عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 3: 25-36 » العدد 33: 2009/02 » مرجان الضوء: بين الحرمان والارتواء

سناء شعلان - الأردن

مرجان الضوء: بين الحرمان والارتواء

قراءة في ديوان الشاعرة القطرية زكية مال الله


صدر للشاعرة القطرية زكية مال الله حديثاً ديوان شعر عنوانه مرجان الضوء، ويحتوي على 62 قصيدة حرة خلا قصيدة واحدة عامودية، وهو الديوان الثاني عشر للشاعرة ذات الرصيد الكبير من الأعمال النثرية والمؤلفات الأدبية والنقدية والمسرحية والكتابات الصحفية والأعمال المترجمة. الناشر: مركز الحضارة العربية، القاهرة (2008).

.

سناء شعلانيقدم الديوان باقة جميلة ومتنوعة من أشعار الوجدانيات وأشعار المناسبات بلغة رائقة صوفية تقدّم مخزوناً ثريّاً من المشاعر المتأججة والأحاسيس المتدفّقة التي يسهل على القارئ أن يلتقطها ويتجاوب معها وأن يتأثر بها حتى في أشعار المناسبات. ففي قصيدة "عطر البلاد" المهداة إلى أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بمناسبة عيد الاستقلال، تلفح القصيدة أجواء المحبة والولاء لأمير البلاد الذي يتمثل في نفس الشاعرة على هيئة عطر يصيبُ الأنفس بالانتشاء، ويجول السهول ويجلب الخير، ويقترن بكلَ جميل وبناء وتقديم. ومشاعر الفخر هذه تغدو مشاعر غضب ولعنة على العدو في قصيدة "أغنية للقدس"، وهذه اللعنة تتشكل على شكل دخان يثور ويغضب ويأبى الخضوع للعدو، فينبت في النار نخل، وينتشر فوق سفوح المكان، ويروى جذور الثورات، ويتعالى على الموت والشجون، ويكون الحارس على العيون التي تغفو أخيراً على الحرية والأفق والتحرير.

والديوان يتمثّل وقع نفس شاعرته بما فيها من قلق وألم ومكابدة في بروز الفعل المضارع الذي يطغى على الأفعال في قصائد الديوان، لينقل تلك الرّوح الدرامية للأحداث، ويؤجج الرّوح الملحمية للحدث المستمر بإحساس قلق وموزع بين الحرمان والعطاء.

والثيمة التي تهيمن بشكل رئيس على إيقاع وتدفّق أشعار الديوان هي ثنائية الأخذ والحرمان، ولا تفتأ هذه الثيمة الثنائية تسيطر على القصيدة، ففي القصيدة الأولى في الديوان "بداية" نجد الشاعرة تحرّض الحبيب على الانصهار في المحبوبة، والنّهل من صفاتها، إذ هو من اصطفته واختارته ليكون الجامع لشتاتها والمبارك لها، ويرّدها من منافيها النفسية، ويأخذها إلى حيث رقي الرّوح وسعادتها. وإن كانت الحبيبة في هذه القصيدة تحضّ الحبيب على العطاء والخروج من نقيصة الحرمان، فهي تجد نفسها تتلظى من نار الحرمان في القصيدة الأخيرة من الديوان "انقضاء"، وهذا الحرمان يتمثّل في الموت الذي يجعل القريب/الحبيب في أبعد نقطة من الحيّ، وتجعله مجرد صفحات من النسيان والأسئلة المتعثرة والحنين إلى إليه.

زكية مال اللهوهذه الثنائية القلقة التي تسيطر على الديوان، وتسمح للمتلّقي بالدخول إلى حالة الشاعرة النفسية أو لتجربتها الفنية والشعورية التي تتعالق مع تجارب غنية قائمة على الحرمان والقطيعة والبعد، ولذلك نجد تنميطات على هذه الثنائية تستدعي مظاهر مختلفة من الحرمان والعطاء السلبي. ففي قصيدة "لحظة التحام" نجد العنوان ينفتح على مفارقة محزنة، فالمحبّة التي تلتحتم بالحبيب لتحيا به، وتكونه ويكونها، تحصد الهزيمة والهرب في أوّل مركب، وتكتفي مجبرة بأطياف الأحلام بعالم كلّه حبّ وسعادة يقود العاشقين إلى حالة أزلية من الوجود.

وتتجلّى الثيمة بشكل واضح في القصائد ذات الطابع المقطعي أو العنقودي في الديوان، وهي قصائد تتكون من أكثر من مقطع، فقصيدة "غبار الهشيم" مكونّة من ثمانية مقاطع، وفي المقطع الأول من القصيدة يطلّ انتظار الحبيبة للعشق المشتهى الذي تمتّد له الأنفس اشتياقاً وتحرقاً على اللقاء، في حين أن المقاطع الثاني والثالث والرابع والخامس هي تجسيد لسقوط المحبة في التلاشي في انتظار الحبيب الأسطوري ليكون نصيب المحبة في المقطع السادس والسابع والثامن هو الاستسلام للمصير أياً كان، وانّ لم تصرح الثيمة بالحزن من البعاد والحرمان أو بالفرح أو الرضى بالمصير مهما كان إذ تقول (ص 21):

في صدرك

تنشق ينابيع الوفرة

يجرفني عشق غجري

أسقط في جرف النار

ولا آبه أن ينقذني ظلّ

أو ماء ينبع

أذكر كم أعواد من كبريت

سقطت فوق ذراعي

وأنا أستجمع صهد ذراعي

تنفثني، لا بأس

ألوان أطراف الجسّ

وأختمر بدخانك.

والشاعرة تعترف بأنّ الحبّ هو المفتاح لنهاية التعب، وأرض لبداية المستحيل حيث تقول (ص 22):

عشقنا

نهاية المدّ،

بداية المستحيل

دقات الأجراس في مربع الاحتراك.

في حين أنّ قصيدة "مقولات" تنحاز إلى صوت الحبيب الذي يمثّل قطب الحرمان أو البعد، وفي الجزء الأوّل من القصيدة (تقول آتيك غداً) تصرّح الشاعرة بانتظارها للحبّ والحبيب، في حين تعدّه بالمقطع الثاني (وتقول ضميني) بالسعادة والهناء وأكاذيب العشق والهناء، وما سبب ذلك الوعد المقدّس إلاّ العشق المتوقدّ في نفس الحبيبة التي ترى الحبيب موسيقى الروح، وفي مقطوعة (وتقول احتويني)، و(تقول أنت قصتي)، و(تقول ناديني حبيبي) تهب المحبة نفسها محبة تجيد كلّ فنون الوهب والعطاء، أما في المقطع الأخير من القصيدة "تقول أنت امرأة أخرى بوجودي" فالحبيبة تقبل بالتلاشي والانصهار في الحبّ في سبيل إرواء حرمانها والانصهار في الحرمان .

أمّا في قصيدة "وصول" فإنّ المحبة تعبّر عن معاناتها واشتياقها وسعيها المحموم للارتواء من الحبّ للحبيب المرتجى، فتهبه اشتياقها، ليغدو مطالباً بقوة بالعشق راجياً كل أفانينه وجمالياته، وهو يهب الأمان الذي تنشده الحبيبة في وعد شعريّ، إذ يقول (ص 47):

فلست "الملوح" أو "شهريار"

وتيهي بروحي نعب الخيال سويّاً

ونغفو إلى الصبح حتى يحين القرار.

أمّا في قصيدة "غرائبية العيش" وهي القصيدة العامودية الوحيدة في الديوان، فالحبيبة تندّد بالجراح التي سبّبها الحبيب لها، وتستسلم لقدرها بالحرمان والقطيعة والظمأ.

وثنائية الحرمان والعطاء تتجاوز الحبّ للإنسان/ الرجل لتصل إلى حبّ الوطن، ففي قصيدة "مرفأ الزيتون: القدس" يغدو الوطن أيضاً عالقاً في ثنائية الحرمان والعطاء، مع اختلاف المحددات والملابسات، فالمحبة لا يرفضها الحبيب/الوطن، وإنّما يحول عامل آخر وهو العدو بين المحبين، لذلك الأمل بالوصال لا يكون باللقاء فقط، وبمبادلة العشق للعشق، وإنّما يكون بتحرير الوطن، وببّر العهد بتحريره، وبإشراق الشمس أخيراً على ترابه المعنّى بالأسر.

ولعلّ قصيدة "سكون" خير مثال نستدلّ به على ذلك القلق الذي يسكن نفس الشاعرة حيال الحرمان والعطاء، وهي أسيرة بين تخومهما (ص 125):

بامتداد الشعور

قيظ الفصول

نور النهار

طرح الحقول

عهد قطعناه ألا نبوح

ونحذر أن نستريح

نفرح حين نضم إلينا هوانا

نسكن فينا كلانا

نرحل حيث الدوام فناء

وبين الحنايا بقايا اشتهاء.

JPEG - 15.6 كيليبايت
غلاف: زكية مال الله
D 1 شباط (فبراير) 2009     A سناء شعلان     C 0 تعليقات