ضياء البرغوثي - فلسطين
سـطــوة غــادرة
راودني إحساس غريب في ذلك المساء، لم أكن أعرف سببه . كانت سيارتنا تصطف كالعادة على مسرب الحاجز الذي يقيمه جنود الاحتلال الإسرائيلي. كنا ننتظر دورنا كي يدقق الجندي في هوياتنا، في سعي حثيث لإعدام كرامتنا على مسارب عنجهيتهم.
انفتح باب السيارة كأنما يهرب من وجه هذا القبيح. طلب من ثلاثة ركاب يجلسون في المقعد الخلفي هوياتهم، فأخذها وولى فرحا بغنيمته، ولكنه سرعان ما عاد بالهويات، ناظرا إليّ بسخرية الضعيف المغرور بسطوة قوته المصطنعة. طلب مني هويتي وابتعد قليلا، ثم ما لبث أن عاد وبيده هويتي التي أخذها منذ قليل. سأل عني فنظرت إليه بحنق وسخرية الضعيف المتسلح بقوة العزيمة والإرادة التي عجزوا عن قهرها. طلب مني النزول من السيارة وقادني إلى مكان قريب حيث برج المراقبة الذي يجثم على أرض فلسطينية. كبلوني بقطعة بلاستيكية أحاطت بكلتي يدي بقوة شديدة، وكلما حاولت تخفيف شدتها ازدادت شدة.
بعد نصف ساعة جاءت سيارة (همر) عسكرية. كان فحيح صوتها يأكل من جسدي المكبل. قادني الجنود إلى الهمر ورموني على مقعد فيها، وبدأ محركها وبدأ يصرخ معلنا الرحيل بعد رحلة الصيد هذه. كان المجهول يقتلني كلما فكرت في الآتي. ما الذي سيجري؟ ماذا سيحدث؟ إلى أي جهنم سيأخذونني؟ كنت قد أعددت مسبقا صورة عن السجن، إلا أن الواقع يبقى بعيدا عن التصور والوصف.
بعد أن اجتاحتني خواطر وأفكار كثيرة، أخذتني بعيدا في تصور ما سيحدث، توقفت الهمر عن النباح. سحبني الجنود منها مكبل اليدين ومعصوب العينين، واقتادوني إلى مكان مجهول بالنسبة لي لأنني لا أرى. بعد لحظات كنت أقف أمام جندي يمتهن إهدار كرامة الرجال، أو هكذا يخيل له. طلب مني أن أخرج كل ما معي من أشياء وأن أضعها على الطاولة أمامه. أخذ أشيائي جميعها بعد أن أخذوا حريتي. وضعها في كيس خاص بالأمانات، واقتادني إلى مكان آخر، سرعان ما تكشف لي عندما رأيت أسرى الحرية يجوبون ساحة قسم السجن. انفتح الباب وابتلعني، وغبت في ظلام السجن الذي لا ينقشع.