مختارات: محمد الأسعد - التعميم/القبس
نبات الظل: هل هو قادر على صياغة المشروع الثقافي الفلسطيني
.
دعا الكاتب والشاعر محمود درويش الكتاب والصحفيين الفلسطينيين إلى "صياغة المشروع الثقافي الفلسطيني الثوري"، وإلى "التمييز بين ما هو منخرط في خدمة قضية الحرية والتحرير وبين ما هو عرضي ليكون مقياس الشرعية".
وجاءت هذه الدعوة في سياق تأييده لانعقاد مؤتمر صنعاء في 1984/4/3، ذلك المؤتمر الذي رفضته الأغلبية الساحقة من الكتاب والصحفيين باعتباره حلقة في مسلسل الإهانة المتواصلة للعقل الفلسطيني.
وهنا المفارقة التي حملتها مثل هذه الدعوة، أو بالأحرى الدعاية لحركة تقليدية قام بها بعض الأشخاص لعقد المؤتمر العام لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين رغما عن الأمانة العامة، ورغما عن إرادة أغلبية الكتاب والصحفيين.
هناك طريقان لانعقاد المؤتمر. الأول بدعوة من الأمانة العامة. والثاني بدعوة من ثلثي أعضاء المؤتمر. وكلا الأمرين لم يتحقق. ونحن الذين انتميا لهذا الاتحاد، وحفظنا هذه التفاصيل غيبا، شعرنا بأن الكوارث التي أحاقت بشعبنا لا يبدو أنها هزت شعرة واحدة في جسم الذين تظاهروا في مؤتمر صنعاء. وأحسسنا أكثر من الإهانة قد وصلت إلى الكلمة النبيلة نفسها، فأصبحت قضية الحرية والتحرر والشرعية تتوقف على مجد هذا الشخص أو ذاك، أي على كل ما هو عرضي وزائل.
وضعتنا دعوة محمود درويش أمام خيارين: إما أن نرفض هذه التظاهرة فنصبح بذلك خارج "شرعية الكتابة الإنسانية" أو نقبلها فنكون بذلك من المنخرطين في "قضية الحرية والتحرر". ولكن أليس في إلصاق شرعية الكتابة الإنسانية وقضية الحرية التحرر بتظاهرة صنعاء نوعا من الافتعال والمغالطة؟
ليس لمثل هذا الإلصاق ولا لمثل هذه المغالطة ما يبررهما، ذلك لأن هذه التظاهرة قائمة بذاتها كحركة من الحركات المألوفة الهادفة إلى الحصول على أصوات ممثلي الاتحاد في المجلس الوطني الفلسطيني لصالح تيار سياسي.
أما قضية صياغة المشروع الثقافي الفلسطيني الثوري وشرعية الكتابة الإنسانية والحرية والتحرر فلها سياق آخر ومتطلبات تاريخية أعمق من الوجود العرضي لهذا الفرد، أو هذا التيار السياسي أو ذاك. إنها تتعلق بمصير شعب يقاوم قبل وجود هذه التيارات وسيبقى بعدها.
ولا نعتقد أن من الذكاء في شيء محاولة إيجاد هذه التلازم بين ما هو عرضي وعابر وما هو جوهري وأساس، أو قلب الأمور لتسير على رأسها بربط شرعية الكتابة الإنسانية وقضية الحرية بتيار سياسي ما ليصبح هذا التيار هو الشرط، والبقية مجرد قضايا مقيدة بتصريف أفعال هذا التيار ونزعاته.
إن عددا من الكتاب، كما قالوا أو كتبوا، يربأون بمحمود درويش أن يقف هذا الموقف، ويتبنى تلازما لا منطقيا، ومغالطة مفضوحة إلى هذه الدرجة. وتساءل عدد آخر عن هذه الظاهرة الشاذة التي يتعذر تفسيرها وفق الإطار الفكري الذي يمتلكه، إذ كيف يقف كاتب وشاعر له هذه المكانة، مثل درويش، مع حركة استهدفت سحق "ما هو جوهري" وما هو أساسي، أي حرية وإرادة واستقلال العقل الفلسطيني؟ كيف يقف مع حركة تجاوزت أبسط أطر الشرعية؟ شرعية الأمانة العامة المنتخبة في مؤتمر عام؟
ثم كيف يرضى أن يكون على رأس هذه التظاهرة بتصريحات صحفية ورسالة عاطفية إلى هذه التظاهرة، ثم بطرحه رئيسا لما أفرزته من نتائج؟
ولأن للإطار الفكري سلطانه، ولطرق الفهم والإدراك التي يرسخها الكسل الذهني وطلب السهولة قيودها، فإن محاولات البحث عن فتوى تفسر هذه السقطة.
وهذه الظاهرة "الشاذة" ظهرت وكأنها إنكار لوجود الظاهرة أصلا، ومن ثم طمس الشواهد الدالة عليها، والتمسك بشواهد غائبة وغير موجودة أصلا لحماية الإطار الفكري وتكريسه مجددا، وبالتالي حماية الاعتقادات والتصورات العزيزة على النفس.
ولكن للوقائع والأحداث ودلالاتها قوة تسخر من أمثال هذه العواصف السهلة والرغبات المسبقة، فالشواهد الدالة على وجود الظاهرة تصريح للصحافة أصدره محمود درويش في 1984/3/31 يعتبر فيه أن الكاتب الفلسطيني لن يكون إنسانيا إلا إذا شارك في تظاهرة صنعاء.
= = =
مجلة "التعميم". العدد 58، الثلاثاء، 1 أيار (مايو) 1984. ص ص 18-19. تشير "التعميم" إلى أن المقالة منقولة عن صحيفة "القبس" الكويتية دون ذكر تاريخ العدد المنقول عنه.
- نشرة التعميم
◄ عود الند: مختارات
▼ موضوعاتي