عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » أرشيف الأعداد الفصلية: 2016- » أعداد السنة 14 » العدد الفصلي 14: خريف 2019 » كلمة العدد الفصلي 14: حتى لا تتكرر خيبة الأمل

عدلي الهواري

كلمة العدد الفصلي 14: حتى لا تتكرر خيبة الأمل


عدلي الهواري 2018ذكرتنا المسيرات الشعبية في الجزائر والسودان احتجاجا على نية الحاكمين مواصلة الحكم إلى يوم الوفاة بالمسيرات الشعبية التي شهدتها دول عربية عدة في عامي 2010-2011.

من الواضح من مسيرة الأحداث منذ عام 2010 أن الحكام يرفضون قبول فكرة الحكم لفترة محدودة، وتداول السلطة سلميا وديمقراطيا كل بضع سنوات. وفي المقابل، يكرر الحراكيون الوقوع في خطأ التعويل على تحركات جماهيرية تريد أن تمارس السياسة دون أحزاب، واستبدال هذه بعنفوان الشباب والتكنوقراط من أصحاب المهن الطبية والهندسية وغيرها.

في عام 2019 تكررت مشاهد حدثت أمام أعيننا في عام 2011. يحدث في البداية نجاح مؤقت يتمثل في إزاحة رأس الدولة عن الحكم، ولكن تبقى كل مؤسسات الحكم كما هي، وتظهر لبعض الوقت أنها مستجيبة لرغبة الجماهير في التغيير، وتشهد البلاد انتعاشا في ممارسة الحرية. وبعد ذلك تعود إلى الأمور إلى ما كانت عليه وأسوأ.

قيل في معرض الحديث عن التحركات الجماهيرية في الجزائر والسودان إنها تعلمت من أخطاء تحركات عام 2010-2011. ولكن لا يبدو لي أن هذا القول صحيح. الحراك الجماهيري القادر على إحداث تغيير عميق بحاجة إلى أحزاب سياسية لها قواعد شعبية. وحتى هذه سوف تكون مهمتها عسيرة لأنها ستواجه مقاومة شديدة من مؤسسات الحكم، وخاصة الجيش والمؤسسات الأمنية المختلفة. ولذا يجب أن يخشى الحراكيون فكرة الاستغناء عن الأحزاب، والشباب الذي لا يريد أحزابا سيجد عاجلا أو آجلا أن العنفوان ليس كافيا لجعل النجاح المؤقت نجاحا دائما.

والتغيير أيضا لا يتم على أيدي أفراد من أصحاب الشهرة، كالفنانين. يحاول الفنانون الأميركيون كل أربعة أعوام التأثير على الناخب الأميركي ليختار مرشحا ما وليس آخر. ولكن رغم وقوف مختلف الأطياف في الولايات المتحدة ضد انتخاب دونالد ترمب، إلا أنه تمكن من الفوز، وساعده على ذلك قدر كبير من الحظ، لأن النظام الانتخابي الأميركي لا يعتمد على أغلبية أصوات الناخبين.

اهتمام الشباب بأوضاع بلادهم، والسعي إلى التخلص من الدكتاتورية والقمع في البلاد أمر يستحق التقدير والإعجاب. ولكن السياسة هي المجال الوحيد الذي لا يمكن ولا يعقل أن تمارس دون أحزاب سياسية، فعندئذ تكون السياسة من النوع المعقم. والدول لا يمكن أن تكون ديمقراطية عندما تكون الأحزاب فيها محظورة أو معرضة لقيود تعرقل العمل بين الجماهير، وممنوعة من تولي السلطة وتداولها سلميا وديمقراطيا.

العمل السياسي مسؤولية كبيرة تحتاج إلى تنظيم وهياكل وبرامج لخدمة الجماهير. شجاعة النزول إلى الشوارع تستحق الإعجاب، ولكنها لا تكفي وحدها. حتى يكون التغيير المنشود في أوضاع الدول العربية عميقا وشاملا، لا بد من مشاركة الأحزاب السياسية من مختلف الاتجاهات في العمل السياسي دون قيود منافية للديمقراطية.

من غير الواقعي توقع حدوث تغيير إيجابي دائم في الدول العربية دون مشاركة الأحزاب، أو استبعاد أحزاب ذات اتجاهات معينة، والسماح لأخرى بالعمل، أو الاعتقاد فعلا أن جهود عدد من الفنانين أو التكنوقراط سوف يقود إلى هذا التغيير. ومن غير الواقعي أيضا توقع حدوث نجاح عميق ودائم نتيجة هبات جماهيرية لا قيادة ولا هياكل ولا برامج لها.

ثمة تشابه بين نظم الحكم التي اعتمدت على حزب واحد، وتلك التي تسمح بتأسيس أحزاب ولكنها تفرض قيودا على عملها بحيث يصبح وجودها شكليا، وتلك التي لا تسمح بوجود أحزاب. كل نوع يحتكر السلطة والعمل السياسي بطريقته.

كما أن السعي إلى تغيير الأوضاع في الدول العربية يجب ألا يكون المقصود به فقط حرية للفئات المتحررة من المجتمع، مثل الفنانين في مختلف مجالات الفن، بل يجب أن تكون الحرية للجميع، وهذا يتم بتطبيق حقوق أساسية متعارف عليها عالميا، مثل حريات الرأي والتعبير والاعتقاد. في الدول حيث الحريات الأساسية متوفرة للجميع، يذهب من يريد إلى دور العبادة، ويذهب من يريد إلى دور السينما.

آمل أن نتحدث في المستقبل القريب عن تطور الأوضاع في السودان والجزائر، وغيرهما من الدول العربية، إلى الأفضل. ولكن تجارب الماضي وتحليل الواقع في العالم العربي يجعل الإنسان ذا التفكير النقدي غير قادر على الإغراق في التفاؤل، فالخيبة إن حصلت في المستقبل ستكون أكبر من حجم التفاؤل الذي ساد وقت تحقيق النجاح المؤقت.

D 1 أيلول (سبتمبر) 2019     A عدلي الهواري     C 3 تعليقات

3 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

لم يعد ثـمّة عطر إلا في القوارير

غياب

صباح

الكأس السابعة

الــغائــب