذا السجن –الذي تكاد تخر جدرانه من ظلم من بناه– قبراً على اليسار منقوش عليه الكلمات التالية:

هذا قبر من أحبته ماري ديريك.

تعجز الكلمات حقيقة عن وصف هذا الرجل.

وخلف هذا القصر تجد مبنى يشبه سجن ماري ليس عليه إلا حارس واحد. ولكن المفاجأة هي في الذي بداخله. يوجد بداخله شخص مصلوب يهذي بكلام لا يفهم، ولكن تستطيع أن تفهم جملة واحدة هي "كلكم لا".

ما قصة هذا الرجل؟ بجواره يوجد مكتب عليه كتاب يبدو أنه مخطوط. عند فتحه ستجد صورا لهذا الرجل ومعه هذا الملك المتغطرس ومكتوب تحتها "ذكرى أيام الطفولة. الأخوين أنطونيوس وسانتوس، ابني الخادم الملكي دايفيد دلبييرو". إنه الأخ الأكبر لهذا الملك.

بدا من سكوت أهل البلدة أن هذا ليس عجيبا ولا غريبا، فتسمع أهل القرية يهمسون لأطفالهم ليلاً ويقولون: كان هناك ملك عظيم اسمه "مازيللي" وكان عنده كبير الخدام في القصر الملكي، اسمه "دايفيد دلبييرو"، عثر أحد أبناء هذا الخادم على كتاب سحر قديم تحت احد أعمدة المعابد، وكان شابا شريرا فاستخدم هذا الكتاب.

وفي يوم من الأيام استيقظنا جميعا ولم نجد الملك ولا والد هذا الشاب الشرير، ولكن علمنا أن أخاه موجود بسجن في ساحة القصر، وخرج لهم وقال: "من يرفض أن يخدمني سيري ما سيحدث له".

قالت فتاة أسمها الموناليزا: "أنا أرفض"، فأطلق عليها تعويذة وسحرها، فأصبحت صورتها لوحة فنية وضعها في حديقة القصر حتى يخيف الناس مما يستطيع أن يفعل بهم.

ضعفت ماري، الفتاة المسجونة في حديقة القصر. وأخذ الحراس يتبادلون أخباراً بأنها ستموت قبل أن تغرب الشمس. ولكن في نفس الوقت كان الحارس على باب الأخ الأكبر لهذا الملك يسمعه يقول "كلكم لا" ويسأل: "ما معني هذه الكلمات؟"

لا بد أنه يهذي.

وخطرت له فكره أن يكون معناها إذا اجتمع أهل القرية جميعا وقالوا "لا" معاً ستنتهي اللعنة التي أصيبت بها هذه القرية، فأخذ يخبر واحدا بعد الآخر من الحراس، والحراس أخبروا أهل القرية وتبادلوا جميعا هذا الخبر.

ولم يخبر أحد منهم الملك الظالم، وإنما فاجأوه بأنهم جميعا، شيوخا ونساءً ورجالاً وأطفالاً، يقفون في حديقة قصره الضخمة ويقولون: "لا. لا. لا للظلم".

عندئذ وجدوا الفتاة الموناليزا قد طمست صورتها من على اللوحة، ووجدوها تأتي في قارب بين الأمواج، فعلم أهل القرية أن الوقت قد حان، وانهالت الأمطار وتزلزلت الأرض لتأخذ قصر هذا الظالم وهو يقف في شرفته ويقول "لا " ولكن يقصد "لا أريد أن أموت".

وفك قيد الفتاة وقيد أنطونيوس، الأخ الأكبر لهذا الظالم، وخرجوا جميعا من القصر وهم يقولون "لا. لا للظلم". وخسف بهذا القصر الأرض، وعادت القرية لهدوئها وسلامها، ونبتت الزروع والمحاصيل، وعادت تجارتها بعد أن كسدت.

ومرت السنون وبني في مكان هذا القصر مكان للعب المصارعة الرومانية. وبينما كان أحد الفتيان يتدرب، وكان يستند على أحد الجدران فإذا بالجدار يسقط ويجد تحته كتابا اسمه "السحر".

D 25 أيار (مايو) 2012     A محمد جمال الدماطي     C 4 تعليقات

4 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

عن مبدع الغلاف

كلمة العدد 72: "عود الند" تبدأ سنتها السابعة

محمد بنعمارة: شاعر الحب الإلهي

تجليات الإحباط في تشكل الذات

قراءة في "الحياة أغنية"