ضياء الشرقاوي - مصر
نقد بناء: قصص قصيرة
يسر "عود الند" أن تنشر ثلاثا من القصص القصيرة جدا ضمن باب نقد بناء الهادف إلى تشجيع الكاتبات والكتاب الجدد من خلال تقديم نقد بناء لنصوصهم.
القصص من تأليف ضياء الشرقاوي، وهو كاتب من مصر مقيم في أستراليا.
قيم القصص د. محمد سليمان السعودي، مدير مركز اللغات ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة الطفيلة التقنية (الأردن).
ونعتذر عن عدم استقبال نصوص جديدة للتقييم. النصوص التي أرسلت وقبلت سوف تـنشر.
ظلال عدنان العقلة
المشرفة على باب نقد بناء
النصوص
ضياء الشرقاوي
الزهور الذابلة
مكتب خشبي عفى عليه الزمن. حجرة متهالكة محتضنة العنكبوت بين أركانها. تلال من الكتب المتراصة تملأ المكان. أكوام من الصحف القديمة. سرير عتيق منفرد في ركن الحجرة. الظلام يخيم على المكان. بخطوات متثاقلة دخل الحجرة مرتدياً حلته الإغريقية العمر وقد زحف الشيب ليملأ رأسه، ونظارته الطبية السميكة تهديه طريقه. استباح ظلام الحجرة: شمعة مضاءة بيد وبالأخرى وردة حمراء. انتصب أمام صورة ذات الإطار الحزين. بعد صمت طويل قال: "كل سنة وأنتِ طيبة"، ثم وضع الوردة فوق تل من الورود الذابلة.
النجاة
القمر بدراً يضيء كل ما حوله. بعد أن فرغ من حفل الزفاف طار بنصفه الآخر مستقلاً سيارته، وما هي إلا دقائق حتى أعلنت السيارة العصيان وتسمرت في مكانها. حاول إصلاحها لكن دون جدوى. استقلا سيارة نصف. باب شقة الزوجية أبى بدوره أن ينفتح فقد نسيا المفتاح. أخرج تليفونه المحمول ليطلب من يأتيه بالمفتاح لكن بطارية التليفون كانت تحتضر. المؤذن يؤذن لصلاة الفجر. الانتظار في المسجد أفضل من عمارة خالية. وما أن قضيت الصلاة، وإذا بدوي يرج صداه جنبات المسجد. جثت العمارة التي بها شقة الزوجين أنقاضا.
البنة
غروب الشمس آخر ما رأته عيناه. عصبوه وكمموا فاه. أُلقي في البيداء ليذوب بين فكيها ويلقي حتفه. ملقىً على الرمال لا يعلم كم لبث. بلي ثوبه وتغير لون جلده كالأرض الشراقي . صرخ يستغيث دون جدوى. كثيراً ما عكر صفو الحاكم. زحف بصيص الأمل يستبيح يأسه. ومَضَتْ الفكرة برأسه فهب ثائراً ليكسر قيود الذل والمهانة. انطلق كخيل البريد يستبق الريح. لبنة الحرية أكملت البناء. وارتمى في حضن وطنه ووجد ضالته.
تقييم النصوص
د. محمد سليمان السعودي
في سياق النصوص النثرية الحديثة تتنوّع الطرائق الأسلوبية تنوعاً ينسجم مع قواعد الأسلوب العربي القديم أحايين كثيرة، ويكتسب وقْع الحاضر في بعض مواقفه، وأرى أن ضياءً قد حاور الأسلوبين في إبداعه هذا، حيث مال إلى الجمل الاسمية في بداية قصصه الثلاث ثم أخذ التداور بينها وبين الفعلية في لب النصوص؛ فجذب بذلك المتلقي لمتابعة الموقف الذي يتبناه: "مكتب خشبي عفى عليه الزمن. حجرة متهالكة محتضنة العنكبوت بين أركانها" في القصة الأولى، و"القمر بدراً يضيء كل ما حوله"، "غروب الشمس آخر ما رأته عيناه" في القصة الثانية.
في حين اتجهت النصوص إلى تكثيف اللغة لتعميق دلالات النصوص خاصة أن مجال القصة القصيرة لا يدع للمبدع مساحة نصية للمناورة بين النصوص وبين المعجم اللفظي؛ فبدتْ النّصوص مشدودة زادت في تعمية الدلالة لتبدو جمالا يتوارى خلف ضباب الكلمات: "الانتظار في المسجد أفضل من عمارة خالية"، و"لبنة الحرية أكملت البناء".
وثمة انسجام بين العنوانات المطروحة في بعض النصوص وبين نهاياتها، فقصة "الزهور الذابلة" خُتمت بـ "تل من الورود الذابلة"، وقصة "البنة" (التي تعني في ظني باللهجة المصرية الذي يقوم بالبناء) انسجمت كثيراً مع نهايتها؛ فلبنة الحرية هي ما يحتاجه الوطن اليوم: "لبنة الحرية أكملت البناء. وارتمى في حضن وطنه ووجد ضالته". وكذلك في قصة "النجاة" كيف أن المسجد كان مانعا من الموت وحاضنا لكل من فقد نفسه أو ضلّ الطريق.
وبعد، فقد استمتعت كثيراً بهذه الرؤى الإبداعية، وكان لها أثر في نفسي، بيد أن ثمة بعض الأمور لا بد للكاتب من أخذها على محمل الجد، وأولها القراءة المتعمّقة للمبدعين الكبار مثل زكريا تامر ومحمود تيمور. ثانيها: الاطلاع على ما يصح استخدامه من الأساليب العربية القديمة والحديثة. وثالثها: معرفة قواعد النحو والصرف والإملاء معرفة لا تعمقاً، وهذا يصب في تميّز هذا الكاتب لأنه يحمل أفكاراً متميزة وفلسفة واضحة للرؤيا للحياة والكون.