عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 1: 1-12 » العدد 12: 2007/05 » ذكريات دور السينما في الإسكندرية

مختارات: مصطفى نصر - مصر

ذكريات دور السينما في الإسكندرية


سينمــا الهمبــرا

تقع سينما الهمبرا في شارع صفية زغلول، في وسط محطة الرمل الشهيرة، مجهزة بأحدث الآلات، فكانت أم كلثوم تقيم حفلاتها الغنائية فيها. رغم هذا كانت سينما درجة ثانية. الصالة الأمامية بثلاث قروش، والخلفية بخمسة قروش ونصف، والبلكون بسبعة قروش ونصف. تعرض فيلمين أجنبيين، ونادرا ما تعرض أفلاما عربية. هي إحدى دور العرض التي كان يمتلكها إلياس جورج لطفي وأممتها حكومة الثورة، وأصبحت تابعة لمؤسسة السينما، وهي ثاني سينما في الإسكندرية من حيث المساحة بعد سينما ركس في المنشية.

عرضت عام 1963 فيلم "رابعة العدوية." وكنت وقتها في الإعدادية، فقررت أنا وزملائي في الفصل أن نذهب لمشاهدته في الحفلة الصباحية التي تبدأ في الثامنة والنصف صباحا، ولا نذهب إلى المدرسة في هذا اليوم. (كانت عادتنا، أن نختار يوما من أيام الدراسة، نذهب فيه إلى السينما في الحفلة الصباحية، ولا يذهب إلى المدرسة – من فصلنا – إلا عدد قليل جدا، لا يزيد عن الخمسة، فتضطر إدارة المدرسة أن تضمهم إلى أحد الفصول الأخرى).

يومها، تصاعد صوت أم كلثوم صافيا محلقا في سقف السينما الممتلئ بالمراوح، وهي تغني "تائب تجري دموعي ندما" و "أوقدوا الشموع" و "لغيرك ما مددت يدا." أحسست بشيء غير عادي يسري في كياني. تذكرت الفتاة التي كانت تسكن بيتنا وتشاركنا الشقة التي نسكنها، كانت تقف أمام باب حجرتنا وتحكي لي عن الأفلام التي تراها مع أبيها وأختها الوحيدة. لم أكن أحب سماع أم كلثوم وأعجب من حب الناس وهوسهم بصوتها. أضحك من عم صديقي، وزميلي في المدرسة – الذي قال وهو على فراش الموت:

الحمد لله لأنني سأموت بعد أن حضرت حفل أم كلثوم الأخير.

وتقول جارتي عنها:

"إنها تستحق الحب والإعجاب، فهي إنسانة محترمة في لبسها وتصرفاتها."

وأتذكر أحد مدرسينا حين قال:

"إذا أحسست بصوت أم كلثوم، ورغبت في سماعه، فاعلم أنك كبرت وصرت رجلا."

وها أنا أحس بصوت أم كلثوم، وأرغب في سماع المزيد من أغنياتها.

سينما التتــــويج

تقع سينما التتويج في شارع محمد كريم الذي يبدأ من المنشية، بعد أن تجتاز الجندي المجهول والمحكمة الكلية والمطافي. في أول الشارع من ناحية المنشية محلات كثيرة مغلقة، تتخذ مخازن لتجار الأقمشة الكثيرين في شارع فرنسا وسوق ليبيا القريبين. المحلات لا تفتح إلا لأخذ بضاعة منها. فتجد دائما سيارات النقل واقفة على جانبي الطريق. وينتهي الشارع عند حلقة السمك. سميت السينما بالتتويج، على الاسم القديم للشارع. والشارع سمي كذلك لأن الملك فاروق مر به في طريقه إلى قصر رأس التين، وتم تتويجه ملكا هناك. ثم غيرت حكومة الثورة اسم الشارع فأطلقت عليه اسم محمد كريم بطل الإسكندرية العظيم الذي قاوم الاحتلال الفرنسي بقيادة نابليون.

سينما فـــــــــؤاد

اندمجت الشركة التي كنت أعمل بها مع شركة أكبر منها تعمل في نفس المجال، وهو صناعة الورق. عاملنا موظفو الشركة الأكبر –التي اندمجنا فيها– وكأننا دولة صغيرة محتلة. وزعونا على إداراتهم كما يشاءون، وكبار موظفينا أصبحوا بلا عمل.

انتقلنا إلى إدارة الشركة الأكبر في شارع سعد زغلول. وقتها أحسست بأن وجودي في الشركة أصبح صعبا وعلى كف عفريت.

أنجبت –في ذلك الوقت– أول مولود لي. شعرت بالخوف من أجله، فمن الممكن ألا احتمل من يسيئون إلينا وأثور عليهم ويضيع عملي وأصبح بلا مورد.

سرت حزينا بعد عودتي من العمل. لا بد أن أبتعد عن البيت لكيلا تحس زوجتي بما أعانيه وهي متعبة بعد الولادة، كما إنها لا تكف عن سؤالي إذا رأتني غاضبا أو حزينا. سأذهب لمشاهدة فيلم أحمر شفايف لنجيب الريحاني، فهو الفيلم الوحيد الذي لم أره له للآن. شاهدت أفلامه الباقية: لعبة الست وسي عمر وسلامة في خير وأبو حلموس وغزل البنات.

الفيلم يعرض في سينما فؤاد بطريق الحرية. تغير اسم السينما فأصبحت رمسيس. ربما جاءتهم التعليمات بذلك من الحكومة. فقد كانت السينما تحمل اسم ملك مصر وأبو ملك مصر. كما أن الشارع الذي تقع فيه السينما كان اسمه فؤاد أيضا.

وقت أن كان اسمها سينما فؤاد –قبل الثورة– كانت من دور العرض الكبيرة جدا، ولا يدخلها إلا كبار القوم. وإذا اقترب منها رجل يرتدي قفطانا أو زيا متواضعا، يطردونه وربما يقبضون عليه، فما جاء إلى السينما إلا لسرقة أو مضايقة روادها الكبار.

يقولون إن عم جمال عبد الناصر اشتراها وغير اسمها، لأنه لا يليق أن يمتلك سينما تحمل أسم ملك مصر، وأبن أخيه قد قام بالثورة وحررها من الإنجليز ومن ابن الملك فؤاد التي تحمل السينما اسمه.

تغير حال السينما الآن، صارت تعمل بالعافية، مقاعدها مكسرة. من الممكن أن تدفع صفا بأكمله فيقع بكل مقاعده.

سينمــا محـرم بـك

يعرف طارق سينما محرم بك منذ طفولته، فبيته قريب جدا منها. يذكر طارق يوم أن جاءوا بمعظم تلاميذ مدرسته القريبة من السينما، سائرين في صفوف منتظمة، والناس حولهم، والتلاميذ الذين يعلقون شارة "الشرطة" في المقدمة والخلف. يومها، وقفوا صفوفا أمام دار السينما يتتبعون "بلنشات" فيلم رد قلبي: شكري سرحان في رداء الضباط، والأميرة إنجي (مريم فخر الدين) بقامتها المديدة الرشيقة ووجهها الجميل. أيامها كانت مدارس المنطقة التعليمية تدخل تلاميذها السينما. كل مدرسة لها يوم يحددونه مع إدارة السينما. فالفيلم يسجل قيام ثورة يوليو 1952.


مقاطع من كتاب سينما الدورادو لمصطفى نصر. الناشر: نادي القصة - القاهرة. سلسلة الكتاب الفضي (2007).

D 1 أيار (مايو) 2007     A عود الند: مختارات     C 0 تعليقات