غادة المعايطة - الأردن
لماذا الانسحاب؟
قرارك بأن تكتب لي هو الشجاعة بعينها. أحيانا تعجز الكلمة عن البوح فتتكئ على قلم وتلد أحلى الكلمات. لم تخطيء عندما اتخذت القرار ووضعت النقاط على حروف كنت قد شيدتها ملاذا هانئا أستكين به فيما تبقى من مسير. أعجب عن بحثك الدؤوب عن لمحة ضعف (كما ذكرت) في كياني، وهل أنا إلا بشر مجبول بنقائص حتمية لا يد لي بها سوى أنها سمة تتصف بها مخلوقات الله؟ هل ارتكبت إثما ما، عندما (ارتقيت عن الشكليات الأنثوية)، وتجردت من كينونتي كأنثى لأصعد نحو المطلق العاقل الرزين؟ اعتب على نفسي التواقة دوما لما وراء المحسوس، فباتت دليل اتهام صارخ على أني (يستحيل فيه أن أشكل ملاذا ما).
في سطور قليلة نقلتني من مكانة مالك القلب إلى مكانة الصديق الرائع. هل تصورت ما وقع تلك النقلة بعد أن استكان القلب ووجد ضالته؟ هل (الثقافة وسعة الأفق) خطيران لدرجة أن تهز البيت من أركانه وتدعو غرابا لينعق على أطلال حب لم ولن يشهد النور؟ هل طموح الأنثى عيب بحقها وباب موصد أمام مستقبل طبيعي؟
لماذا الانسحاب وأنا بشر من لحم ودم، وافرح واحزن واحلم ببيت مع مدفأة من الطوب الأحمر وأطفال بانتظارهم معك على وجبة الغداء؟ لماذا الانسحاب ولم أتقنع بالجهل والسطحية والتفاهة كما هو مطلوب من الأنثى ليمارس الشريك سطوته وعقده على الحلقة الأضعف؟ لماذا الانسحاب وأنا كما أنا، تماما كما كنت في يومنا الأول، ويومنا الأخير؟
لم ولن أغير الثوب حسب ما تفصله في ضميرك، فانا كيان مستقل بأقمار ونجوم ومسارات حالمة بالاستقرار وفنجان من القهوة وشال وردي في صباح بارد.
لماذا الانسحاب وقد افتقدت الجرأة كما اعترفت لتعرفني أكثر وتفهمني وتدرك آن من الصعب البوح بأحلام صبية اتسعت آفاقها وسطر المنطق والمعقول صفحاتها؟ هلا اقتربت أكثر ولامست قلبا دافئا بعيدا عن صخب العمل وأجواء المحاضرات لتدرك أني طبيعية، وأني اعشق الفاكهة الموسمية، وأطباق الربيع النباتية، وجديلة عمتي المخضبة بحناء يمنية.
نعم، هو الانسحاب. الانسحاب من أنا ذاتك التي توجتك قاضيا لقضية أنت الخاسر فيها. أما أنا فسوف أجمع أوراقي في صندوق أنيق مزين بزهور الياسمين وشرائط حريرية وأقدمها لمن يستحقها ذات يوم. أما ذاتي فلم ولن أنسحب منها.
◄ غادة المعايطة
▼ موضوعاتي