عدلي الهواري
كلمة العدد 43: عن عالمية الأدب والفن العربيين
كل عام وأنتم بخير.
يعتقد كثيرون في الوسطين الفني والثقافي في العالم العربي أن هناك مكانة اسمها العالمية يجب أن يحصل عليها الشعراء أو الروائيون أو الموسيقيون أو الممثلون، إلى آخره. ولذا إذا ترجمت رواية إلى الإنجليزية فهذه خطوة على طريق العالمية، وإذا عرض فيلم عربي في دولة أوروبية فهي أيضا خطوة على طريق العالمية، وإذا أقيم لفنان حفل غنائي في دول غربية فهي خطوة كبرى على طريق العالمية.
لا شك في أن الأفلام السينمائية والموسيقى والرياضة جعلت من بعض الأسماء مشهورة عالميا، ولكن هذه الشهرة على نطاق العالم تستند في مجال السينما إلى قطاع إنتاج أميركي قديم وغني إلى حد غير متوفر لقطاع السينما في أي مكان آخر في العالم. وينطبق الأمر ذاته على قطاع الغناء الذي يؤدي إلى اشتهار مغنين مثل مايكل جاكسون ومادونا وغيرهما. وفي الرياضة، يشتهر اللاعبون وخاصة في مجال كرة القدم، وانضمام اللاعبين إلى الأندية مقابل ملايين عديدة، ومباريات كأس العالم.
ولكن إذا بحثنا عن شهرة مماثلة، أو عالمية مماثلة في مجال الثقافة ولأدب، فسنجدها إما صغيرة جدا مقارنة بالمجالات الأخرى، أو غير ممكنة التحقق. وعندما أقرأ أن الروائي الفلاني عالمي، وأن الشاعر العلاني عالمي، لأن بعض أعماله ترجمت، أدرك أن هذا الكلام يلقى جزافا، فالأعمال التي تكتب باللغة الإسبانية أو العربية أو اليابانية يجب أن تترجم، وخاصة إلى الإنجليزية، لكي تصبح في متناول جمهور أكبر. ولكن الافتراض الخاطئ أن الجمهور الأكبر سيقبل على قراءة الأعمال الأدبية المترجمة.
ضع نفسك مكان القارئ في بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة أو غيرها من الدول: هل سيختار أن يقرأ لكتاب وكاتبات من بلده أم لا؟ وعند الرغبة في قراءة أدب مترجم، بأي أدب مترجم يجب أن يهتم أولا: العربي؟ الإفريقي؟ الإسباني؟ الياباني؟ الصيني؟ (عدا عن التفرعات العديدة في كل ذلك).
لسنا ضد أن يشتهر الكاتب أو الفنان خارج وطنه، ولكن الكتابة بالعربية تنطوي ضمنا على أن جمهور القراء المستهدف يعرف العربية، وسيكون في أسلوب الكتابة بها جماليات وصور وأساليب لا يعرفها ولا يستسيغها إلا الذي يعرف العربية.
ولمن يحسن العربية والإنجليزية معا اقترح ما يلي: خذ رواية لنجيب محفوظ مثلا واقرأ قسما منها بالعربية، والقسم نفسه باللغة الإنجليزية، أو قسما من رواية كتبت بالإنجليزية. عندئذ أتوقع أن تلاحظ الفرق الشاسع بين أن تقرأ باللغة التي تعرفها وتحكيها وتفكر بها، وتلك التي تتعلمها، مرغما، إما لأن تخصصك الدراسي فرضها عليك، أو تعلمتها لتحسين فرص العمل.
في اعتقادي أن العرب الساعين إلى العالمية يهربون من الواقع، وربما لا يكنون الاحترام لأبناء لغتهم، اعتقادا منهم أن الجمهور في الدول الأخرى، خاصة الغربية، ذو ذوق أرفع. والمشاهير، العالميون، اشتهروا محليا قبل أن يشتهروا عالميا، ولذا فلنركز على الأقربين، الأولى بالاهتمام.
مع أطيب التحيات
عدلي الهواري
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- ● كلمة العدد الفصلي 28: الورق والتمويل: وصفة الانتحار البطيء
- [...]