محمود عوض - فلسطين
أسرع من إيقاع رقصهم
التبادل الثقافي: مهرجان فلسطين الدولي
في فوضى الجدل القائم حول أهمية دور الثقافة و الفنون في تعزيز وترسيخ الهوية الوطنية، وفي ظل سيادة عولمة تصبغنا بلون واحد، تبرز في الأفق قضية محورية أخرى، جدلية أيضا، عميقة الجذور، وهي كيف يمكن للهم الفلسطيني أن يصل العالم دون تلفيقات وبهرجة الصحف اليومية وملل التكرار في محطات التلفزة الفضائية، ودونما غزل الرسميين لاعتبارات المجتمع الدولي ومصالح الدول الصرفة؟ وكيف لثقافة شعب أصيله مغمورة أن تصل قلوب العالم في ظل سيادة أجندات ثقافية عدة؟
لا خلاف على أن للثقافة والفنون فعل السحر في نقل كينونة الشعوب وطموحها وآمالها، بل هي الطريق الأقصر لإيصال واقعها الحضاري والإنساني، وتاريخها الشفوي، صوتا وصورة، لحما ودما.
إن عملية التبادل الثقافي من خلال الفرق يخلق بلا شك فهما جديدا لدى الآخر، أقوى وأكثر تأثيرا ،في بعض الأحيان، من محاولات السياسيين وصناع القرار الجادة في إيصال رسالة معاناتنا للعالم. هذا ما آمن به مركز الفن الشعبي كمؤسسة ثقافية على مدى أكثر من خمسة عشر عاما رعت خلالها إقامة مهرجان فلسطين الدولي للموسيقى والرقص، فالمهرجان خلق سنويا فرصة هذا اللقاء، بينهم وبيننا، بين ثقافات أقطاب: شعبين في كل مرة على شكل ثنائيات نشكل دوما الطرف المشترك فيها.
فرق تزور فلسطين للمرة الأولى في الغالب. عروض فنية مبهرة. تقنيات عالية. تجانس. تصنع ذلك التواصل الذي نبحث عنه، وتعمق ذلك الفهم الضائع الذي نريد لمجريات حياتنا وقيودها المختلفة في ظل الاحتلال. ولعل تجربة مشاركة الفرقة الإيرلندية "رذم اوف ذا دانس" قبل عام (في مهرجان فلسطين الدولي 2007)، توصلنا إلى اليقين بأهمية تعزيز دور التبادل الثقافي والفني في دعم قضايانا الوطنية.
في التاسع من شهر تموز/يوليو 2007 وصلت الفرقة الإيرلندية ذات الثلاثين شابا وشابة للمرة الأولى مدينة رام الله يملأهم التساؤل حول حقيقة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وتساورهم المخاوف إثر حديث هنا وهناك جرى على متن الطائرة: غزة. الفلسطينيون كذا. انتبهوا. الوضع ليس آمنا، إلى آخره. هذا ما كان في آذانهم.
شباب في مقتبل العمر ملأهم الهلع، وأخذوا يتصلون بأهلهم وسفارتهم ومنسقتهم الإدارية في إيرلندا. زوبعة من القلق والتخوف. دقائق تلتها دقائق أخرى وتغير المشهد. هـدّأ القائمون على المهرجان من متطوعين وإداريين أعضاء الفرقة وأوضحوا لهم الصورة. رويدا رويدا تعرف بعضهم على بعض: شباب وشابات في مثل سنهم. تبادلوا الحديث والأفكار والنقاشات، ليكتشفوا في صباح اليوم التالي أنهم بين أصدقاء يعرفونهم جيدا.
بعد عرضهم الاستعراضي المذهل، الذي قدموه على خشبة مسرح قصر رام الله الثقافي وتفاعل عطش من الجمهور، آن موعد رحيلهم سريعا، ولكن برغبة في العودة في عام 2009. هذا اللقاء وما فيه من معايشة وتجربة ونقل للمعرفة وأساليب التعبير فتح الأفق لعالم جديد من الفهم والتضامن، وشكل نقطة تحول كبيرة تجاه الفلسطينيين وفلسطين.
يوم واحد في رام الله كان كفيلا بقلب تلك الصورة النمطية لديهم، وتشكيل صداقات متينة، ربما لأن إيقاع حياتنا ومتغيراتها تجري أسرع من أي مكان آخر في العالم، أسرع حتى من إيقاع رقصهم الإيرلندي.
- فرقة رقص أيرلندي