إبراهيم قاسم يوسف - لبنان
خــيــبـــة
هبّت الرّيح، وقع القفص، انفتح الباب، طار الكنار. تعقّبه الأولاد في كلّ مكان، تعقّبوه في طول البرّية وعرضها. منذ أن انتصف النّهار، حتّى أقبل الليل. لكنّه عصفور وطار. عادوا بعدما تعبوا، أو بعدما يئسوا وخافوا وقد حلّ الظلام.
وحده الطفل صاحب العصفور عاد بالخيبة الكبرى، راوده أمل جديد، حكّ رأسه، فكّر قليلا، وأعاد القفص إلى حيث كان، ثمّ فتح الباب. من يدري؟ لعلّ وعسى أن يعود إليه الطّائر، أو أن يدخل الجنّة إبليس.
لطالما حدّثته جدّته لأبيه، عن زمن العجائب والأولياء الصالحين، وعن السّيدة زينب. لمَ لا تتكرر لحسابه بعض تلك المعجزات؟ ضحك الأب من سذاجة الطفل، لكنّه أشفق أن ينال من إيمانه، أو يقتل الرّجاء في قلبه، فلزم الصمت.
أوى الغلام إلى فراشه تتنازعه الهواجس، وفي الصّباح، حمل حقيبته ومضى كعادته إلى المدرسة، دون أن يتناول إفطاره كما تعوّد.
تعوّد العصفور فيما مضى من أيّام، أن تأتيه إلى القفص ومن غير مجهود، أوراق الخس، ألحبوب، البيضة المسلوقة، وما يحتاجه من ماء. فماذا يريد ذلك الغبيّ الجاحد؟ عليه منذ الآن أن يواجه مصيره، أن يقتلع أشواكه بيديه، أن يفتّش بنفسه عن رزقه ومأواه، وأن يواجه الطيور الكاسرة والصيادين. إنّه يستحقّ ما جناه على نفسه. هكذا كان الطّفل يحدّث نفسه ويلوم عصفوره الغائب.
عاد الصبيّ مساء إلى بيته، أصيب بالذّهول. للوهلة الأولى كاد ألاّ يصدّق عندما أبصر كناره داخل القفص، إنّه كناره بعينه، هذه إسوارة الفضّة في رجله اليمنى تقطع الشّك. نسي حزنه، أحسّ بفيض من الوداعة يغمر نفسه، لعن ظنونه، وغفر للعصفور. لقد استجابت له السّيدة زينب، فشكرا لها على ما فعلت.
كان الكنار يجهل كيف يفتّش عن رزقه بنفسه، وغريزة الطائر وحدها حملته على الطّيران حين هرب. لقد أبصر النّور للمرّة الأولى عندما خرج من بيضته داخل قفصه، ذلك الوطن الصغير.
لم ترق له السّماء على اتّساعها، ولا الشّمس بنورها ودفئها. لم يستهوه أن يرفرف عاليا طليقا في الفضاء الرّحيب، ينشر جناحيه وينساب في لطف النّسيم، ولا فتنته خضرة الأشجار بثمارها من كلّ نوع ولون، ولا حرّضه مياه الغدير، يحطّ ليشرب ثمّ يطير إلى دنيا الله الواسعة. ضاقت به الدّنيا واتّسع له القفص، حنّ الشّقي إلى سجنه، فعاد إلى أسره عن سابق تصوّر وتصميم، دخل القفص، أغلقوا الباب، وانتهت الحكاية.
◄ إبراهيم يوسف
▼ موضوعاتي