مختارات: محمد صبحي أبو غنيمة - الأردن
مـن الأيأم
(*) مقطع من كتاب بعنوان من الأيام لمحمد صبحي أبو غنيمة (الأردن). الناشر: المؤسسة العربية للدارسات والنشر، بيروت (2003). أعدت المقتطف للنشر منال الكندي - اليمن.
الموسيقى اليوم نوعان:
في الدنيا اليوم موسيقى معدلة هي الموسيقى الغربية والموسيقى الطبيعية وهي العربية. والأستاذ ميخائيل يرى لموسيقانا الأفضلية بالرغم من المونوطونية التي يتهمونها بها. البرهان الذي يقدمه لذيذ جدا إذ يقول: حروف الأبجدية في كل أمة، تعبر عن شعورها وألحان النفس فيها ولترى الكمال في حروفنا والنقص في الحروف الأجنبية جرب أن تكتب شعرا بها، وليكن هذا بيتا من أبيات المتنبي مثلا (على قدر أهل العزم تأتي العزائم) الخ. إنه بالحروف الأجنبية يقرأ هكذا (الا كدر أل الازم تأتي الازائم...) الخ. فإذا أتممت الأبيات سمعت ما يضحك حقا. وإذا كانت هناك مساعي لإيجاد لغة واحدة للعالم فمن الأولى أن يسعى لإيجاد لغة واحدة للموسيقى وهذا ممكن كل الإمكانية والدليل على هذا بسيط جدا.
موسيقى البلابل
كل إنسان، هنا، في أمريكا، في اليابان، في الكونفوا، في نيام نيام، يحب ويطرب لصوت البلبل. وكل إنسان هنا وفي كل مكان يطربه خرير المياه وحفيف الأشجار وزقزقة الأطيار، فلماذا؟ الجواب واضح: إن موسيقى البلبل والماء والهواء هي موسيقى طبيعية تفهمها كل روح في كل مكان، وهذه الموسيقى يمكننا معرفتها بالحساب والمقاييس، فليس هنا إذا من يمنع من الوحدة، ومن السلام.
كلنا فلاسفة
الحقيقة المدهشة التي تكلمنا عنها هي تلك التي تدلنا على أننا في واقع الأمر كلنا ـ بلا استثناء ـ فلاسفة: فنحن نفلسف حياتنا في المرح والترح واللهو والتقي باستمرار، فنسأل تارة بالشعور وتارة بلا شعور عن كل ما نفعله: لماذا؟ إن كل ما نفعله يكون دوما بحسب الجواب. الجواب الذي نعطيه على ذلك السؤال نقنع به أنفسنا، نمتثل لكل ما فيه. ولنلاحظ أن -الأمثلة- التي نلتقطها من أفواه العامة وهي نتيجة اختبارات وحوادث متكررة تتضح لنا كزبدة لفلسفة، وتكون دستورنا في العمل، وقلما يكون فيها الخطأ أو الضلال. وهناك -فلسفات- واختبارات نشعر بها ونعيشها في أنفسنا ولكننا لا نجد سبيلا إلى صوغها بقالب مثالي، فيأتي من يفعل ذلك بإيجاز ورشاقة وبلاغة، وهذا هو الإنسان الذي نطلق عليه لقب شاعر، فالشاعر هو الذي يستطيع أن ينوب عنا بإظهار الفلسفات المختمرة في نفوسنا وعجزنا نحن عن النطق بها. هذا يؤيد قول القائل:
وإن أعذب بيت أنت قائله = = بيت يقال إذا أنشدته صدقا
ومن هنا نصل إلى وضع ميزان لا يخطئ في تقدير قيم الشعراء، فالشاعر المجيد والكبير والمحبوب هو الذي يحتاج لا إلى تماثيل لتخليده، إذ يخلد في السهولة التي يحفظ بها شعره وبكثرة الحافظين، حتى وإن مات أو تقادم عهده. وأمامك في المتنبي قديما، وفي شوقي حديثا أبلغ دليل. كل هذا يدلك على أن الفلسفة تجري في عروق كل إنسان، وتوضح سر تعلقي بالفلسفة والفلاسفة كهوسرل وأمثاله. أما هوسرل نفسه فله عندي منزله خاصة، ذلك لأنه فضلا عن أبحاثه الفلسفية وآثاره الكثيرة، فهو صاحب العلم الجديد الذي يطلق عليه أسم الفينومينولوجيا، أو علم الظواهر.
= = =
غلاف الكتاب
- غلاف: من الأيام
◄ عود الند: مختارات
▼ موضوعاتي