فراس حج محمد
الشخصية في صيادون في شارع ضيق
الشخصية في رواية جبرا إبراهيم جبرا "صيادون في شارع ضيق"
هذا هو المقال الثالث الذي أقف فيه عند مناقشة رواية جبرا إبراهيم جبرا "صيادون في شارع ضيق"، وهو المقال الثاني المنشور في مجلة "عود الند الثقافية في العدد السابع والخمسين، بعنوان "صيادون في شارع ضيق: رواية الفكرة والفعل المجرد"، وكنت قد قدمت نظرة عامة حول الرواية وفكرتها العامة دون الخوض في تفصيلات العمل الأدبي في مقال نشر في صحيفة العرب (2/2/2012)، وأخصص هذا المقال للحديث حول شخصيات هذه الرواية التي أبدعها جبرا إبراهيم جبرا في أوائل الستينيات من القرن المنصرم.
تشكل الشخصية في الرواية عنصرا أساسيا، فالشخوص هم من يقوم بعرض الأحداث، ومناقشة الأفكار، وتزدحم رواية "صيادون في شارع ضيق" بعدد كبير من الشخصيات، تجاوزت خمس عشرة شخصية، وكثرة هذه الشخصيات له ما يبرره في رواية تصور مجتمعا كاملا في فترة زمنية ما.
وشخصيات الرواية متعددة المستويات: فكان منها البقال الذي يبيع بالدَّيْن ، إلى رجال السلطة، مرورا بالمثقفين، وتعكس هذه الشخصيات أفكارا محددة قصد الكاتب مناقشتها بطريقة فنية مقنعة، هي الرواية.
وهذا لا يعني أن الرواية هي رواية شخصية ؛ فالمتن الحكائي لا يتمحور حول شخصية واحدة، بل هي رواية أفكار تناقشها شخصيات على مستوى واحد من الأهمية؛ فعدنان طالب وحسين عبد الأمير وتوفيق الخلف وعبد القادر ياسين وبريان فلنت وجميل فران وسلافة، هم الشخصيات الفاعلة التي تؤدي دورا وظيفيا في الرواية.
ومن هذا المنطلق، فإن جبرا إبراهيم جبرا تعامل مع هذه الشخصيات واصفا إياها من الخارج، فلم يدخل إلى عمق الشخصيات، بل يكتفي من الشخصية ما يفيده في عرض فكرته.
أما اختفاء جبرا وراء إحدى الشخصيات فتوصلت إلى ما يشبه القناعة التامة أنه يختفي وراء جميل فران، وفيما يأتي توضيح لذلك:
فهناك تشابه بين السارد جميل فران والكاتب جبرا إلى حد التطابق ؛ فكلاهما مسيحي فلسطيني، قضيا الطفولة في القدس ثم انتقل كل منهما إلى بيت لحم إثر النكبة عام 1948م، ثم هاجر كلاهما إلى العراق للعمل مدرسا للغة الإنجليزية وآدابها، وكلاهما يحمل شهادة في الأدب الإنجليزي من جامعة كمبردج، ولهما اهتمامات في الرسم والشعر، وكلاهما ترك أسرة فقيرة في بيت لحم، يقع على عاتق كليهما إعالة هذه الأسرة.
إذن، لا يمكن الفصل بين جبرا وجميل فران ، وإن حاول جبرا إبعادنا عن هذه الموازنة عندما قال:"وليس هناك أيما تشابه بين الروائي جميل فران والمؤلف إلا في أن الاثنين قد غادرا بيت لحم إلى بغداد عام 1948 لشغل منصب تعليمي في إحدى الكليات"/ الرواية ص(5).
وأظن أن جبرا أراد لفت نظر القارئ إلى التشابه بين الشخصيتين ليعقد مثل هذه الموازنة، فقد دل المتلقي على بعض مواطن التشابه وترك له البقية.
وجاءت شخصيات الرواية من حيث المشاركة في الأحداث على نوعين، وهما:
* الشخصيات الثانوية:
وهي الشخصيات التي تدعم في مشاركتها دور الشخصيات الرئيسية، وتبرزه، وهذه الشخصيات في غالبيتها كانت تمثل الفكر المضاد لفكر الــ "صيادون" في الشارع الضيق، ومن أمثلة هذه الشخصيات : عماد النفوي، أحمد الربيضي، السائق ، سلمى ، عبد ، فاطمة، الطباخة.
* الشخصيات الرئيسية:
هؤلاء هم من شكلوا الفكر الفاعل والمسيطر على جو الرواية، فكانت تثير اهتمام القارئ والناقد على حد سواء، فهم بالتالي الصيادون في شارع الرشيد الضيق، وهم: عدنان طالب وحسين عبد الأمير وتوفيق الخلف وعبد القادر ياسين وبريان فلنت وجميل فران، ومعهم سلافة المتحركة في فضاء الرواية ضمن معادلة فكرية خاصة بها.
أما من حيث طبيعة الشخصيات كما تبدو في الرواية، وتفاعلها مع الأحداث، فقد جاءت على نوعين:
* الشخصيات المستديرة:
وهي الشخصيات النامية المتطورة مع الحدث، المتفاعلة مع المتن الحكائي، وتبدو شخصية سلافة بصورة واضحة من هذا النوع؛ إذ رفضت زواجا اجتماعيا تقليديا، فتتصرف بناء على اقتناع شخصي بعد أن كانت أشبه بقطعة أثاث يغالي أبوها في الحرص عليها.
* الشخصيات المسطحة:
وهي الشخصيات الثابتة على حالة واحدة، من أول المتن الحكائي حتى نهايته، ومن هؤلاء كانت شخصية كل من: عدنان طالب وحسين عبد الأمير وتوفيق الخلف وعبد القادر ياسين وبريان فلنت وجميل فران، فكل واحد منهم يحمل فكرة يدافع عنها، فهم أشبه بالنماذج الفكرية منها إلى شخصيات حية واقعية، فهي شخصيات نمطية إلى حد كبير، في حين أن سلافة، وهي الشخصية المستديرة هي شخصية نموذجية، توضح الرواية جزءا من حياتها الخاصة وإن كانت تمثل فكرة في الرواية، وهي تحرير المرأة من الهيمنة الاجتماعية، إلا أن موضوع الحب في الرواية أكسبها حيوية وتدفقا مما يجعلها شخصية متفردة، متميزة عن باقي شخصيات الرواية، فلذلك تبدو مقنعة ومدهشة في آن.
◄ فراس حج محمد
▼ موضوعاتي