محمد عطية محمود - مصر
تحت الرماد
على رصيف المقهى المحتل للناصية، واجهتني ملامحه. لم أجد عناء في تذكره.
أطفالا كنا. يملك كل منا حلما أخضر.
افترت شفتاه عن ابتسامة نصف مرحبة، نصف باردة.
هممت أن أبادله التحية في عجالة وأمضي. استوقفني بعينيه، الغاصتين في احمرار دوامة دخان الشيشة، المتحفزتين، المتسائبتين في فضول متوثب.
بين الجد والهزل تقع تضاداتنا، تحمّل الوجه بأمارات الغضب والاستياء، وما تلبث أن تنتهي منه بابتسامة باردة.
استنفرتني نظرته الفضولية.
لما اشتد العود، وعلت المناكب في تحد، ازدادت أمارات الوجه حدة، اضطرم الغضب لأتفه الأسباب، تحولت الابتسامة الباردة إلى تكشيرة تعلو الجباه، وغيظ يتحمل على النواجذ.
رغم ما اعتلج في النفس توا، ارتقيت درجة الرصيف. غاصت يدي في يده المتضخمة.
"تفضل."
بدت عبارته المبتورة، كأنما كانت محشورة في فيه، ثم انفلتت، تزاحمها سحب دخان "شيشته" المتصاعد، المختلط مع ملامحه. يضببها. يشغل فراغ ما فوق رأسه. يعلو مخفيا معالم الصورة الزيتية الباهتة، المؤطرة بإطار قديم من الجبس بحائط المقهى المستند إليه ظهره.
عبثا سعت يسراي محاولة إزاحة زخم الدخان المتولد. قرعني ندم لمصافحته، ويميني ما زالت تندس في يمينه.
يعانق النفور لقاءاتنا وسط الجمع. تضايقني سخافة تعليقاته. يضيق بانطلاقي وسط الصحب دونه؛ لتبرز تلك النظرة المحتدة.
بعيدا عن العيون، تراقص العيون عيونا. تعانق أطيافا. يقنع من يقنع بالمراقصة العابرة. تمتد أحبال الود لمن يراد، تزداد النظرات حدة. تجثم على الصدر مشاعر أشد وطأة. تتفرق بنا السبل.
بادرتني نفس النظرة المحتدة ـ بتبلد. تفصل بيننا سحب دخانه المتزايدة. تفاضل كلماته بين البوح، وبين التسكع في جوفه.
بادرت بسحب يدي من يده متعللا. تدفعني أنفاسي المختنقة:
"معذرة. ليس في الوقت فسحة."
سحبت نفسي هابطا من الرصيف. ندت عنه ابتسامة شبه مستسلمة، مال بها إلى رفيق بالمقهى يجاوره، متهامسا، وزاوية عينه لم تفارقني.
غادرتهما. تحتويهما غلالة الليل الهابطة في تثاقل.
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ