مختارات: أحمد السطاتي
سارتر وجائزة نوبل
أدناه مقتطف من المجلة الثقافية المغربية "أقلام". السنة الأولى. العدد الخامس. تشرين الأول (أكتوبر) 1964. عنوان المقالة: "سارتر وجائزة نوبل". كاتبها: "رئيس التحرير". المعلومات عن المجلة تشير إلى أن رئيس التحرير: أحمد السطاتي؛ محمد إبراهيم بوعلو.
للمرة الثالثة تُرفض جائزة نوبل منذ أن تأسست سنة 1896، وهو التاريخ الذي مات فيه الفرد نوبل مخترع الديناميت. كان أول من رفض جائزة نوبل هو الأديب الإنجليزي [الآيرلندي] برنارد شو عندما منحت له عام 1926، فتبرع بمقدار الجائزة الذي يبلغ تسعة عشر ألف جنيه إسترليني إلى مؤسسة تقوم بترجمة الكتب السويدية إلى الإنجليزية.
والأديب الثاني الذي رفض الجائزة بوريس باسترناك، السوفياتي الذي أحدث ضجة في الأوساط الأدبية عندما نشر كتابه "الدكتور جيفاغو". وباسترناك قبل الجائزة في بداية الأمر سنة 1956، إلا أنه أعلن رفضه لها بعد يومين من قبوله وذلك بعد أن منعته سلطات موسكو من القدوم إلى ستوكهولم لتسلم الجائزة.
أما سارتر فإن رفضه للجائزة يختلف عن رفض سابقيه، فقد أعلن سارتر عن رفضه للجائزة قبل أن تمنح له مما أوقع أعضاء الأكاديمية السويدية في حيرة من أمرهم. فسارتر لم يكتف بأن رفض الجائزة، إلا أنه برر هذا الرفض تبريرا ينسجم، إلى حد كبير، مع آرائه الفلسفية.
وموقف سارتر إزاء جائزة نوبل يعتبر موقفا مشرفا له ويضاف إلى جملة المواقف التي اتخذها أكثر من مرة.
واستند سارتر في رفضه للجائزة، حسب قوله، إلى نوعين من الأسباب: أسباب شخصية وأسباب موضوعية. ولم يذكر ما هي الأسباب الشخصية التي دفعته إلى رفض الجائزة، واقتصر على ذكر الأسباب الموضوعية. إلا أن الشيء الذي يدعو إلى التساؤل هو ما يأتي: هل الأسباب الموضوعية التي ذكرها هي ممن القوة بحيث يمكن أن تكون كافية لتبرير رفضه الجائزة؟
لنستمع إليه يحدثنا عن الأسباب الموضوعية:
"إن الكاتب الذي يتخذ مواقف سياسية واجتماعية وأدبية يجب أن يعمل فقط بوسائله الخاصة أي الكتابة. فجميع ما يتلقاه من تمييزات خارجية سيعرض حتما قرّاءه لضغط لا أرى أنه مرغوب فيه".
وأضاف:
"إن المعركة التي يمكن أن تقوم الآن على الصعيد الثقافي هي معركة التعايش السلمي بين ثقافتين متقابلتين: ثقافة شرقية وأخرى غربية. وإني لأعلم بأن تصادم هاتين الثقافتين لا بد وأن يكتسي صبغة الصراع، ولكنه صراع يجب أن يمتد إلى الأشخاص وإلى الثقافات دون أي تدخل أو تأثير أيديولوجي".
وبعد أن يبين الأسباب التي من أجلها يرى أن التناقض ما يزال قائما بين هاتين الثقافتين قال:
"إن ميولي تتجه نحو الاشتراكية أو نحو ما يسمى بالمعسكر الشرقي. ولكنني ولدت ونشأت في أسرة برجوازية، ولهذا فإنني لن أقبل أي جائزة تمنحها لي مؤسسة ثقافية عليا سواء كانت في الشرق أو في الغرب. وسأرفض مثلا جائزة لينين للسلام فيما لو منحت لي".
ثم حدد سارتر ما تعنيه جائزة نوبل فقال:
"إن جائزة نوبل تعتبر في المرحلة الراهنة امتيازا يمنح لأدباء الغرب وللأدباء الثائرين في الشرق. وإنه لمما يؤسف له أن تمنح جائزة نوبل لباسترناك بدل أن تمنح لشولوكون، وأن يكون العمل الأدبي الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل في روسيا معروفا في الخارج وممنوعا في روسيا نفسها".
وأضاف جان بول سارتر موضحا فكرته:
"لقد كنت مستعدا لقبول جائزة نوبل مع كامل الامتنان أثناء حرب الجزائر حينما وقّع مئة وواحد وعشرون كاتبا عريضة تطالب باستقلال الجزائر. لو منحت الجائزة لي في ذلك الوقت لكانت شرفا وتقديرا للحرية التي كافحت من أجلها، ولكن شيئا من هذا لم يقع".
وانتقل سارتر لسبب موضوعي آخر دعاه لرفض الجائزة فقال:
"إن الأمر بتعلق بمفهوم الحرية في الغرب حيث يتحدثون عن حرية عامة. أما أنا فأقصد حرية واقعية أقل تجريدا، قوامها الحصول على أكثر من زوجين من الأحذية وعلى الطعام الوفير.
ويبدو لي أن رفض الجائزة أقل خطورة من قبولها، لأن قبولها معناه أنني ارتضيت لنفسي ما سأسميه بالاستعادة الموضوعية (recupetation objective). ولست أقصد بهذا أن جائزة نوبل جائزة برجوازية، ولكن هذا هو التفسير البرجوازي الذي ستعطيه لها دون شك بعض الأوساط التي أعرفها جيدا".
= = =
رابط المقالة في أرشيف المجلات العربية:
- غلاف: مجلة أقلام
◄ عود الند: مختارات
▼ موضوعاتي