إيمان يونس - مصر
قصص قصيرة جدا
خطاط
الخط بالنسبة له ليس مجرد حرفة، فهو يرسم الحرف ولا يكتبه. شخصيته الإبداعية جعلته يتفنن في تشكيله وتدويره ليحول الكلمات المكتوبة بالطريقة النمطية التي يسهل قراءتها إلى لوحة فنية تشع بالطاقة الجمالية جاذبة لمن يراها وممتعة لمن يفلح في سبر أغوارها.
الرواف
الريافة مهنته التي ورثها عن والده. وما زال متمسكًا بها رغم آنها آخذة في الاندثار، وهي تتطلب منه مهارة عالية وتركيز فائق وصبر لرتق الملابس القديمة المهترئة أو الجديدة الممزقة. وسر تميزه اعتماده على أخذ خيوط من نفس الثوب من مناطق معينة ليقوم بإصلاح الضرر الموجود فيه بطريقة فنية، مع دقة متناهية تشبه تماما عملية نسجه ليخفي تماما تلك العيوب بشكل يصعب لأحد أن يعرف مكانها، وهو سر سعادته.
الشغف
ظن أن حلمه تحقق بالتحاقه للعمل بمؤسسة مرموقة، لكن مكوثه لفترات طويلة بين الأوراق أو خلف شاشة الكمبيوتر محاطا بذات الجدران جعل الملل يتسلل إلى نفسه. وشيئا فشيئا فقد الشغف بالوظيفة. قرر أن يكسر هذا الروتين ويمارس هوايته في إعداد الطعام والحلويات وعرضها بطريقة مبتكرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاقت استحسانا كبيرا لدى متابعيه، وازداد الطلب عليها، فقرر أن يستأجر مطعما، ومن ثم استقال من المؤسسة.
أخطاء إملائية
فوجئت مسئولة العلاقات العامة بالشركة بتجمع لشباب وشابات أمام مكتبها وعلت أصواتهم مرددة لسؤال واحد: «لماذا لم تحظ سيرنا الذاتية بالقبول؟»
طلبت منهم الهدوء والإنصات لها جيدا. عم السكون المكان. قالت:
= أنصحكم بعرض سيركم الذاتية على متخصص لتصويب الأخطاء الإملائية».
غادروا مكتبها، بينما همهماتهم ما زالت تملأ المكان.
الصحيفة
عندما عُثر في بيته على بعض القطع الأثرية لم ينقذه من تهمة الإتجار بها غير تاريخ الصحيفة القومية المغلفة لها والذي يتنافى مع وجوده خارج البلد المقيم به في هذا التوقيت.
فنّان
تقاضى آلاف الجنيهات وحقق نجاحا باهرًا لإتقانه تقليد مدير مدرسته على الشاشة الصغيرة لدرجة تكريم وزير التربية والتعليم له. وُجِهت دعوة لمدير المدرسة لذي لم يحظ بأي تكريم، ولن يتقاضى تلك الآلاف من الجنيهات حتى سن تقاعده.
فنانة
(1) تصحو يوميا بشغف متجدد وروح وثابة محلقة تلامس عنان السماء، تستعيد أحلامها المخبأة تحت وسائد الأمس لتصحب أناملها المبدعة فتعانق ريشتها مع ألوانها وترسم لوحة جديدة تهديها للحياة.
(2) اختارت ثلاثا من لوحاتها الأكثر تعبيرا عن نبضها وقبس من روحها وغلفتها بعناية فائقة وأرفقت معها كُتيبا أنيقا دونت فيه بياناتها وأسماء لوحاتها مع سيرتها الذاتية، وقدمتها للمسابقة التي أعلنت عنها إحدى المؤسسات. وبعد إعلان لجنة التحكيم نتيجة المسابقة، حزنت لأن اسمها لم يكن بين الفائزين. وعندما ذهبت لاسترداد لوحاتها، وجدتها بأغلفتها التي لم يمسسها أحد.
ناشطة نسائية
(1) كل ما قدمته لقضايا المرأة كلمات تغرد بها على مواقع التواصل الاجتماعي أو مسجلة عبر قناتها باليوتيوب في يوم الاحتفال بيوم المرأة العالمي، فتنال بها مئات الآلاف من الإعجاب التي تترجم إلى مئات الآلاف من الدولارات.
(2) حرصت على المشاركة في الندوة الداعمة للمرأة الفقيرة، بينما تتحدث عن معاناة المرأة في بعض دول العالم، ورصدت الكاميرا العلامة العالمية لفستانها البسيط ويقدر بآلاف الدولارات، بينما عيون متابعيها ظلت حائرة في تثمين المجوهرات التي تزينت بها والساعة بمعصمها الأيسر.
ناشر
مع ارتفاع كلفة النشر من ناحية وزيادة النسبة التي تطلبها المكتبات نظير بيع الكتب، اكتفى صاحب الدار بالإعلان عن إصدارات الدار عبر فيسبوك وأتاح من خلالها إمكانية الطلب إلكترونيا. لم يجد إلا إقبالا محدودا لبعض الكتب، ومعدوما للبعض الآخر، وللكُتّاب النصيب الأكبر من اللوم.
الطموح
حبها للتدريس جعلها تُقبل على العمل كمعلمة للغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية. تفانت فيه لقناعتها أنها تؤدي رسالة سامية. وعلى مدار عام دراسي كامل تحملت مشاغبات ومداعبات هذا السن من الطلاب من ناحية، ومعاناتها مع أولياء الأمور الذين لا يتقنون اللغة من ناحية أخرى. بحلول الإجازة الصيفية، اتخذت قرارها أن تعود للجامعة كطالبة للدراسات العُليا، وصبرت وثابرت حتى نالت شهادة الماجستير مما أهلها للعمل كمدرسة جامعية وما زالت تواصل الدراسة.
كاتب
(1) يجلس في المقهى، ذلك الحيز الذي يمارس فيه البشر الكثير من الأنشطة اليومية التي تمثل له خزانة عامرة بقصص وحكايات لا نهاية لها. لا يفعل شيئا سوى التحديق في وجوه المارة ليلتقطها بعينيه، أو يسترق السمع لحكايات الجالسين بالقرب منه ويحولها إلى نصوص مكتوبة بحبر الهواء الطلق.
(2) يختار مقعده في الطائرة وجناحها ناحية يساره، ويظل شاخصا ببصره ناحية النافذة سارحا ومتتبعا للسحب وتشكيلاتها. وعندما يسمح بفك الأحزمة، يضع قلمه في يمينه والسماعات في أذنيه لموسيقاه المفضلة التي تمس شغاف قلبه وتتغلغل إلى حنايا روحه. عندئذ يشعر أن له جناحين، فينطلق قلمه طائرا ومحلقا في فضاء صفحاته البيضاء، ويخط نصوصا لا مثيل لها سُطِرت بين السماء والأرض.
شاعر
قصائده مرآة تعكس واقعه الذي يعيشه ويعبر عنه وفق رؤيته وحالته الشعورية ويعتمد على الرمزية وما يملكه من إيحاءات لغوية يطوعها ويبني بها بيوتا شعرية.
موظف وحيد
استجاب مدير المصلحة لتذمر العملاء لوجود موظف وحيد لإنهاء معاملاتهم، ومن ثم كلف موظفا ثانيا ليعاونه. المفاجأة التي صدمت العملاء إن الموظف المكلف يستشير زميله في كل خطوة مع كل عميل بحجة أنه الوحيد الملم بكل الإجراءات.
الشبيهة
شدة الشبه بينها وبين فنانة مشهورة جعلها تتابعها عن كثب حتى أتقنت طريقة وضعها لمكياجها، ومن ثم قلدت أسلوبها بحركاتها ومظهرها حد التطابق بينهما، فاستغلتها بعض شركات الإعلانات للترويج لمنتجاتها، وتهافت عليها العامة لالتقاط صورة فردية أو جماعية معها راضين دفع القيمة المالية التي تتقاضاها نظير كل صورة، إلى أن تصدر خبر القبض على الفنانة المشهورة في قضية آداب جميع مواقع التواصل الاجتماعي. وما زال التحقيق مستمرا بينها وبين شبيهتها.
مدرسة الرومانسية
كثرة الحالات التي تتردد على عيادتها وتعاني من الصدمات العاطفية أو تشتكي من شُح مشاعر الطرف الآخر جعلتها تفكر في تغيير لافتة عيادتها من «إخصائية طب نفسي» إلى «إخصائية عاطفية». ولكن طرأت بذهنها فكرة فتح «مدرسة الرومانسية» لترشد الجنسين كيف يكون المرء رومانسيا، ولدهشتها لم يلتحق بها أحد.
◄ إيمان يونس
▼ موضوعاتي