عــــــود الـــنـــــــد

أحترم كغيري الفكر والمفكرين، لا جدال في ذلك، فللفكر دور مهم في الحياة وتطورها. ولا شك في أن أحوال العالم العربي بحاجة إلى تطور فكري واجتماعي وعلمي وتقني وخلافه. وألاحظ، كنوع من الإشادة بالمفكر الفلاني أو العلاني، ربطا له بفكر ابن رشد، وتطور الأمر إلى منح لقب وريث ابن رشد.

ثمة تعامل مع الإنسان العربي لا يحترم ذكاءه، ويعتمد على اختيار شخصية من التاريخ العربي الإسلامي وتقديمها له على أساس أنها النموذج السحري الذي يحتذى به.

الإنسان العربي والمسلم يستطيع أن يتعامل مع الأفكار الجديدة دون محاولة تبسيطها وتغليفها له لتبدو مقبولة بربطها بشخصية ما من التاريخ العربي الإسلامي. لا فرق بين اختيار شخصية أبي ذر الغفاري كممثل لاشتراكية إسلامية، وبين اختيار ابن رشد كشخصية لعقلانية عربية إسلامية. الأولى اختيرت في عصر ازدهار الأفكار والحكومات الاشتراكية، والثانية هي التي تروج حاليا.

حتى عندما يتم اختيار شخصية فذة من التاريخ العربي وتقديمها كدليل على قيمة ما تجسدها هذه الشخصية، ثمة انتقاص من مجمل التاريخ العربي الإسلامي الذي يتعامل البعض معه كتاريخ سلبي عموما ولم تظهر فيه سوى حالات استثنائية محدودة جديرة باستحضارها من التاريخ لتصبح نموذجا يقتدى به.

مع الاحترام الشديد لابن رشد، لا اعتقد أن الحصول على لقب وريث ابن رشد إطراء ما بعده إطراء. هناك مشكلات عديدة في العالم العربي، ثمة إجماع على ذلك، ولكن ما هو الحل؟ أهو بظهور ابن رشد آخر؟ لا يكفي في عصرنا الحالي أن يظهر بطل واحد ليحل كل المشكلات بعبقرية فذة لا تتوفر إلا فيه.

حبذا لو كففنا عن استحضار شخصيات من التاريخ، ولنركز على الموجود حاليا، بعيدا عن ظاهرة "الاستثنائية" بمعنى أن فلانا أو فلانة حالة استثنائية لم يشهد مثلها من قبل ولن تتكرر، سواء في الشعر أو الرواية أو المسرح أو الفكر أو السياسية.

إن الترويج لنموذج شخصية واحدة من التاريخ يكرس، ويعيد إنتاج، ظاهرة سلبية تقع عليها بعض المسؤولية في المشكلات التي يعانيها العالم العربي. كفانا ترويجا لعقلية "نحن دونك لا نساوي شيئا." يجب أن يكون لدينا، بل لدينا، مئات من أمثال ابن رشد وابن خلدون وأي شخصية أخرى من تاريخنا القديم والحديث.