غادة المعايطة - الأردن
"خليكي عايشة"
طلب متواضع جدا من صغيري: (خليكي عايشة). كلما أخذه الحنين إلى حضن أمه (خليكي عايشة)، يتكور بين ذراعي ويرجوني (خليكي عايشة). هو جلجامش في كيان الصغير واليافع، وبالغ أرذل العمر، الحالم دوما بنبتة الخلود، الرافض التسليم بفنائه الأبدي.
يقول ول ديورانت (Will Durant) صاحب كتاب قصة الحضارة: الموت "أصل الديانات كلها." بأي لغة أو صيغة يمكنني أن أشرح أو حتى أقرب المعنى لصغيري؟ هل أقول له إن الديانات كانت استجابة لقلق الإنسان تجاه الموت؟ هل أقول له يا فيلسوفي الصغير إنك تبحث في علم الوجود وإشكالية الموت والحياة وربما البعث من جديد؟ هل اصدمه في أولى خطواته تجاه حياة لا أدرى كيف ستكون. إن نبتة جلجامش ابتلعتها الأفعى، فيا صغيري لن نصل أبدا إلى الخلود.
أحيانا أحدثه عن (حدوتة) الكارما الهندية، بعيدا عن المعتقدات الدينية، عله يتبع الاستقامة والصراط المستقيم في مسيره الدنيوي، فإذا كنت كذا يا صغيري فسوف تبعث من جديد عصفورا بأجنحة وذيل لا أحلى ولا أجمل، يقفز بفرح قرب أرجوحتك المفضلة في حديقة الحي. أما غير ذلك فلا ارغب في أن أعكر صفو خياله بدنس الحياة وقسوة مناكبها.
في الأثر (حب الدنيا رأس كل خطيئة)، فيا صغيري لا تغرنك الدنيا. استحوذت على قلوب البشر. طغت وتجبرت. شيعت الضمير في موكب فرح وعادت حرة من قيوده.
(خليكي عايشة). سوف أبقى (عايشة) في ضميرك، وكل خلجة من قلبك الصغير الذي سيكبر، وسوف يتكور صغيرك في حضنك الدافئ (خليك عايش).
سوف أعيش إلى الأبد ما دمت نظيفا طاهرا نقيا تقيا تتذكر في ساعات الصخب أو الهدأة كلام أم، أي أم، تحلم بحياة سعيدة لولدها. وينبعث طائر الفينق من رماده. هو الموت من اجل استمرارية الحياة. حياة مشرقة ببصمات أبدية، عنوانها الاستقامة والمحبة والسلام.
◄ غادة المعايطة
▼ موضوعاتي