سليم الموسى - الأردن
دعوة للحياة: ح 3
سلسلة دعوة للحياة
الجزءان الأول والثاني من "دعوة للحياة" نشرا في العددين 24 و25.
إننا حين نكره أعداءنا ونكن لهم الحقد، نكون في عذاب مرير نعيشه نحن من جراء مقتنا لهم. إنهم يسرون جدا لو علموا أن هذا القلق لا نستطيع طرده، وأنه يسبب لنا مرارة في حياتنا تنغصها وتقلبها، وتجعل أيامنا وليالينا جحيما لا يطاق.
إنك حين تضايق الآخرين، فإنك في الحقيقة تنزل بنفسك قصاصا لا بهم، وتؤذي أفكارك أكثر مما تؤذيهم، لأن هذه المشاعر تؤثر في صحتك، وتجعلك تعيش في انفعالات سريعة، مستسلما للغضب والحقد والكراهية.
يقول السيد المسيح "اغفر لأخيك سبعين مرة، سبع مرات." وبهذا القول أراد أن يجنب الإنسان القلق الذي يقوده نحو الأسوأ، ونحو المرض، مثل قرحة المعدة وأمراض القلب، وفي الواقع لا يستطيع أحد أن يزعجنا، لا أنا أو أنت، طالما أننا لم نرض نحن بذلك وبالتالي فإن الإنسان يحصد ما يزرع، ويدفع ثمن شروره وأخطائه إن آجلا أو عاجلا، وعليه حين يعلم هذا، أن لا يسيء أو ينقم أو يحقد على أحد، ولا يفكر بالنيل من أعدائه، فإنه يضر نفسه. إذن، عليه ألا يفكر لحظة بأولئك الذين يكرههم أو يكرهونه.
إن الرجل الغاضب مملوء بالسم، فلا تغضب، ولا تقلق، ولا تحقد إن قوبلت من جانب أحد بالجحود والجفاء والنكران، أو سماع كلمة شكر على صنيع قدمته له. سيعترض حياتك في هذا العالم الذي يضم بين جنباته بشرا أنانيين جاحدين مثل هذا الشخص، فلا تفاجأ ولا تدهش ولا تقلق ولا تجر على نفسك متاعب فكرية وجسدية بانتظار الشكر والعرفان بالجميل، بل تقبله على علاته، واعلم أن السعادة لا تأتي من الشكر الذي تسمعه ممن قدمت له صنيعا وإنما من نيتك بالعمل المقصود لذاته. وتذكر دائما أن الشكر ثمرة رعاية فائقة، وإن أردنا لأبنائنا أن يشبوا على عادة الشكر، فعلينا أن ندربهم على هذا منذ الطفولة.
يقول أحدهم: "بينما كنت أسير في الشارع وأنا في شرود وقلق ويأس، رأيت رجلا مقطوع الساقين يجلس على عارضة خشبية ويستعين بيديه على قطع الشارع والوصول إلى الرصيف، وحين التقت عيناي بعينيه ابتسم لي وحياني قائلا: "صباح الخير سيدي، إنه يوم رائع جميل. أليس كذلك؟" وحينها أدركت كم أنا غني بالنسبة له، فعلى الأقل لي ساقان أسير عليهما، فخجلت من نفسي ومن شعوري الذي قربني من اليأس، وتذكرت قولا مأثورا:
كاد القلق يوزعني أشتاتا،
لأن قدميّ خسرت نعلين،
إلى أن رأيت منذ يومين،
رجلا بلا ســاقين.
وحين عدت إلى المنزل، كتبت هذه العبارات بخط جميل، وألصقتها على المرآة، لأطالعها كل صباح.
بمقدورك، مثلا، أن تبيع عينيك بمليون دولار، ثم ساقيك، ثم سمعك. وكل عضو فيك له قيمة خيالية. ولكن، هل تتخلى عن أي عضو حتى لو جيء لك بذهب العالم؟ فلماذا لا نقدر الثروة التي نملكها؟ ولكن [ما أقل ما نفكر فيما لدينا! وما أكثر ما نفكر بما ينقصنا! تلك هي المشكلة]. فإذا أردت تحطيم القلق، فعدّ نعمة الله عليك ولا تلتفت إلى تعداد متاعبك.
انطلق على سجيتك دائما، وتمش مع طبيعتك المعقولة، ومهما يكن الأمر تكيف مع الأجواء التي تلائمك، فليس أشقى من الإنسان الذي يود أن يكون إنسانا آخر غير الذي يؤهله له كيانه الجسدي والفكري.
إننا بشر مخلوقون بدقة تثير الهبة وتستدعي الإعجاب، فتعرف إلى نفسك، ولا تتشبه بغيرك، وارض بالذي خلقك الله به. وإن من أسمى خصائص الإنسان قدرته على تحويل القوى السلبية إلى قوى إيجابية، فالعاقل حين يجد عنده ليمونة، يصنع منها شرابا حلوا طيبا والجاهل يقول: "لسوء حظي أني وهبت هذه الليمونة الحامضة"، ويسخط على البشر ويتشاءم ويرثي لنفسه المريضة.
وليس المهم أن تنال مبتغاك وتصل إلى هدفك في هذه الحياة فقط، ولكن المهم أن تحول خسارتك إلى مكسب، وهذا الأمر يتطلب قوة في الذكاء والمقدرة، وهو الفارق الوحيد بين العاقل والجاهل. وإذا أردنا السعادة لأنفسنا فالأجدر بنا أن نعجل، لأن الوقت يركض، ولن يسير أحدنا في هذه الطريق - طريق الحياة – سوى مرة واحدة لا غير.
وإذا أردنا أن نطرد القلق من بين جوانحنا ولكي نكسب السعادة والطمأنينة علينا أن نتناسى أنفسنا، ونجعل اهتمامنا ينصب على الآخرين، ونعمل كل يوم عملا طيبا يوجد البهجة والسعادة على وجه إنسان. وليس من الضروري أن يتعلم الإنسان في جامعة ليتسنى له طرد القلق، بل عليه أن يكون عامر القلب بالإيمان، فهو أعظم دواء شاف من القلق. وجميل من الإنسان المتألم أن ينقل شكواه إلى الله متضرعا راجيا رحمته في صلاة وتبتل:
كم طريق سلكناه ونكبنا فيه، وكم من عذاب زاد مصيبتنا لأننا لم نذكر اسم الله بلسان طيب مخلص: اللهم ارحمنا برحمتك، واغفر لنا ذنوبنا. ولإيجاد طريق ذهني يأتي بالسعادة والبشر إلى نفسك:
* عدّ معطيات الله، وكن مؤمنا أن الله لن يتخلى عنك .
* ابن أفكارك بخواطر البهجة والشجاعة والعافية .
* ابتعد عن معاقبة أعدائك، فإنك بذلك تعاقب نفسك .
* سلم بالجحود بدل التفكير فيه .
* السعادة في البذل، لا في الشكر على هذا البذل .
* لا تتشبه بأحد، فإن التشبه انتحار .
* اصنع من الليمونة الحامضة شرابا لذيذا.
* انس نفسك، وحاول أن توفر السعادة والبهجة للآخرين.
= = =
مراجع السلسلة منشورة في الحلقة الأولى.
◄ سليم الموسى
▼ موضوعاتي