عدلي الهواري
كلمة العدد 57: المرحلة القادمة مسؤولية الجميع
في عصر كهذا تشاهد فيه بعينيك صور الجماهير العربية تملأ الساحات والشوارع في أكثر من مدينة وفي أكثر من بلد في آن، يصعب أن تكتب شيئا، فالأفكار تتزاحم في الذهن، وتحتار في اختيار واحدة موضوعا لكلمة كهذه. ولكن هذه اللحظة التاريخية يجب الوقوف عندها حتى ولو لم يحسن الإنسان التعبير.
بعد مرور عقود على ممارسة الديمقراطية في الدول التي تقوم نظمها عليها، كان التحدي الأكبر ولا يزال كيف يمكن شمل المزيد من أفراد الشعب في ممارسة الحق الديمقراطي، وألا يمنعه من ذلك الفقر أو اللون أو الدين. أما في العالم العربي فقد كان الاتجاه نحو منع نشوء ديمقراطية، واحتكار القرارات في يد شخص واحد أو مجموعة صغيرة، والبقاء في الحكم مدى الحياة، وتوريث الحكم حتى في الجمهوريات. لا عجب أن الشعوب ثارت.
ثمة حاجة إلى التنبيه إلى ضرورة تفادي تقسيم الشعب إلى شباب (رجالا ونساء) يجترحون المعجزات، وجيل آخر كثرت الإشارات إليه كجيل الهزيمة أو جيل خايب. هذه أقوال تبالغ في مجاملة الشباب. تذكروا أيها الشباب أن الأجيال الأخرى (شيبا وشبانا، رجالا ونساء) ناضلت بالطرق التي كانت متاحة لها، ولا تلام على عدم النجاح، بل تشكر لها محاولاتها، ويشكر كل من حاول.
لماذا نجحت المحاولات هذه المرة ولم تنجح في الماضي؟ لا أعتقد أن أحدا يملك الإجابة. لا تتشابه المراحل التاريخية ولا تتهيأ في كل وقت الظروف التي يتحقق فيها النجاح. العالم تغير كثيرا في العقدين الآخرين. لا شك في أن أحد أسباب النجاح الثورة التقنية التي لا تعترف بالحدود، والتي توفر وسائل التعبير لكل من يرغب في ذلك مجانا، والتي قوضت احتكار الحكومات لوسائل الإعلام. ولكن هذا واحد من أسباب كثيرة أتوقع أن تطول قائمتها. ومن المؤكد أيضا أن الشباب نجحوا بعد انضمام مختلف قطاعات الشعب إليهم.
أكبر خطر على محاولات التغيير التفكير فقط في المرحلة الآنية، مرحلة المعركة أو فك الحصار، وعدم التفكير في المرحلة التي تليها. ستكون مأساة أن تخرج الجماهير بأعداد غفيرة وتقدم التضحيات لتنعم بالحرية لفترة وجيزة، أسابيع قليلة، ثم تعود إلى وضعها القديم، وتصبر خمسين عاما آخر أو مئة قبل أن تتحرك من جديد.
مع أن النجاح المتمثل في إزاحة رأس النظام مهم، إلا أنه ليس كافيا إذا بقي جوهر نظام الحكم كما كان. لذلك يجب التركيز على المرحلة القادمة، فنجاحها ضروري لكيلا يضيع نجاح المرحلة الأولى. المرحلة القادمة يجب أن تكون مرحلة العيش في القرن الحادي والعشرين بعقليته. لا توجد في الماضي صيغ أفضل مما يمكن أن يجود به الفكر الحر في الوقت الحاضر أو المستقبل.
والمطلوب في كل الدول العربية، حيث أزيح الحاكم، وحيث بقي، نظم تخدم الشعوب لا تستعبدها، وكل من يدير الحكم فيها يجب أن يفعل ذلك وفق برنامج يحظى بمباركة أغلبية الشعب من خلال انتخابات حرة ونزيهة تتنافس فيها الأحزاب والأفراد، ويتم الرجوع إلى الشعب كل خمس سنوات مثلا. هذه مهمة الجميع، الرجال والنساء، الشباب والكهول، الذين يستخدمون فيسبوك، والذين يستخدمون الورقة والقلم.
مع أطيب التحيات
عدلي الهواري
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]