عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

كتاب ذلك اليوم العصيب وشؤون أخرى

مقابلة مع عبد الحميد صيام


عبد الحميد صيامصدر للدكتور عبد الحميد صيام، الأستاذ في جامعة رتغرز الأميركية (Rutgers) بولاية نيوجرزي، كتاب عنوانه ذلك اليوم العصيب. الكتاب الذي صدر الشهر الماضي يضم مجموعة من المقالات التي نشرت على مدى عامين في صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن، وقدم له رئيس تحرير الصحيفة عبد الباري عطوان. قبل دخول ميدان العمل الأكاديمي، عمل المؤلف في الأمم المتحدة، وتولى مسؤوليات متعددة، شملت العمل ناطقا لبعثات الأمم المتحدة في مناطق عدة (أنظر خبر صدور الكتاب). عود الند حاورت المؤلف حول كتابه وشؤون أخرى.

س. لماذا قررت أن تجمع هذه المقالات في كتاب؟

ج. هذه ليست مقالات بالمفهوم التقليدي للمقال. إنها انعكاس لتجربة طويلة أثناء العمل مع المنظمة الدولية وبعد الخروج منها. فالجزء الكبير من هذه المقالات يجمع إلى جانب البحث العلمي الدقيق، الذكريات الدقيقة لتجارب خضتها بنفسي والانطباعات والتأملات الوجدانية التي لا تموت مع التقادم. التجربة الإنسانية الفريدة يجب أن تحفظ وتعمم قدر الإمكان. فليس من السهل أن تجد هذا الكم من التجارب المنوعة بين دفتي كتاب. لقد أشار عليّ الكثير من الأصدقاء أن أجمع هذه المقالات في كتاب. وبالفعل عندما قررت ذلك في ربيع هذا العام (2010)، وبعد تشجيع من الصديق عبد الباري عطوان وإبدائه استعدادا لكتابة التقديم، قررت إصدار الكتاب، وأعدت النظر في كل مقال، وأضفت عليه لمسات وتفاصيل تتلاءم مع متطلبات الكتاب.

لقد تعمدت أن أصنف المقالات التي تخدم موضوعا معينا ضمن فصل واحد. ثم قمت بترتيب تلك المقالات زمنيا للتسهيل على القراء. فبعض تلك المقالات أشبه بالسلسلة تقرأ بطريقة متدرجة لتصبح الصورة أكثر اكتمالا ووضوحا كما هو الحال في سلسلة مقالات كتبتها عن الانتخابات الأمريكية أو سلسلة المقالات الخمسة التي كتبتها عن زيارة فلسطين المحتلة في صائفة 2010. بعض هذه المقالات يكتسب أهمية تأريخية حيث يوثق للحظات مضى عليها زمن وقد تنتهي إلى النسيان كما هو الحال في المقال الذي يوثق الانهيار العربي خلال ثلاثين سنة (1975-2005) والمقال الذي يتحدث عن التقارير الستة حول الهجوم على غزة أو التقارير التي تعالج ممارسات الاحتلال والتي تم طمسها وتغييبها عن عمد وسبق إصرار. فبعض المعلومات التي تضمها هذه المقالات الموثقة تكتسب أهمية تاريخية لخصوصيتها بل وأتمنى أن يقرأ هذا المقالات كل غيور على أمته ليشاهد كيف انحدرت من موقع العزة والكرامة إلى مواقع الهوان والضعف والتفكك والانهيار. كما أن المقالات التي تتعلق بدور الأمم المتحدة ومسؤوليها وممثليها في المنطقة والدور المشبوه أو المتآمر على الحقوق العربية تكتسب أهمية إضافية لأنها ما زالت وثيقة الصلة بالواقع الحالي والمستقبل الذي يتم صياغته بطريقة لا تخدم جماهير هذه الأمة وتطلعاتها. أستطيع أن أؤكد للقراء الأعزاء أن هذا الكتاب يحمل في طياته المتعة والفائدة والمعلومة، ولا بد لكل قارئ أو قارئة أن يجد فيه إما نفعا أو متعة في اللغة والسرد والعرض أو معلومات إضافية يضيفها إلى مخزونه الثقافي حول تلك المواضيع المعاصرة والتي قد يكون عاش جزءا منها.

س. كيف كان رد الفعل على إصدار الكتاب. لقد كان حفل التوقيع حاشدا. ما هو تفسيرك لذلك؟

ج. بالفعل، عندما بدأت أحضر لحفل الإطلاق والتوقيع يوم الرابع والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر، لم أكن أتخيل أن للكتاب أصدقاء بهذا الشكل. كنت أظن أن الوقت قد مضى عندما كان الكتاب "خير جليس في الزمان". لدهشتي العارمة فكلما دعوت صديقا طلب مني أن يحضر معه صديقا آخر أو أكثر. حتى غصت القاعة بنحو 400 مشارك وقد عاتبني الكثير لأنهم لم يدعوا إلى الحفل. وقد اخترت ثلاثة متكلمين رئيسيين وثمانية معلقين. أما المتكلمون الثلاث فهم: سعادة السفير الدكتور بشار الجعفري، الممثل الدائم للجمهورية العربية السورية الذي أعاد بكلماته الرقيقة خطاب الصمود ومفردات المقاومة ورفض الاستسلام التي كادت أن تختفي في تفاصيل المشهد العربي. ولا أملك إلا أن أنحني احتراما لما ذكره من صفات في كتاباتي تجعلني أزيد تواضعا وأرتقي كتابة وأتمسك أكثر بشعاري الدائم "بحث عن الحقيقة ودفاع عن الحق".

ثم الأستاذ عبد الرحيم فقرا، رئيس مكتب قناة الجزيرة في واشنطن، بلغته الجميلة وتحليلاته العميقة وثالث المتحدثين كان الأب خضر اليتيم، راعي كنيسة السلام العربية في بروكلين، بكلماته الرقيقة والعذبة التي سلطت الأضواء على معنى الالتزام بقضية الحق في فلسطين. لقد كان المتحدثون الثلاثة يمثلون الأبعاد الثلاثة التي تعبر عن تجربتي: الأمم المتحدة والإعلام والنشاط من أجل القضايا العربية وعلى رأسها القضية المركزية.

ومن بين المعلقين سماحة الشيخ محمد القطناني، خفيف الظل والروح والذي رش بكلماته على الحضور قطرات من الندى أفعمت الجو لطافة ورقة جميلتين، والرفيق الكاتب والصحفي سعيد عريقات والشاعر يوسف حمدان، والصحفي عدنان الحروب والأستاذة الجامعية وهيبة أبو راس والصحفية الإذاعية لميس أنس والشاعر حمدان القضاة والناقد علي العطعوط. لقد تناول كل متحدث جانبا من الكتاب أو الكاتب فحللوا وعلقوا على كل صغيرة وكبيرة يتميز بها أسلوب الكاتب ومواضيع الكتاب.

لقد كان لقاء حميميا مع أحبتي وأصدقائي وأبناء بلدي وأهلي وعائلتي... رفاق درب وأصدقاء طفولة وزملاء مدرسة أو جامعة أو ميادين نضال ونشاط، جاؤوا من كل حدب وصوب ليشاركوني الاحتفاء بإطلاق كتابي "ذلك اليوم العصيب". لقد تعرفت على نفسي تلك الليلة أكثر من ذي قبل. فقد رأيت "من أنا" من خلال عيون الآخرين، وسمعت أشياء عني من خلال كلمات الأصدقاء الذين فتحوا صفحات من حياتي كانت مغلقة، واقتبسوا جُملا من كلام كنت نسيته، وذكروني بحوادث وأحداث ووقائع كنت أظنها دفنت في أرشيفات الذاكرة البعيدة، وأسمعوني وصفا لمسلكيات فيّ لم تكن تستوقفني لأنها كانت بالنسبة لي عادية جدا.

لقد كان الإقبال على الكتاب كبيرا. فبعد الإطلاق في نيوجرزي، قمت بعدة أنشطة حول الكتاب في شيكاغو وبروكلين والمقر الدائم للأمم المتحدة وجامعة رتغرز بنيوجرزي وهناك جدول لقاءات وقراءات في أكثر من موقع ومؤتمر ولقاء. إنني الآن أبحث عن طريقة لنشر هذا الكتاب في الوطن العربي الكبير. آمل أن أوفق في هذه الجهود.

س. ما هي الرسالة الأساسية التي يحملها الكتاب؟

ج. الرسالة الأساسية تقول إن الأمة العربية حتى ولو لم تكن قادرة على تحقيق الانتصار، فهي غير مجبرة على توقيع وثيقة الاستسلام. إن الشعوب الحرة الأبية التي تمسكت بحقوقها ولم تساوم ولم تفرط ولم تخن ولم تطعن الشرفاء في ظهورهم هي التي حققت حريتها واستقلالها وعزتها وكرامتها. والرسالة الأساسية الثانية هي أن عاهات هذا الوطن متشابكة ومترابطة، وأن أقلمة التحديات لا يعني حلها بل تفاقمها. فلا يمكن لهذه الأمة أن تنهض من كبوتها إلا باعتماد مسلمات تداول السلطة وسيادة القانون وجماعية القرار وتمكين المرأة وحرية التعبير وحرية الدين والمعتقد وحرية التنقل والسفر ونظام للمساءلة واحترام حقوق الإنسان وغير ذلك. فما دام يتربع على رؤوس هذه الأمة قيادات لا علاقة لهم بشعوبهم وآلامهم وآمالهم، فلا نرى خروجا من هذا المأزق التاريخي التي وجدنا أنفسنا فيه وعناوينه الرئيسية التفكك والتخلف والانهيار ونهب الثروات والاستقواء بالخارج والتآمر على الأهل وتغيير الأولويات والتنازل عن الكرامة الوطنية.

فمن يجدف عبر الكتاب يتوقف عند كل مقال ليستخلص بنفسه الدرس الموجه إلى هذه الأمة حيث لا يكاد يخلو مقال من مثل تلك الإشارة مبطنة حينا وظاهرة أحيانا. وليلتفت القراء الكرام إلى مقال التحديات الاقتصادية في العشرية القادمة أو الرسالة الموجهة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية أو ظاهرة تغييب الاحتلال أو العرب وقضاياهم الغائب الأكبر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة أو الاتفاقيات الأمنية دخول معبد بالوعود وخروج ملطخ بالدماء، وسيستخلصون رسائل متشابهة وموحدة.

س. زرت بحكم عملك في إعلام الأمم المتحدة دولا عديدة هل توصي بالنظام المتبع في أحدها للدول العربية؟

ج. لا يوجد نظام بعينه يصلح لكل الأنظمة في كل مكان وزمان. لكن هناك مجموعة مبادئ أساسية تصلح لكل الدول والشعوب ويمكن لكل شعب أن يكيف تلك المبادئ بما يتناسب مع خصوصيته الثقافية والتاريخية والحضارية. لقد ضمنت هذه المبادئ في مقال بعنوان عشر مسلمات تجاوزها العالم إلا النظام العربي. جوهر هذه المبادئ هو أن يكون النظام ممثلا لشعبه بطريقة حقيقية تتيح فرصة للمعارضة أن تصبح سلطة وللسلطة أن تصبح معارضة بطريقة سلمية حضارية بعيدة عن العنف والرشوة والخوف والتزوير. من أعطى هؤلاء الحكام صكا أبديا يبقيهم على رقاب شعوبهم؟ نظام التمثيل الحقيقي ليس محصورا على منطقة دون أخرى أو على الدول الغنية دون الدول الفقيرة. أنظر إلى نظام التمثيل الحقيقي والعدالة والتنمية في بلد مثل البرازيل وتشيلي والهند وغانا وبوتسوانا وجنوب أفريقيا وماليزيا وتركيا. هذه دول كانت أقرب إلى الدول العربية أو أكثر تخلفا قبل عقدين من الزمان. قارن بينها وبين المنظومة العربية لتعرف أين وصلت تلك الدول وأين نحن الآن. فالاقتصاد التركي يعادل مجموع كل ما تنتجه الدول العربية مجتمعة إذا ما استثنينا النفط. قارن بين الاقتصاد الإيراني الذي تعرض لحرب طاحنة على مدى ثماني سنوات وبين نظيره المصري لتعرف حجم المأساة التي تعصف بهذا الوطن. لن تخرج هذه الأمة من أزمتها إلا بتمكين الشعوب عن طريق التمثيل الحقيقي كي تصبح السلطة مرآة صقيلة تعكس خيارات شعوبها وتعمل على تحقيقيها كاملة أو شبه كاملة.

س. تعمل الآن في التدريس الجامعي بعد عمل طويل في المنظمة الدولية. هل من مزايا تجدها في المجالين؟

ج. العمل في الأمم المتحدة تجربة عملية فريدة فتحت لي سفر الحياة بكافة وجوهها. ففي كل محطة حللت فيها تزودت بخبرة ميدانية غنية صاغت وما زالت طريقة تفكيري ونظرتي الكونية للحياة بصعوباتها ومشاكلها. فمن فقراء إثيوبيا ومهمشي جنوب أفريقيا إلى النساء ضحايا العنف في أفغانستان، ومن ضحايا الحصار الظالم الكاسر على العراق إلى ضحايا الحصار والفوسفور والصواريخ في غزة، ومن قصور الأغنياء العرب التي تطل على بحيرة لومان في سويسرا إلى فلل المترفين من أمراء النفط التي تحاكي قصور ألف ليلة وليلة. هذه هي الصورة الحقيقية للعالم: فئات مطحونة لا تجد قوتها اليومي وتموت جوعا أمام عيون العالم، وفئات مترفة تستطيع إنقاذ كافة جوعى العالم بما تلقي به من فضلات. أليس هذا هو الظلم بأقسى أشكاله؟

التعليم الجامعي لأجيال المستقبل في مجمله نظري. إن أكثر ما يثلج صدري هو أن أرى هذا العدد من الطلبة الجامعيين في مقتبل سني العمر يتلقفون المعرفة ويحولونها إلى نشاط. أفتخر بإقامة أفضل العلاقات مع طلابي. وقد اتبعت سابقة ما زلت أكررها وهي أن آخذ طلبتي مرة في كل فصل لزيارة مبنى الأمم المتحدة وترتيب لقاءات مع المسؤولين والدبلوماسيين وبالتالي أفتح عيون الطلبة في عمر مبكر على التحديات الكونية كالفقر والعنف والأمراض المزمنة والمعدية والكوارث الطبيعية والتغير المناخي والاتجار في البشر وانتشار الجريمة والمخدرات والإرهاب بشقيه إرهاب الأفراد وإرهاب الدولة ووجود أكثر من 20 مليون لاجئ وأكثر من 30 مليون مشرد داخليا. كل هذه القضايا تشكل تحديات كونية للعقود القادمة ولا تستطيع دولة بمفردها أن تنتصر على أي من هذه التحديات. فالحل لا يكون إلا بالعمل الجمعي فإما أن ننقذ سفينة الحياة معا أو تغرق ونغرق جميعا معها. وهدفي من هذه الزيارات والتواصل مع المنظمة الدولية هو أن أساهم في صقل الإنسان الكوني القادم.

س. كيف يمكن شراء نسخة من الكتاب؟

ج. يمكن الدخول إلى موقعي وطلب نسخة من خلاله باستخدام خدمة بيه بال (PayPal) أو بطاقة ائتمان. عنوان الموقع هو:

www.siyam.info

أرحب طبعا بأي تعليق أو استفسار أو مراجعة للكتاب. ويمكن الكتابة لي على أحد العنوانين الإلكترونيين المثبتين على نفس الموقع. وأشكر مجلة عود الند الراقية لتفضلها بهذه المقابلة.

JPEG - 23.4 كيليبايت
غلاف كتاب عبد الحميد صيام
D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2010     A عبد الحميد صيام     C 0 تعليقات