مختارات: مجلة "الفكر" التونسية
إلى القارئ
السنة4. العدد 2. 1958/11
.
أدناه افتتاحية العدد الثاني (السنة الرابعة) من مجلة "الفكر" التونسية. نوفمبر (تشرين الثاني) 1958.
.
إلى القارئ
هذا العدد أردناه تحية إكبار وتقدير للثورة الجزائرية التي تدخل هذا الشهر في عامها الخامس وتواصل بثبات وعزم سعيها إلى هدفها المقدس ألا وهو الاستقلال وتقرير المصير.
وقراء "الفكر" يعلمون أن هذه المجلة لم تزل منذ نشأتها موفية إلى المثل العليا التي يتوق إليها رجال الثورة، واقفة إلى جانب الجزائر الباسلة المتوثبة بما نشرته وتنشره من دراسات للواقع الجزائري وشهادات عن القمع وأعمال العنف وسياسة الإبادة الإجرامية، وبما نشرته أيضا وتنشره من أدب إنشائي مستوحى من هذه المغامرة الإنسانية العظمى التي يريد بها إخواننا الجزائريون بناء كيانهم من جديد وبعث شخصيتهم عزيزة طريفة خلاقة.
إن تضامننا الإيجابي المتماشي مع طبيعة هذه المجلة التقدمية وماهية رسالتها الإنسانية لا نستمده من روابط الأخوة والجوار ووحدة اللغة والمعتقد فحسب، فإن لهذه الروابط وزنا وأي وزن في معيار أعمالنا ومواقفنا من غير شك، ولكننا نحب أيضا أن نخرج بالقضية الجزائرية من حدود العائلة الإسلامية الكبرى وصعيد المغرب الكبير المظفر إلى دائرة البشرية المتضامنة حتما في السراء والضراء، ونستشرف بها إلى أفق الإنسانية المتطلعة إلى الخير والإخاء والمحبة.
ذلك أن المعمورة الفاضلة، التي تبينها فيلسوف الإسلام أبو نصر الفارابي منذ عشرة قرون، لا تبلغ تمامها حتى تقوم كل أمة من مجموع أممها برسالتها وتقدم قسطها - مهما تواضع - للسير بالحضارة إلى غايتها المطلقة تستمده من أعمق أعماق شخصيتها واطرف ما تجود به قريحة أبنائها الأصلية.
والأمة الجزائرية أمة لها كيانها ومقوماتها ولها شخصيتها وتاريخها، وهي أمة أنبتت تربتها أعلاما في الأدب والعلم والفن منذ فجر التاريخ إلى القرن الماضي.
وإن الاستعمار الفرنسي بمحاولته مسخ هذه الأمة وطمس معالمها وفرنسة أبنائها واستئصالهم من طبيعة بيئتهم ونوع حياتهم أجرم في ذات الإنسانية إجراما، إذ هو أوقف جد ولا أخصب من هذه الجداول التي تغذي دوما نهر الحضارة والفكر.
فتضامننا مع إخواننا ليس إذن من باب "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" فقط، بل هو انتصار للفكر وانتصار للقيم العليا وصرخة داوية نأمل أن تحرك الضمائر وتحفز صاحب القلم في كل مكان لينضم إلى جبهة الخير في صراعها ضد قوى الشر.
بذلك يتحقق الأمل ويعلو الحق وينطلق الفكر والأدب والفن في أرض الكفاح والتضحية وتسترجع الأمة الجزائرية مكانتها في عائلة الإنسانية الكبرى، ولا يبقى إلا أن تردد الأجيال "لعنة الفكر" على الاستعمار الفرنسي بالجزائر الخالدة.
= = =
المصدر: أرشيف الشارخ للمجلات الأدبية والثقافية والعربية.
https://archive.alsharekh.org
رابط العدد في الأرشيف:
https://archive.alsharekh.org/contents/97/9798
- غلاف مجلة الفكر
◄ عود الند: مختارات
▼ موضوعاتي