هدى الدهان - العراق
مسلسل "ما ملكت أيمانكم"
عين على الإعلام
بداية لا بد من الإشارة إلى أن المسلسلات الرمضانية لم يكتمل عرضها بعد، فنحن لا نزال في منتصف الشهر تقريبا، ورب قائل يقول لا يمكن الحكم على كتاب بعد قراءة نصفه. ولكن المسلسل ليس كتابا يمكن أن تقضي ساعات أكثر لتفرغ من قراءته والكتابة عنه بعد ذلك، فأوقات عرض المسلسل محدودة وحسب جدول زمني لا يتحكم المشاهد به.
ولكن آثرت الكتابة عن مسلسل "ما ملكت أيمانكم" قبل اكتمال عرضة لسببين، أولهما أنني أعتبره مسلسلاً قويا. هو الحياة نفسها بواقعيتها المرة. والسبب الثاني تعرض المسلسل إلى انتقادات من بعض المتدينين، من بينهم الشيخ محمد سعيد البوطي، الذي تراجع عن نقده للمسلسل بعد أن أوضح مخرجه نجدة أنزور أنه لا اسم المسلسل ولا محتواه يسيء إلى الدين أو المتدينين.
يتميز مسلسل "ما ملكت أيمانكم" بأنه يزيل البرقع والحجاب وما يستر من الملابس التي تتلفلف بها الروح الخائبة الهاربة ليعريها ويقول لها اكشفي عن جرحك وداويه قبل أن يكبر الدمل، إذ لا سبيل لمداواته بعدئذ ولا حتى بالكي.
رأيت واقعية رائعة: كيف يحجّم الرجل امرأة يبتغيها في السرير. حوار بطل شخصية نسيب الهشيمي مع بطلة شخصية غرام بأنه قضى وقتا ممتعا معها وبعلمها وبرضاها ودفع ثمنه وانتهى الأمر. كل شيء في مكانه بلا نواح ولا مط وسحب بالتلابيب.
أحد أسباب انتقاد المسلسل مشهد يفضح اللواط بين الطلاب، وممارسة طالب له نتيجة العوز المادي. في سياق انتقاد هذا المشهد على الإنترنت تساءل أحدهم: "ماذا أفسر لأولادي حين يسألوني ماذا يفعل الطلاب في الحمامات في هذا المشهد؟" أحد آخر كان رده: "لا تدع أولادك يشاهدون هذا النوع من المسلسلات." هذا الرد على التساؤل ليس حلا. الأصح هو الاعتراف بوجود هذا الواقع. اسألوا أي مدير مدرسة وسيحدثكم عما يسمع يوميا من مشاكل. الأفضل للأب أن يشرح لابنه أنه قد يتعرض لهذا الأمر في يوم ما، وعليه أن يرفضه، وبوادره تتمثل في كذا وكذا، وعليه ألا يدع أحدا يقترب منه أكثر من اللازم، والأهم هو إخبار الأهل بكل التفاصيل المريبة. هذا أفضل من أن نغمض عيوننا ونشتم المسلسل.
مشهد آخر تعرض للانتقاد يتعلق بالبطلة وكيف تقنع شابة أخرى بأنها فقدت بكارتها فلا تبكيها لأنها أولاً فقدتها بإرادتها وعلمها وهي ليست قاصرا، وأنها ذهبت بإرادتها ولم يجبرها أحد وقبضت الثمن وهذا هو المهم. وإن كانت الفتاة الأخرى تريد محو الأثر، فالحل يتلخص في قطبتين لا أكثر، وتم بالفعل إجراء عملية الترقيع وانتهى الأمر عند هذا الحد. هذا جزء من واقع يعكسه انتشار ظاهرة ترقيع البكارة، وخاصة أثناء زيارة دول غربية بذريعة السياحة.
المسلسل لم يترك علاقة واقعية لم يبحثها، وأجده قد فتح أعين الفتيات ليس على أمور لا يعرفنها، وليتهن يتعلمن كيف يتقين منها، وضرورة عدم الثقة بشاب يأتي ببنت لشقة. ماذا ستتوقع منه؟ أن يربت على يدها؟ قالها أحد الأبطال في المسلسل: "أنا رجل في الخامسة والثلاثين وهذه احتياجاتي، فإن شئت فاقبلي. لا أريد شيئا بغير إرادتك ورضاك. ولم ترض البنت وذهب كل في سبيله. أليست هذه واقعية مطلقة؟ الرجل ليس قديسا حين يختلي بامرأة.
لم أر في المسلسل ما يسئ إلى الإسلام. كل ما في الأمر أن في المسلسل شخصية تجسد رجلا متزمتا دينياً يمنع أخته من ابسط حقوقها. مثله مثل غيره من الرجال. وغيره ربما يتصرف بقسوة أكثر منه، فلماذا يعتبر رجلا متزمتا دينيا يعطي صورة سيئة عن الإسلام حينما يضرب أخته أو يجلدها حين يراها بشقة منفردة مع شاب عاري الثياب؟ أي رجل سيقبلها؟ العقاب قاس ولكن أصل الفعل للبنت كان خاطئا في مجتمعنا على الأقل.
- مسلسل ما ملكت أيمانكم
وكونه هو نفسه قد أخطا ولم يعترف بالخطأ وترك الفتاة التي حملت منه سفاحا فهذا أمر ممكن أن يحدث لأي رجل، وليس المتدينين فقط، هذا بغض النظر عن أن الفعل لم يتم في الشارع وإنما بشقة البنت وهي تجره جرا وبرضاها أيضاً.
عندما ينكر أب بنوة طفل من امرأة ليست زوجته، يتم اللجوء في الكثير من الدول إلى المحاكم، ويحسم الأمر باختبار حمض نووي دي ان اي (DNA)، وفي حال ثبوت البنوة تترتب على الأب تبعات قانونية بما في لك الإنفاق على الطفل. وفي حال عدم ثباتها، لا تقع على عاتق الرجل تبعات ليست من صنعه. أما في مسلسل "ما ملكت أيمانكم" فبجملة واحدة قطع البطل الطريق على أم الفتاة التي حملت منه والتي جاءت تتوسله أن يتزوجها بأنه حتى لو كانت حاملا منه فعلا وليس من غيره كما يشك هو فإنه ابن حرام ولا يريده.
وإذا كان هذا المشهد تعرض للانتقاد لأنه يوحي بأن رجال الدين لا يتحملون مسؤولية أفعالهم، فهذا الانتقاد ليس مبررا، أولا لأن رجل الدين يمكن أن يخطئ كبقية أبناء آدم. ولكن رجل الدين هذا لم يكن الشخصية المتدينة الوحيدة في المسلسل، وتجاهل المنتقدون وجود رجلي دين آخرين في المسلسل: الحاج عبد الوهاب مثلا صوته فقط كاف لتهدئة أي نفس بشرية تموج بالانفعالات والخطايا والهلوسات. رائع وهو يشرح الإسلام وتسامحه ويرفض سلوك الابن بجلد أخته. وهناك شخصية ابن الخالة الذي أفادنا بأحاديث رائعة عن الصحابة والرسول وأوضح أحكام الزنا. ليس في ذلك تشويه أو إساءة للإسلام.
المسلسل نقل صورة واقعية عن مجتمع مبرقع ملثم مكمم الأفواه معصب الأعين عما يجري وحقيقته، ويظهر للفتيات حقيقة ما يجري ليتعظنّ، وإن أردنّ السير في هذا الطريق فيجب ألا تطالب إحداهن بأن تكون أكثر من متعة سرير ارتضتها لنفسها، ويجب ألا تندب حظها لأنها لم يكن لها شرف ونصيب الزواج من رجل اشترى سويعاته منها في غرفه مظلمة.
ولا يخلو المسلسل من بعض العيوب. بطلة المسلسل (سلافة معمار) امرأة ثلاثينية. في عمر كهذا تنتفي المصداقية نوعا ما حين تجسد فتاة يطلقون عليها في المسلسل لقب صغيرة ومراهقة على لسان مشرفتها في دروس الدين.
- مسلسل ما ملكت أيمانكم
ونرى في المسلسل أيضا أن أهلها يمنعونها من إزالة شعر الحاجبين، وأخاها يلطمها على فمها ظناً منه أنها تضع احمر الشفاه. ومع ذلك نرى أثر الوشم (تاتو) الواضح على حاجبيها مكللا بالرموش الاصطناعية.
وعيب صغير آخر: كل النساء في المسلسل (ما عدا العجائز والأمهات) عازبات وإما يبعن أنفسهن أو على وشك فعل ذلك، أو يرضين بسهولة الصعود إلى السرير، أو على الأقل يستعجلن إقامة علاقة مع شباب.
= = =
مسلسل "ما ملكت أيمانكم" تأليف هالة دياب. إخراج نجدة أنزور. تمثيل سلافة معمار ومصطفى الخاني وآخرون.
◄ هدى الدهان
▼ موضوعاتي