حوار مع الأديبة سناء شعلان
"أرفض تماما مصطلح الأدب النسوي"
سناء شعلان محاضرة غير متفرغة في الجامعة الأردنية. قائمة مؤلفاتها طويلة، وتجعل إطلاق صفة أديبة عليها من باب إعطاء كل ذي حق حقه، وليس المبالغة أو المجاملة. فيما يلي بعض مؤلفاتها:
أعمال نقدية:
= الأسطورة في روايات نجيب محفوظ. الناشر: نادي الجسرة الثقافي/قطر (2007).
= السّرد الغرائبي والعجائبي في الأدب الأردني (1970-2002). الناشر: وزارة الثقافة الأردنية (2004).
رواية:
= السّقوط في الشّمس. الناشر: أمانة عمان الكبرى (2004).
مجموعات قصصية:
= قافلة العطش. الناشر: أمانة عمان الكبرى (2006).
= الكابوس. الناشر: أمانة جائزة الشارقة للإبداع (2006).
= مذكرات رضيعة. الناشر: نادي الجسرة الثقافي/قطر (2006).
مسرحيات (تأليف وإخراج):
= الأمير السعيد. مسرحية أطفال (2006).
= أرض القواعد. مسرحية تعليمية هادفة (2006).
= من غير واسطة. مسرحية كوميدية هادفة (2002).
جوائز:
= جائزة أنجال هزاع بن زايد آل نهيان عن قصة صاحب القلب الذهبي (الجائزة مختصة بأدب الأطفال) (2007).
= جائزة مؤسسة عبد المحسن القطان في مسابقة الكاتب الشاب عن مجموعتها الـقصصية عينا خضر، منـاصفـة مـع أسماء الغـول عـن مـجـمـوعـتـها هجران على لوح أسود. (2006).
نشرت عود الند مقتطفات ومختارات من أعمالها ابتداء من العدد الرابـع عشر. لها في العدد الحالي قصة بعنوان الفزاعة. وفيما يلي حوارها مع عود الند.
= = =
عود الند: لك مؤلفات عديدة، ولكنك في الوقت نفسه أستاذة جامعية. هل سيتمكن الكاتب/ة العربي/ة يوما من احتراف الكتابة، والاعتماد على دخل من المبيعات للعيش؟
سناء شعلان: أعتقد أنّ القضية باتت محسومة بالأدلة والأمثلة التي يضيق المقام عن ذكرها، فقد استطاع معظم الأدباء أن يحترف الكتابة إلى جانب احتراف مهنة أخرى تكون هي المصدر المادي الحقيقي والثابت الذي يعتاش الأديب منه، وذلك في ظل أنّ الكتابة لم تستطع حتى الآن أن تكون مصدر رزق ثابت وأرضية لحياة كريمة بعد للأديب العربي، في حين نجحت في أن توفر حياة كريمة للأديب في الغرب، وتصرفه إلى أدبه بشكل كامل دون أن يرهقه العمل الذي يؤمن به رزقه، أو يشغله عن مواصلة مسيرته الإبداعية أو الإخلاص لها تماما. لا يزال الأديب يحتاج إلى عمل ليكون مصدره المادي، أمّا الأدب فلا يزال عاجزا عن أن يكفي الأديب حاجاته المادية، وذلك يشمل حتى كبار الأسماء الأدبية في عالمنا العربي، ويبدو أن الأمر سيبقى على ما هو عليه حتى تتغيّر منظومة الفكر والإنفاق والأولويات والمعطيات عند القارئ العربي وعند المؤسسات الأدبية الحكومية والخاصة بل ودور النشر والمجلات والصحف.
عود الند: بدأت في الأردن تجربة تمكن كاتب من التفرغ لتأليف كتاب والحصول على دخل من مؤسسة رسمية أثناء فترة التفرغ، ما رأيك بهذه الفكرة؟
سناء شعلان: لا بد أنّ هذه التجربة ستقدم الكثير للمبدع الأردني، وستتيح له فرصة الإبداع في ظل تغطية حاجاته المالية كافة، وتفرغه للإبداع بعيدا عن استنزاف العمل اليومي، لكن نجاح هذه التجربة مشروط بأمرين، الأمر الأول هو أن يفرّغ من المبدعين المتميّز الموهوب بحق، الذي يتأمل منه الجديد والمميز، وأن لا يكون تقديمها على أسس من المحسوبية على خارطة المصالح المشتركة، لذلك تحتاج هذه الظاهرة إلى أسس محددة وواضحة وعلنية تمنع أيّ تلاعب، وهذا يستدعي بالتأكيد وجود لجنة اختيار تتوافر على مقدار كبير من المعرفة والموهبة والحيادية والنزاهة، والأمر الثاني أن توسع قاعدة التجربة، فلا تعود محصورة على عدد قليل ومحصور من المبدعين، لتطال أكبر عدد من الأدباء ، فتطال التجربة اكبر قطاع ممكن من المبدعين.
عود الند: حجبت جائزة القصة القصيرة في الأردن مؤخرا، وثارت ضجة نتيجة القرار. ما المشكلة في حجب الجوائز إذا لم تكن الأعمال بالمستوى الذي تتوقعه لجان التحكيم؟
سناء شعلان: لن أقول لك إنّ المشكلة أنّ الأسماء المقدمة للجائزة من الأسماء التي لها وزنها في عالم القصة، ولن أقول لك إنّها تكاد تكون أهم من أسماء لجنة التحكيم نفسها، ولن أقول لك إنّ كثيرا من الأسماء المشاركة قد حصلت على جوائز عالمية وعربية ومحلية في القصة القصيرة، ولن أقول إنّ قرار الحجب متعسّف، وقد أساء إلى سمعة القصة القصيرة الأردنية التي يشهد لها النقاد العرب بالتميّز والعراقة، لكن يكفي أن أقول لك إنّ حجب الجائزة هو تناقض مع فلسفة جوائز التشجيع في كل الدنيا، وخروج سافر عن أدبياتها، فهذه الجائزة ليست تقديرية، ليكون هذا مبررا لحجبها بحجة جودة النصوص أو عدمها كما أدّعت لجنة التحكيم، ولكنها تشجيعية، أي تعطى لأفضل الأعمال المتقدّمة للتنافس، لأنّها للتشجيع، والتشجيع لا يحجب، بل يجب أن يكرّس ويدعم ويكثّف، لذلك كان حجب الجائزة التشجيعية مهزلة حقيقية تفتح التساؤلات، وتضع عشرات علامات التساؤل حول السبب الحقيقي لحجبها.
عود الند: كثرت الجوائز الأدبية العربية في الآونة الأخيرة. هل يقلقك ذلك أم يسرك؟ لماذا؟
سناء شعلان: أعتقد أنّ هذه الظاهرة ظاهرة صحية وإيجابية، فهي تتكفل بالتعريف بالمزيد من المواهب، وتفتح الآفاق أمامها، وتدعمها معنويا وماليا. كثرة الجوائز وإن كانت أحيانا تكرّس أسماء ليست بالمستوى المطلوب إلاّ إنّها في جملة القول تدعم وتبرز من يستحق الدعم من أهل المواهب لا سيّما أولئك المغمورين أو المبتدئين الذين يحتاجون إلى الدعم في أول طريقهم، وكلما كثرت الجهات الراعية للإبداع كان المشهد الثقافي أكثر تعافيا وإيجابية. من واجبنا أن ندعم تلك الجهات الممثلة في إدارات الجوائز، ونعير انتباهنا واهتمامنا لمن تقدم لهم تلك الجوائز من مبدعين، لا أن نتجنّى عليهم ونرفضهم بحجة أنهم دخلاء على المشهد الثقافي الرتيب.
عود الند: هل الثقافة يجب أن ترعاها المؤسسات الرسمية والمالية أم الأفضل أن تكون للثقافة مؤسسات مستقلة؟
سناء شعلان: نظريا من الأفضل أن تستقل الثقافة والإبداع عن الإدارات الرسمية ليتسنّى لها أن تبدع وتنتج بمنأى عن أي قوى ضاغطة قد تنهك بنيتها الإبداعية القائمة أصلا على الحرية والتثوير والنقد ولمز السلبيات، ولكن على أرض الواقع يبدو طرح نظرية أو اقتراح استقلالية الثقافة عن المؤسسات أمرا بعيد المنال، أولا بسبب العامل المادي، الذي يلحّ على وجود مصادر إنفاق كاملة ودائمة، وثانيا لأن المؤسسات المستقلة الخاصة مهما بلغت من استقلال فكري ومادي لا بد أن ترزح تحت عوامل ضغط ومؤسسات الدولة لاسيما ذات البعد السياسي والأمني منها. إذن الثقافة والمثقفون مطالبون جميعا بإيجاد معادلة توفيقية بين الثقافة وبين هيمنة المؤسسات الرسمية التي تدير في الغالب وترتب المشهد الثقافي.
عود الند: غالب هلسا عاد من المنفى إلى وطنه الأردن جثة هامدة، والآن هناك محاولات لتقديره التقدير الذي استحقه في حياته. هل قصر مثقفو الأردن تجاه غالب هلسا وتأخروا كثيرا في تكريمه؟
سناء شعلان: للأسف غالبا ما يكرّم المبدع في بلادنا العربية بعد موته، حتى يكاد الموت أن يكون شرطا خفيا وتراجيديا لتكريم الأديب والالتفات إليه بحق، وبذلك يغدو تكريمه بعد موته بساعة أو بألف سنة سواء في العبث واللا جدوى للمبدع الذي مات وانقضى دون أن تطرق أذنيه كلمة تقدير واحدة في بلده. فما قيمة تكريم غالب هلسا الآن؟
عود الند: هل تصنفين كتاباتك في إطار "أدب نسوي" أم لا؟
سناء شعلان: أنا أرفض تماما مصطلح الأدب النسوي، فما هو إلاّ مؤامرة ذكورية بهدف تبخيس الأدب الذي تنتجه المرأة، ووصفه بالدونية، ومن ثم فرض الوصاية الذكورية عليه، فهو أدب نسوي ناقص وله نظرة تعاطف لأنه يصدر عن امرأة أقل إبداعاُ من الرجل الذي "يشكّل أدبه المثال المقدس والكامل،" في موازاة أدب نسوي غرّ وضعيف ويعجز أن ينافس إبداع الرجل وإنتاجه. أنا أؤمن أني أديبة أنثى تنتج أدبا لا يقلّ عن الرجل، وأرفض تسميته بأدب نسوي جملة وتفصيلا. ولنترك المنتج الإبداعي نفسه هو من يقدّم المبدع ويقيّمه بعيدا عن التقسيمات الجندرية المتحيزة للرجل ولما ينتج ضد المرأة.
عود الند: هل الأدباء القدامى أفضل من الشباب؟ وما هو الاختلاف بين الجيلين من ناحية الإبداع؟
سناء شعلان: لا يمكن أن يكون الزمان المعيار الحقيقي للتميّز، فهذا منافي لحقيقة الأشياء. المتميز موجود في الماضي والحاضر. والسقط والمتطفّل موجود في الماضي والحاضر كذلك. لذلك من غير العدل المفاضلة على أساس الزمن، وإن كان علينا واجب الاحترام والتقدير والاعتراف بالريادة والأسبقية للجيل الأول. وعلى ما أعتقد، ليس أدلّ من ذلك من مطالعة المشهد الإبداعي الحاضر، فإلى جانب أسماء الرعيل الأول التي حفرت أسماءها في فضاء الإبداع نجد أسماء شبابية استطاعت أن تثبت وجودها على المشهد وتجد لها مكانا فيه دون استجداء أو تفضّل من الجيل الأول، بل بفضل تميزها وبفضل موهبتها.
عود الند: لو خيرت بين أن تترجم أعمالك إلى الانجليزية، أو أن توزع في جميع الدول العربية، أيهما تختارين؟
سناء شعلان: إذا كان التخيير قاطعا ونهائيا، ويلزمني بأمر دون الآخر فأنا أختار بالطبع ودون تردّد أن توزّع أعمالي على كلّ الوطن العربي، فأنا أولا وآخرا أديبة عربية أنتج إبداعي باللغة العربية، ويعنيني بل ويكرسني أن أُعرف عربيا مبدعة وإنسانة، وأستطيع تقبل فكرة أنّني أديبة عربية معروفة وإن بقيت نسيا منسيا عند الأمم الأخرى، لكن إن كان التخيير بهدف الترتيب، فأنا سأختار أن أعرف عربيا، وتوزّع أعمالي على كلّ الوطن العربي ثم بعد ذلك تترجم إلى اللغة الإنجليزية، فهذا اتساع طبيعي ومقبول لسيرورة أيّ أديب يرغب في الخروج من الإقليمية أو العربية إلى العالمية.
عود الند: هل اللغة العربية مهددة بالانقراض، كما حذّر في الآونة الأخيرة في مؤتمر تمّ برعاية جامعة الدول العربية؟
سناء شعلان: أعتقد أنّ الأمر برمته مبالغة عقيمة لا أعرف الهدف منها، فالعربية ليست لغة سائدة في محيط جغرافي ما ممكن أن تنقرض بانقراض ظروف معينة، بل هي لغة حضارة ودين إسلامي وبها أنتجت كل ثقافة العربية، وكلّ منجزاتها الحضارية، بل وهي الوعاء للتاريخ والموروث العربي لقرون طويلة، ولا يمكن أن نفترض أنّ اللغة العربية ستنقرض إلاّ إذا افترضنا عبثا هلاك كل العرب واندثار الدين الإسلامي وطمس كل منجزات الحضارة الإنسانية وموروثها، وهذه افتراضات عبثية وغير معقولة أو حتى ممكنة. لكن نستطيع القول إنّ اللغة تتعرض لمؤامرة لطمسها، لا سيما في زمن العولمة، ومحاولة بعض الدول فرض لغتها وثقافتها بشتى الطرق على الناطقين بالعربية. اللغة العربية تمرّ بمحنة خارجية ليست داخلية، فهي ليست قاصرة بطبيعتها بل على العكس، ولكن حالة التردّي والسقوط التي يعيشها أهل اللغة هي ما أساء للغة العربية، وكادت تضيق الخناق عليها وتتهمها بكل قصور وتخلف وضعف، وهي براء من كلّ ذلك.
عود الند: قمت بجولة في دول عربية مؤخرا، ماذا لمست من اختلاف وتشابه ثقافيا؟
سناء شعلان: البلاد العربية متشابهة في ظروفها على الرغم من الاختلاف الظاهري. لذلك تشعر في كل أصقاع الوطن العربي بنفس المشاعر والحاجات والآمال والانكسارات والتطلعات. الأشياء لها نفس الطعم في كلّ إنحائه. الفقر ذاته والغنى الفاحش ذاته. الحالمون ذاتهم، والغيلان ذاتهم. الآمال ذاتها والمعطيات القاهرة والمثبطة ذاتها. إذن كلنا في الهمّ شرق. تختلف فقط الجغرافيا، وبعض روافد الحياة الشكلية، وتتأرجح تفاصيل المشاهد بين التشابه والاختلاف والتباين. ولكن المشهد العام ذاته تقريباُ. لذلك إذا استثنينا بعض الظروف الإقليمية الخاصة وبعض الظواهر الشكلية والأسلوبية والموضوعية فإنّنا أمام مشهد ثقافي واحد تقريبا.
- غلاف: قافلة العطش
◄ عود الند: التحرير
▼ موضوعاتي